ما أشبه اليوم بالبارحة ففي عام 2007 شهدت السلطنة إعصارا قويا جدا دمر العديد من البنى الأساسية أطلق عليه اسم (جونو) تركز في محافظة مسقط وأجزاء من محافظتي الشرقية وتضررت العديد من البنى الأساسية خصوصا الطرق وبعض المباني ومساكن وممتلكات المواطنين وهب الجميع من كل حدب وصوب لتقديم يد العون والمساعدة.

ولا زلنا نتذكر رد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس – طيب الله ثراه- عندما سأله أحد الصحفيين بعد الإعصار سؤالا مباشرا بقوله: "عندما جاء الإعصار الأخير (جونو) يقال أنك رفضت أي مساعدة فهل هذا يندرج تحت بند أنكم لا تريدون منة يلحقها أذى " فكان رد جلالته بليغا وله أبعاده السياسية والأمنية والاجتماعية ويحمل في طياته نظرة ثاقبة للمستقبل عرفنا معناها اليوم والبلاد تعيش ظروفا مشابهة.

تلك الكلمات الراسخة ستظل نبراسا ومنهجا نسير عليه، فقد قال جلالته -رحمه الله-: "ليس الموضوع بهذا الوصف فنحن لم نرفض بالشكل الحاد المطروح في سؤالك لكن عندما حصل الإعصار وجدنا أنفسنا مع شعبنا قادرين على حصر نتائج الكارثة، وأردنا أيضا أن نجرب قوتنا أمام مثل هذه الكارثة فشعبنا خضع للتجربة وأقول لك: أننا نجحنا فيها وهذه التجربة أيقظت الناس والشعب العماني وجدناه لحمة واحدة دائما.

واستطرد قائلا: "وهذه القضية دعنا نأخذها على أنها تحذير ليتهيأ للناس أن الحياة ليست دائما من دون مصاعب، وأن عليهم أن يستعدوا لكل ما يقدر لهم فهذا طبيعي وعلينا أن نقول دائما: الحمد الله على ما قدر ولطف، وواصل القول: "فهناك دول أخرى نجد أن هذه الكوارث الطبيعية عندها دائمة وليست استثناء، أما ما حدث عندنا وربما يحدث مرة أو مرتين نعتبره استثناء إذا ما قسناه بغيرنا ممن تقع عندهم الكوارث بشكل سنوي أو متعدد ولقد واجهنا هذه الكارثة بتعاون عال من المشاعر الوطنية وكنت اشد الناس سرورا بتعاون الشعب العماني على تجاوز نتائج هذا الإعصار دون هلع أو فزع أو فوضى وبقلوب مطمئنة "... انتهى حديث القائد الراحل.

إن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها المخلصين والحق يقال: إن ما حصل يومي الجمعة والسبت الفائتين له مشهد وطني عظيم فقد تهافت مئات المواطنين كبارا وصغارا رجالا ونساء من مختلف محافظات السلطنة على ولايتي السويق والخابورة وسارت طوابير السيارات المحملة بالمؤن والمساعدات إلى الولايتين الأكثر ضررا لشيء يثلج الصدر أنها ملحمة وطنية بمعنى الكلمة ويعجز اللسان عن وصفها فبقدر الألم الشديد على الخسائر الكبيرة في الممتلكات التي خلفها هذا الإعصار المدمر كانت المشاعر الجياشة والفخر والاعتزاز بهذا التلاحم والانسجام بين المواطنين في وطننا الغالي، رد السلطان قابوس -رحمه الله- على سؤال ذلك الصحفي هو بمثابة خارطة طريق ودافعا للجميع لمجابهة المحن والاعتماد على النفس وبعون الله من اجل الوطن.

وليس من سمع كمن رأى، لقد سمعنا قصصا أقرب إلى الخيال وكأنها من قصص ألف ليلة وليلة عن أحداث ليلة الأحد قبل الماضي والتي كانت ليست كسائر الليالي، كانت كئيبة على جميع مناطق السلطنة وبالذات على مواطني شمال الباطنة كانت رعبا وخوفا عاشها الأطفال وكبار السن كانت أشبه بيوم القيامة كما وصفها لنا احد شهود العيان الذين عاشوا فصولها.

ورغم حجم الكارثة إلا أن جميع من التقينا بهم بعد الإعصار يشكر ربه ويحمده بأن لطف بهم، لقد كان إيمانهم بالله قويا وأن هذه هي إرادة الله ويردّدون عبارة: (في المال ولا في الحال)، وهذه واحدة من نعم الإسلام حيث إن الإنسان عندما يؤمن بالله وبالقضاء والقدر خيره وشره، ففي ذلك تخفيف على القلب والجسم من الهموم والتفكير السلبي، وأخيرا نقول إنه السويق والخابورة وجميع ولايات السلطنة سوف تكون بخير وافضل من قبل بعون الله وبهمة وعزيمة شباب هذا الوطن المعطاء.