تأملات قرآنية

المتأمل في كتاب الله يجده زاخرًا بذكر الأفلاك السماوية والكواكب والنجوم، ومن أبرز هذه الأجرام التي تنولها هي الشمس، باعتبارها مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بحياة البشر، حتى أن بعض الأقوام قاموا بعبادتها، لعظيم أثرها عليهم، فهي إلى جانب كونها مصدر دفئهم، وضوء نهارهم، وأنهم يعتمدون عليها في حساب الأيام والشهور والفصول والأعوام، إلى جانب ذلك كله فهي مصدر الإبهار في السماء، ومن أكبر الأجرام السماوية التي يراها الإنسان قريبة منه، على الرغم من صغرها وضآلتها بالنسبة إلى حجم الكون واتساعه.

وقد أقسم القرآن بها في سورة حملت اسمها وهي سورة "الشمس" حيث قال تعالى: "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا" كما أن القرآن ذكرها بذكر الحدث الذي يقع عليها في مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، وهو ذهاب ضوئها فقال تعالى في سورة التكوير: "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ".

وسجل القرآن بعض الأقوام الذين عبدوا الشمس من دون الله ومنهم قوم سبأ، حيث حكى عنهم الله في كتابه العزيز على لسان الهدهد فقال تعالى في سورة النمل: "وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)" وقد أمرنا الله بإخلاص العبادة له وعدم الإشراك به، فكل شيء خلقه الله تعالى، وسخره للإنسان لينتفع منه ويتأمل فيه لا أن يعبده ويتخذه ربا من دون الله فقال في سورة فصلت: "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)".

وقد استخدم سيدنا إبراهيم الشمس كحجة دامغة ليبهت بها النمرود عندما استغنى بملكه وادعى الربوبية، فقال له إبراهيم: إن الله يحيي ويميت، فأجابه النمرود بأنني أنا أحيي وأميت، فجاء برجل حكم عليه بالموت وعفى عنه، وجاء بسجين وأمر بقتله، فهو يقول بأنه بهذه الطريقة هو أحيا وأمات، ولكن كان إبراهيم -عليه السلم- يريد أصل الإحياء والإماتة، ولكن لم يدخل معه إبراهيم -عليه السلام- في جدال غير محسوم مع شخص جاحد للحق، ولكن أراد أن يدمغه بحجة بالغة واضحة جلية بوضوح الشمس التي استخدمها إبراهيم -عليه السلام- فقال له: إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فإن كنت ربا كما تزعم وتقول فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، كما حكى الله ذلك في سورة البقرة حينما قال: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)"

وفي مشهد آخر نجد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يستند على الشمس في إبراز حجة عقلية تجاه قومه في قصته التي عرضها الله في سورة الأنعام، حيث رأى كوكب الزهرة فقال لهم من باب الاستدراج في الحجة: إن هذا ربي ولكن بعد ما غرب هذا الكوكب قال إنه لا يصلح لأن يكون إلهًا؛ لأنه مؤقت لا يستمر، وحينما رأى القمر قال: هذا ربي ولكنه بعدما غرب قال: لا يصلح أن يكون هذا إلهًا؛ لأنه ليس بدائم، وكذلك عندما طلعت عليه الشمس قال: لهم هذا ربي؛ لأنه أكبر ولكن بعدما أفلت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون لأن قومه كانوا يعبدون الأصنام والكواكب، فأراد أن يبين لهذه المخلوقات نقصها وأنها لا تصلح أن تكون إلهًا يعبد من دون الله، وهذا ما ذكره الله من هذه القصة في سورة الأنعام حيث يقول تعالى: "فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)".

وأكد القرآن الكريم في الكثير من الآيات أن هذه الأجرام السماوية بكبر حجمها واتساعها مسخرات لأجل هذا الإنسان، ينتفع مما تمده به من نور ودفء فقال تعالى في سورة إبراهيم: "وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)"، وقال تعالى في سورة النحل: "وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)" وقال في سورة الأعراف: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)" وقال تعالى في سورة الرعد: "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)"وقال في سورة العنكبوت: "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (61)".

وبين النص القرآني لمزيد من التأمل والتدبر في ملكوت الله سبحانه وتعالى بأنه جعل الشمس والقمر ليعلم الناس عدد السنين والحساب فقال تعالى في سورة يونس يبين هذا الأمر: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)" وقال في سورة الأنعام: "فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)" وقال تعالى في سورة يس:"وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)".

لأن هذه الأجرام السماوية تسبح في أفلاكها وفق نظام دقيق، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة في سورة الأنبياء، حيث يقول عز وجل: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)".

ولكن في ذكر لكلمة الشمس في موضع آخر من القرآن الكريم نجد أنها وردت في قصة النبي يوسف -عليه السلام- عندما رأى في منامه أن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، وكان تفسير الرؤيا أن الشمس هي أمه -عليه السلام- حيث قال تعالى في سورة يوسف: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)".

كما وردت كلمة الشمس للدلالة على المكان وذلك في قصة ذي القرنين في سورة الكهف فعندما أراد القرآن أن يعبر عن الغرب قال: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)"، وعندما أراد أن يعبر عن جهة المشرق قال تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)".

كما ذكر الله الشمس في قصة أصحاب الكهف عندما كانوا في نومها والشمس تزاور عن كهفهم فقال تعالى في سورة الكهف: "وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17)"

وربط القرآن تأدية العبادات بأوقات مخصوصة، حيث قال في سورة الإسراء: "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)" وقال في سورة طه: "فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ (130)" كما ذكر الله تعالى في كتابه الحكيم أن الشمس تسجد لله تعالى مع مخلوقاته فقال في سورة الحج: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ (18)".