- 1 -
كنت خارج مصر أشارك في فعاليات الدورة الواحدة والعشرين من ملتقى الشارقة الدولي للراوي خلال الفترة (20 سبتمبر - 30 سبتمبر 2021) حينما تلقيت بحزنٍ كبير نبأ رحيل المؤرخ والأكاديمي والمترجم الموسوعي الدكتور قاسم عبده قاسم عن 79 عامًا.
وكل من اشتغل بالبحث في علم التاريخ، والدراسات التاريخية، وفي تاريخ العصور الوسطى بالأخص، وتاريخ الحروب الصليبية على وجه الخصوص، يعلم جيدًا من هو الدكتور قاسم عبده قاسم، وكل من كان له اتصال بالمعرفة والثقافة التاريخية والعامة، بالتأكيد مرَّ عليه كتاب أو أكثر من مؤلفاته (التي جاوزت المائة) أو ترجماته التي تصل إلى نصف هذا العدد تقريبًا أو قرأ له مقالًا أو أكثر من مقالاته الممتعة التي كان ينشرها في مجلة (العربي) الكويتية لسنواتٍ طويلة.
كان من حظي أنني تتلمذت على كتب الراحل الكبير في سن مبكرة للغاية، وتعرفت على واحد من كتبه التأسيسية؛ «ماهية الحروب الصليبية» الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 1989. ومع تراكم الخبرة والعمر، والتوسع في الاتصال بكل أشكال المعرفة التاريخية، كان اسم قاسم عبده قاسم لا يفارقني؛ إطلاقًا! فما من موضوع أو قضية تشغلني أو شخصية تاريخية أو فترة بحث منذ دخول عمرو بن العاص على رأس قوات الفتح العربي الإسلامي إلى مصر عام 622هـ إلى مجيء الحملة الفرنسية عام 1798م، إلا وأجد فيها كتابًا معتبرا أو بحثا وافيا أو مقالًا شائقًا موقعًا باسم قاسم عبده قاسم!
- 2 -
وقاسم عبده قاسم (1942-2021)، لمن لا يعرفه، هو المؤرخ الجليل والأستاذ العالم المحقق والمترجم والمثقف الموسوعي، صاحب التآليف المعتبرة والكتب المرجعية والترجمات القيمة.. ألف وترجم ما يقرب من 150 كتابًا وبحثًا ودراسة تغطي تاريخ البشرية منذ فجر التاريخ حتى وقتنا هذا!
وكان -رحمه الله- أستاذًا لتاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة الزقازيق، وكان بجهوده الضخمة ونشاطه العلمي والثقافي والإنساني بمثابة مؤسسة أكاديمية وثقافية شاملة بكل ما تعنيه الكلمة! مؤسسة كاملة فعلا، مكتملة الأركان والتخصصات والإسهامات!
ساهم بالكتابة والتأليف والتحقيق والتدريس والترجمة، وكتب المقال التاريخي في الدوريات المختلفة، وحاضر وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات، ومثَّل طوال عمره مؤسسة ضخمة بالغة القيمة والأهمية في حقل الدراسات التاريخية بل لعلي لا أبالغ لو قلت في حقل العلوم الإنسانية، والدراسات الإنسانية والثقافية ككل.
وقد أخبرني الدكتور قاسم -رحمه الله رحمة واسعة- ذات مرة، في حوارٍ طويل جمعنا قبل سنواتٍ، أن التاريخ لا يُكتب إنما يُفعل! التاريخ يُصنع؛ يصنعه الناس في مسيرتهم، ثم يُقرأ في كل عصر؛ حسب مصلحة العصر، وحسب زاوية الرؤية التي يريد كل أصحاب مصلحة أن يقرأوه من خلالها. ونحن لا ندرس التاريخ كي نستمع إلى قصص وحكايات، وأساطير ومرويات، أو وقائع غريبة وعجيبة وما إلى ذلك.. إلخ، نحن نقرأ التاريخ لنفهم حاضرنا ونستشرف مستقبلنا. فالتاريخ علم لا ينتمي إلى الماضي إلا من حيث مادته فقط، إنما هو علم يتصل اتصالًا وثيقا بالحاضر والمستقبل. ومن عرف نفسه من خلال تاريخه، عرف كيف يتلمس طريقه إلى المستقبل.
وهنا يجدر التذكير، كما شدد على ذلك في غير مرة من حوارنا، بأن المؤرخ الحقيقي يختلف عن الأيديولوجي الذي يقوم بالتنظير والدعوة لفكرة معينة، وأن المؤرخ لا يجب أن تحكمه الاعتبارات الفكرية، إذ أن ميدان عمله الحقيقي هو الدراسة المتأنية، والصارمة، للحدث التاريخي.
- 3 -
ولعل إنتاج الدكتور قاسم عبده قاسم في مجال التأليف والترجمة التاريخية، بل أزعم أيضًا كل أشكال المعرفة المتصلة بالتاريخ (نظريات ومناهج، تأريخًا وتحليلًا، أدبًا وفولكلورًا وثقافة) يشهد بأنه بلغ الذروة في الوصول إلى قمة ما يتمنى أو يصبو أي باحث أكاديمي متخصص أو مؤرخ محترف أو مترجم توفر على نقل عيون الثقافة التاريخية المنهجية المعاصرة إلى اللغة العربية.
أتصور أن إحصاء بسيطًا للكتب التي ألفها الدكتور قاسم أو ترجمها أو شارك في تأليفها قد ترهق صاحب المحاولة بل قد تصيبه بدوارٍ حقيقي من كثافة المجهود والبحث الذي سيبذله لملاحقة هذه العناوين التي ربَت على المائة إن لم تزد على ذلك!
ليس هدفي الحصر والإحصاء والاستقصاء. أبدًا! فهذا يفوق جهدي وطاقتي. إنما فقط أكتفي بإشارات ولمحات؛ مجرد لمحات لجهد عظيم وهائل وإنتاج لا تستطيع مؤسسات بأكملها لو توفرت عليه أن تنجزه في مثل المساحة الزمنية والطاقة البشرية التي أنجزها بها الدكتور قاسم -رحمه الله رحمة واسعة- وأسكنه فسيح جناته. يقول عنه المؤرخ والأكاديمي المعروف الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري الأسبق:
«وقد اهتم قاسم عبده قاسم بترجمة عددٍ من الدراسات الغربية المهمة عن الحروب الصليبية، وتاريخ العصور الوسطى، ومناهج البحث في التاريخ، ونظرات جديدة في الكتابة التاريخية، من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، ليسهم في تطوير قدرات الباحثين، واطلاعهم على كل جديد».
هذا بالإضافة إلى إسهامه في تخريج المتخصصين في الدراسات المملوكية، في مصر وخارجها، وفي تطوير الدراسة في أقسام التاريخ بعدد من الجامعات العربية خارج مصر، كما أشرف على رسائل للماجستير والدكتوراه في تخصص تاريخ المماليك فيها، وتخرج من بين أيديه عدد من الباحثين في عدد من البلدان العربية. وقد فتح قاسم عبده قاسم المجال أمام الباحثين في حقل الدراسات التاريخية لاستخدام الأعمال الأدبية، ونصوص التراث الشعبي، كمصادر للدراسة التاريخية، وقد سار بعض طلابه على هذا النهج في العديد من الجامعات المصرية والعربية.
- 4 -
لطالما أذهلني هذا الأستاذ العبقري بغزارة إنتاجه تأليفا وترجمة؛ مقالًا وبحثًا، نشرًا ومراجعة وتقديمًا؛ وبتُّ على يقين بأن كتب الدكتور قاسم فضلًا على معارفها الزاخرة وفائدتها الكبرى، وقيمتها المتجددة، فهي أيضا ممتعة في قراءتها فهو من القليلين الذين يتحرون السلاسة والبساطة والانسيابية الأسلوبية دون الإخلال أبدًا بقواعد ومنهجية الكتابة البحثية من حيث التدقيق والتوثيق والإحكام والترابط.
أكثر من 100 عنوان (وربما فاتني ما لم أحط به خبرًا!) هي حصيلة الإنجاز المعرفي للدكتور قاسم؛ تغطي مساحة زمنية هائلة، ومنذ دخل العرب المسلمون إلى مصر عام 20 هـ وحتى سقوط دولة المماليك، ستجد كتبًا رائعة لا غنى عنها، أبدًا، تغطي عصور مصر الإسلامية المتعاقبة منذ الفتح العربي الإسلامي حتى نهاية العصور الوسطى.
أما عن الحروب الصليبية في العصور الوسطى فحدِّث ولا حرج عما كتبه الدكتور قاسم أو ترجمه؛ أخبرني الصديق العزيز والمؤرخ الثبت الأستاذ الجليل الدكتور حاتم الطحاوي أن أفضل وأهم ما كُتب عن الحروب الصليبية باللغة العربية لـ الدكتور قاسم عبده قاسم؛ وخذْ عندك:
«ماهية الحروب الصليبية»، «الخلفية الأيديولوجية للحروب الصليبية»، «موسوعة كمبردج عن الحروب الصليبية» التي ترجمها وقدم لها، وموسوعة جوناثان رايلي سميث أيضًا عن «تاريخ الحروب الصليبية» في مجلدين؛ نستطيع القول إن هذه هي المؤلفات الكبرى التي تؤطر تاريخيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وأيديولوجيًّا هذه الحركة المحورية في تاريخ العصور الوسطى.. كل ذلك فضلا على ما تفرع عن هذه العناوين الرئيسية الكبرى من موضوعات، وقضايا، وشخصيات، تتصل بالأدب والفولكلور والفنون، وجوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والأدبية المختلفة والمتنوعة.. إلخ.
ثم سيغطي الدكتور قاسم تاريخ العصور والدول التي نشأت على أرض مصر، عقب سقوط دولة الفاطميين بسلسلةٍ من الكتب المرجعية؛ منها «في تاريخ الأيوبيين والمماليك»، «عصر سلاطين المماليك التاريخ السياسي والاجتماعي»، «النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك»، «الحياة اليومية في مصر عصر سلاطين المماليك»، «أسواق مصر في عصر سلاطين المماليك»، و«أهل الذمة في مصر من الفتح الإسلامي حتى نهاية المماليك».. إلخ.
لم يترك الدكتور قاسم عبده قاسم شاردة ولا واردة في هذه الفترة لم يكتب عنها أو يعالجها في بحث أو دراسة أو مقال أو محاضرة..
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه خير الجزاء عما قدّم للعلم والمعرفة التاريخية؛ وعما علم ونفع وأفاد في ربوع المعمورة كلها..
كنت خارج مصر أشارك في فعاليات الدورة الواحدة والعشرين من ملتقى الشارقة الدولي للراوي خلال الفترة (20 سبتمبر - 30 سبتمبر 2021) حينما تلقيت بحزنٍ كبير نبأ رحيل المؤرخ والأكاديمي والمترجم الموسوعي الدكتور قاسم عبده قاسم عن 79 عامًا.
وكل من اشتغل بالبحث في علم التاريخ، والدراسات التاريخية، وفي تاريخ العصور الوسطى بالأخص، وتاريخ الحروب الصليبية على وجه الخصوص، يعلم جيدًا من هو الدكتور قاسم عبده قاسم، وكل من كان له اتصال بالمعرفة والثقافة التاريخية والعامة، بالتأكيد مرَّ عليه كتاب أو أكثر من مؤلفاته (التي جاوزت المائة) أو ترجماته التي تصل إلى نصف هذا العدد تقريبًا أو قرأ له مقالًا أو أكثر من مقالاته الممتعة التي كان ينشرها في مجلة (العربي) الكويتية لسنواتٍ طويلة.
كان من حظي أنني تتلمذت على كتب الراحل الكبير في سن مبكرة للغاية، وتعرفت على واحد من كتبه التأسيسية؛ «ماهية الحروب الصليبية» الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 1989. ومع تراكم الخبرة والعمر، والتوسع في الاتصال بكل أشكال المعرفة التاريخية، كان اسم قاسم عبده قاسم لا يفارقني؛ إطلاقًا! فما من موضوع أو قضية تشغلني أو شخصية تاريخية أو فترة بحث منذ دخول عمرو بن العاص على رأس قوات الفتح العربي الإسلامي إلى مصر عام 622هـ إلى مجيء الحملة الفرنسية عام 1798م، إلا وأجد فيها كتابًا معتبرا أو بحثا وافيا أو مقالًا شائقًا موقعًا باسم قاسم عبده قاسم!
- 2 -
وقاسم عبده قاسم (1942-2021)، لمن لا يعرفه، هو المؤرخ الجليل والأستاذ العالم المحقق والمترجم والمثقف الموسوعي، صاحب التآليف المعتبرة والكتب المرجعية والترجمات القيمة.. ألف وترجم ما يقرب من 150 كتابًا وبحثًا ودراسة تغطي تاريخ البشرية منذ فجر التاريخ حتى وقتنا هذا!
وكان -رحمه الله- أستاذًا لتاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة الزقازيق، وكان بجهوده الضخمة ونشاطه العلمي والثقافي والإنساني بمثابة مؤسسة أكاديمية وثقافية شاملة بكل ما تعنيه الكلمة! مؤسسة كاملة فعلا، مكتملة الأركان والتخصصات والإسهامات!
ساهم بالكتابة والتأليف والتحقيق والتدريس والترجمة، وكتب المقال التاريخي في الدوريات المختلفة، وحاضر وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات، ومثَّل طوال عمره مؤسسة ضخمة بالغة القيمة والأهمية في حقل الدراسات التاريخية بل لعلي لا أبالغ لو قلت في حقل العلوم الإنسانية، والدراسات الإنسانية والثقافية ككل.
وقد أخبرني الدكتور قاسم -رحمه الله رحمة واسعة- ذات مرة، في حوارٍ طويل جمعنا قبل سنواتٍ، أن التاريخ لا يُكتب إنما يُفعل! التاريخ يُصنع؛ يصنعه الناس في مسيرتهم، ثم يُقرأ في كل عصر؛ حسب مصلحة العصر، وحسب زاوية الرؤية التي يريد كل أصحاب مصلحة أن يقرأوه من خلالها. ونحن لا ندرس التاريخ كي نستمع إلى قصص وحكايات، وأساطير ومرويات، أو وقائع غريبة وعجيبة وما إلى ذلك.. إلخ، نحن نقرأ التاريخ لنفهم حاضرنا ونستشرف مستقبلنا. فالتاريخ علم لا ينتمي إلى الماضي إلا من حيث مادته فقط، إنما هو علم يتصل اتصالًا وثيقا بالحاضر والمستقبل. ومن عرف نفسه من خلال تاريخه، عرف كيف يتلمس طريقه إلى المستقبل.
وهنا يجدر التذكير، كما شدد على ذلك في غير مرة من حوارنا، بأن المؤرخ الحقيقي يختلف عن الأيديولوجي الذي يقوم بالتنظير والدعوة لفكرة معينة، وأن المؤرخ لا يجب أن تحكمه الاعتبارات الفكرية، إذ أن ميدان عمله الحقيقي هو الدراسة المتأنية، والصارمة، للحدث التاريخي.
- 3 -
ولعل إنتاج الدكتور قاسم عبده قاسم في مجال التأليف والترجمة التاريخية، بل أزعم أيضًا كل أشكال المعرفة المتصلة بالتاريخ (نظريات ومناهج، تأريخًا وتحليلًا، أدبًا وفولكلورًا وثقافة) يشهد بأنه بلغ الذروة في الوصول إلى قمة ما يتمنى أو يصبو أي باحث أكاديمي متخصص أو مؤرخ محترف أو مترجم توفر على نقل عيون الثقافة التاريخية المنهجية المعاصرة إلى اللغة العربية.
أتصور أن إحصاء بسيطًا للكتب التي ألفها الدكتور قاسم أو ترجمها أو شارك في تأليفها قد ترهق صاحب المحاولة بل قد تصيبه بدوارٍ حقيقي من كثافة المجهود والبحث الذي سيبذله لملاحقة هذه العناوين التي ربَت على المائة إن لم تزد على ذلك!
ليس هدفي الحصر والإحصاء والاستقصاء. أبدًا! فهذا يفوق جهدي وطاقتي. إنما فقط أكتفي بإشارات ولمحات؛ مجرد لمحات لجهد عظيم وهائل وإنتاج لا تستطيع مؤسسات بأكملها لو توفرت عليه أن تنجزه في مثل المساحة الزمنية والطاقة البشرية التي أنجزها بها الدكتور قاسم -رحمه الله رحمة واسعة- وأسكنه فسيح جناته. يقول عنه المؤرخ والأكاديمي المعروف الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري الأسبق:
«وقد اهتم قاسم عبده قاسم بترجمة عددٍ من الدراسات الغربية المهمة عن الحروب الصليبية، وتاريخ العصور الوسطى، ومناهج البحث في التاريخ، ونظرات جديدة في الكتابة التاريخية، من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، ليسهم في تطوير قدرات الباحثين، واطلاعهم على كل جديد».
هذا بالإضافة إلى إسهامه في تخريج المتخصصين في الدراسات المملوكية، في مصر وخارجها، وفي تطوير الدراسة في أقسام التاريخ بعدد من الجامعات العربية خارج مصر، كما أشرف على رسائل للماجستير والدكتوراه في تخصص تاريخ المماليك فيها، وتخرج من بين أيديه عدد من الباحثين في عدد من البلدان العربية. وقد فتح قاسم عبده قاسم المجال أمام الباحثين في حقل الدراسات التاريخية لاستخدام الأعمال الأدبية، ونصوص التراث الشعبي، كمصادر للدراسة التاريخية، وقد سار بعض طلابه على هذا النهج في العديد من الجامعات المصرية والعربية.
- 4 -
لطالما أذهلني هذا الأستاذ العبقري بغزارة إنتاجه تأليفا وترجمة؛ مقالًا وبحثًا، نشرًا ومراجعة وتقديمًا؛ وبتُّ على يقين بأن كتب الدكتور قاسم فضلًا على معارفها الزاخرة وفائدتها الكبرى، وقيمتها المتجددة، فهي أيضا ممتعة في قراءتها فهو من القليلين الذين يتحرون السلاسة والبساطة والانسيابية الأسلوبية دون الإخلال أبدًا بقواعد ومنهجية الكتابة البحثية من حيث التدقيق والتوثيق والإحكام والترابط.
أكثر من 100 عنوان (وربما فاتني ما لم أحط به خبرًا!) هي حصيلة الإنجاز المعرفي للدكتور قاسم؛ تغطي مساحة زمنية هائلة، ومنذ دخل العرب المسلمون إلى مصر عام 20 هـ وحتى سقوط دولة المماليك، ستجد كتبًا رائعة لا غنى عنها، أبدًا، تغطي عصور مصر الإسلامية المتعاقبة منذ الفتح العربي الإسلامي حتى نهاية العصور الوسطى.
أما عن الحروب الصليبية في العصور الوسطى فحدِّث ولا حرج عما كتبه الدكتور قاسم أو ترجمه؛ أخبرني الصديق العزيز والمؤرخ الثبت الأستاذ الجليل الدكتور حاتم الطحاوي أن أفضل وأهم ما كُتب عن الحروب الصليبية باللغة العربية لـ الدكتور قاسم عبده قاسم؛ وخذْ عندك:
«ماهية الحروب الصليبية»، «الخلفية الأيديولوجية للحروب الصليبية»، «موسوعة كمبردج عن الحروب الصليبية» التي ترجمها وقدم لها، وموسوعة جوناثان رايلي سميث أيضًا عن «تاريخ الحروب الصليبية» في مجلدين؛ نستطيع القول إن هذه هي المؤلفات الكبرى التي تؤطر تاريخيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وأيديولوجيًّا هذه الحركة المحورية في تاريخ العصور الوسطى.. كل ذلك فضلا على ما تفرع عن هذه العناوين الرئيسية الكبرى من موضوعات، وقضايا، وشخصيات، تتصل بالأدب والفولكلور والفنون، وجوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والأدبية المختلفة والمتنوعة.. إلخ.
ثم سيغطي الدكتور قاسم تاريخ العصور والدول التي نشأت على أرض مصر، عقب سقوط دولة الفاطميين بسلسلةٍ من الكتب المرجعية؛ منها «في تاريخ الأيوبيين والمماليك»، «عصر سلاطين المماليك التاريخ السياسي والاجتماعي»، «النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك»، «الحياة اليومية في مصر عصر سلاطين المماليك»، «أسواق مصر في عصر سلاطين المماليك»، و«أهل الذمة في مصر من الفتح الإسلامي حتى نهاية المماليك».. إلخ.
لم يترك الدكتور قاسم عبده قاسم شاردة ولا واردة في هذه الفترة لم يكتب عنها أو يعالجها في بحث أو دراسة أو مقال أو محاضرة..
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه خير الجزاء عما قدّم للعلم والمعرفة التاريخية؛ وعما علم ونفع وأفاد في ربوع المعمورة كلها..