تشتغل أولوية «تنمية المحافظات والمدن المستدامة» على 28 برنامجا استراتيجيا أفصحت عنها وثيقة البرامج الاستراتيجية لخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025)، والمتتبع لهذه البرامج يجد أنها تعنى على المستوى التخطيطي بتحقيق أبعاد التحول نحو «اللامركزية» التي تعتبر ممكنًا مهمًا من ممكنات رؤية عُمان 2040. وليس بمستجد القول إن التحول نحو اللامركزية أصبح اتجاهًا محوريًا في أدبيات التنمية وخاصة في البلدان النامية خلال الخمسين عامًا الماضية بمختلف أشكالها (السياسية، والاقتصادية، والمالية، والإدارية)، ذلك أنها تشتغل على الاستفادة القصوى من الموارد الاقتصادية للمجتمعات الفرعية، والإدماج الأكبر لشرائح السكان في إدارة شؤون هذه المجتمعات، بالإضافة إلى حشد الطاقات البشرية وتفعيل اقتصادات التضامن وحوكمة الإدارة في مستويات مختلفة، إلى جانب كونها تعمل على الاستفادة القصوى من المؤسسات الاجتماعية المحلية بما فيها تكوينات المجتمع المدني في سبيل التنمية المستديمة. ونحسب أنه في الحالة العُمانية فإن المنطلق الأساس لهذا التحول إنما هو في «اللامركزية الاقتصادية» التي من شأنها أن تدفع تدريجيًا باتجاه الأشكال الأخرى من اللامركزية، آخذين في الحسبان أن أهم اعتبار يتم تدريسه في منظورات اللامركزية هو تخير المنطلق الأساس لها، بما يتناسب والبنية الثقافية والسياسية والاجتماعية للمجتمع، ومدى مساحات المشاركة العامة للسكان، ومستوى القدرات والكفاءات التخصصية القادرة على إدارة هذا التحول.
أحسب أيضًا أن هذا التحول يجب أن تكون له استراتيجياته المنفصلة، وذلك لاعتبارين مهمين، الأول أننا لسنا حديثي عهد بفكرة اللامركزية، فالتمأسس الإداري لفكرة المحافظات ومن قبلها المناطق في مقاربة الدولة الحديثة والاستفادة من متحققاتها يشكل مرتكز أساس لهذا التحول، بالإضافة إلى صدور نظام المحافظات والشؤون البلدية بموجب المرسوم السلطاني (101/2020) الذي يؤسس لما يمكن للمحافظات أن تساهم به ويكسبها الإرادة السياسية والمقومات التشريعية والإدارية في هذا السياق من شأنه أن يؤسس لتجربة رائدة في هذا الصدد. يشير آخر تقرير صادر عن مؤشر Regional Authority Index والذي يعنى بقياس اتجاهات دول العالم نحو التحول للامركزية أو السلطة الإقليمية إلى أن 9 دول فقط من بين81 دولة يغطيها المؤشر شهدت انخفاضا في درجة السلطة اللامركزية، فيما تزايد درجة الإصلاحات الجهوية في بقية البلدان التي تمت تغطيها، ويلمح المؤشر إلى أن اتجاهات الإصلاح شملت ثلاثة اتجاهات أساسية (توليد اقتصاديات متباينة الأحجام في تقديم الخدمات العامة – تصميم وتنفيذ متكامل لاستراتيجيات التنمية الإقليمية تأخذ في الاعتبار الروابط الحضرية الريفية – اتضاح إجراءات تشريعية واضحة للتنسيق بين المستويات الحكومية والجهويات مع تحديد المسؤوليات وتجنب التداخل).
نأمل أن يتم التفكير خلال الخمس سنوات القادمة على فكرة «تخليق النماذج creating models» من المحافظات التي يمكن أن تقود هذا التحول وتكون قاطرة لبقية المحافظات في سبيل تحقيقه على المستوى الوطني، مع ضرورة التنبه إلى اعتبارات أساسية أفزرتها تجارب التحول نحو اللامركزية حول العالم، وخاصة خلال الخمسين عامًا الماضية، ومن أهم هذه الاعتبارات:
• التنبه إلى أهمية توفير البيانات، وقواعد المعلومات، ونقصد بها تأطير قاعدة بيانات المحافظة سواء من الناحية الديموغرافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وكذلك من ناحية حصر الفرص والموارد المتاحة.
• بالإضافة إلى أهمية التركيز على بناء القدرات الوطنية المحلية من خلال تشكيل فرق العمل الاقتصادية، وفرق عمل تنسيق المشاركة المجتمعية، وفرق عمل التمويل والتسويق المحلي للمحافظة، والفرق الاستثمارية، وأن تعمل هذه الفرق على بناء قدرات منتسبيها وإكسابهم المقاربات الحديثة في سبيل التحول للامركزية
• من المهم كذلك التنبه إلى أن النجاح قد ينطلق من مناطق جغرافية أصغر حجمًا وليس بالضرورة المناطق ذات الاتساع الجغرافي أو الموارد الوافرة، وما يحكم المسألة هو الكيفية التي يتم فيها تحويل أبسط الخصائص التي تتميز فيها المحافظة إلى مورد اقتصادي قائم يحقق الغايات الخمس التي نفترضها لللامركزية في عُمان وهي: الجاذبية العامة – الاستقلالية المالية – الاكتفاء الاقتصادي الذاتي – التشغيل واستثمار المورد البشري للمحافظة – تأسيس السمة الثقافية العامة والحفاظ عليها.
وفيما يتصل بالشراكة بين القطاعات الثلاثة (العام – الخاص – المجتمع المدني) يتوجب أن تخلق كل محافظة نموذجها الخاص والمستقل الذي يمكن أن يتأسس على طبيعة الأعمال التي يقوم بها القطاع الخاص والأنشطة التي يمارسها في المحافظة، واعتبارات القيمة المحلية المضافة المستوجب التنبه لها، بالإضافة إلى أنماط المسؤولية الاجتماعية ومساهماتها وآليات توجيه تلك المساهمات، كل ذلك يجب أن يتصل بغايات التنمية الأساسية للمحافظة التي يمكن أن تحدد من قبل المؤسسات الإدارية القائمة فيها، حيث تحدد هذه الأولويات ما يمكن أن نسميه (سمة المحافظة) بما يتسق أيضًا مع الاستراتيجية العمرانية التي تم إقرارها، وأن يتصل ذلك بحشد الجهود والموارد في مؤسسات المجتمع المدني لتساهم في سبيل الإمداد بالرؤى – الطاقات البشرية – التقييم والمتابعة والحكامة لهذه الشراكة. ونفترض أن هذا التحول سيساهم في «موطنة» القدرات البشرية والحد من هجرات المتصل الريفي – الحضري وخاصة بالنسبة للشباب، مما يعزز كذلك حركة الاقتصاد والأسواق وتنافسيتها بشكل متواز في مختلف محافظات السلطنة، عوضًا عن الانتقال من (توفير) فرص العمل إلى (تخليق) فرص العمل، عوضًا عن كفاءة المناخات المؤهلة لممارسة أنشطة الأعمال ونشوء المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار الأمثل للأفكار الريادية للشباب في محافظاتهم بشكل أساس. ونفترض أن الخطط الخمسية التي تترجم رؤية عُمان 2040 فيما لو استطاعت فعليًا تخليق هذه النماذج من المحافظات في إطار فكرة اللامركزية، فإنها ستفضي إلى محافظات مكتفية ذاتيًا بكل عناصر تحقيق هذا الاكتفاء، وذات سمة مميزة على المستوى الثقافي والبلدي والسياحي، ومحققة لموطنة القدرات البشرية ومستثمرة لطاقات شبابها، ومغيرة لمعادلة الاستثمار من إطار النموذج «المركزي» الذي ينطلق من خصائص موحدة إلى نماذج متعددة تنطلق من خصائص وفرص المحافظات ذاتها.
أحسب أيضًا أن هذا التحول يجب أن تكون له استراتيجياته المنفصلة، وذلك لاعتبارين مهمين، الأول أننا لسنا حديثي عهد بفكرة اللامركزية، فالتمأسس الإداري لفكرة المحافظات ومن قبلها المناطق في مقاربة الدولة الحديثة والاستفادة من متحققاتها يشكل مرتكز أساس لهذا التحول، بالإضافة إلى صدور نظام المحافظات والشؤون البلدية بموجب المرسوم السلطاني (101/2020) الذي يؤسس لما يمكن للمحافظات أن تساهم به ويكسبها الإرادة السياسية والمقومات التشريعية والإدارية في هذا السياق من شأنه أن يؤسس لتجربة رائدة في هذا الصدد. يشير آخر تقرير صادر عن مؤشر Regional Authority Index والذي يعنى بقياس اتجاهات دول العالم نحو التحول للامركزية أو السلطة الإقليمية إلى أن 9 دول فقط من بين81 دولة يغطيها المؤشر شهدت انخفاضا في درجة السلطة اللامركزية، فيما تزايد درجة الإصلاحات الجهوية في بقية البلدان التي تمت تغطيها، ويلمح المؤشر إلى أن اتجاهات الإصلاح شملت ثلاثة اتجاهات أساسية (توليد اقتصاديات متباينة الأحجام في تقديم الخدمات العامة – تصميم وتنفيذ متكامل لاستراتيجيات التنمية الإقليمية تأخذ في الاعتبار الروابط الحضرية الريفية – اتضاح إجراءات تشريعية واضحة للتنسيق بين المستويات الحكومية والجهويات مع تحديد المسؤوليات وتجنب التداخل).
نأمل أن يتم التفكير خلال الخمس سنوات القادمة على فكرة «تخليق النماذج creating models» من المحافظات التي يمكن أن تقود هذا التحول وتكون قاطرة لبقية المحافظات في سبيل تحقيقه على المستوى الوطني، مع ضرورة التنبه إلى اعتبارات أساسية أفزرتها تجارب التحول نحو اللامركزية حول العالم، وخاصة خلال الخمسين عامًا الماضية، ومن أهم هذه الاعتبارات:
• التنبه إلى أهمية توفير البيانات، وقواعد المعلومات، ونقصد بها تأطير قاعدة بيانات المحافظة سواء من الناحية الديموغرافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وكذلك من ناحية حصر الفرص والموارد المتاحة.
• بالإضافة إلى أهمية التركيز على بناء القدرات الوطنية المحلية من خلال تشكيل فرق العمل الاقتصادية، وفرق عمل تنسيق المشاركة المجتمعية، وفرق عمل التمويل والتسويق المحلي للمحافظة، والفرق الاستثمارية، وأن تعمل هذه الفرق على بناء قدرات منتسبيها وإكسابهم المقاربات الحديثة في سبيل التحول للامركزية
• من المهم كذلك التنبه إلى أن النجاح قد ينطلق من مناطق جغرافية أصغر حجمًا وليس بالضرورة المناطق ذات الاتساع الجغرافي أو الموارد الوافرة، وما يحكم المسألة هو الكيفية التي يتم فيها تحويل أبسط الخصائص التي تتميز فيها المحافظة إلى مورد اقتصادي قائم يحقق الغايات الخمس التي نفترضها لللامركزية في عُمان وهي: الجاذبية العامة – الاستقلالية المالية – الاكتفاء الاقتصادي الذاتي – التشغيل واستثمار المورد البشري للمحافظة – تأسيس السمة الثقافية العامة والحفاظ عليها.
وفيما يتصل بالشراكة بين القطاعات الثلاثة (العام – الخاص – المجتمع المدني) يتوجب أن تخلق كل محافظة نموذجها الخاص والمستقل الذي يمكن أن يتأسس على طبيعة الأعمال التي يقوم بها القطاع الخاص والأنشطة التي يمارسها في المحافظة، واعتبارات القيمة المحلية المضافة المستوجب التنبه لها، بالإضافة إلى أنماط المسؤولية الاجتماعية ومساهماتها وآليات توجيه تلك المساهمات، كل ذلك يجب أن يتصل بغايات التنمية الأساسية للمحافظة التي يمكن أن تحدد من قبل المؤسسات الإدارية القائمة فيها، حيث تحدد هذه الأولويات ما يمكن أن نسميه (سمة المحافظة) بما يتسق أيضًا مع الاستراتيجية العمرانية التي تم إقرارها، وأن يتصل ذلك بحشد الجهود والموارد في مؤسسات المجتمع المدني لتساهم في سبيل الإمداد بالرؤى – الطاقات البشرية – التقييم والمتابعة والحكامة لهذه الشراكة. ونفترض أن هذا التحول سيساهم في «موطنة» القدرات البشرية والحد من هجرات المتصل الريفي – الحضري وخاصة بالنسبة للشباب، مما يعزز كذلك حركة الاقتصاد والأسواق وتنافسيتها بشكل متواز في مختلف محافظات السلطنة، عوضًا عن الانتقال من (توفير) فرص العمل إلى (تخليق) فرص العمل، عوضًا عن كفاءة المناخات المؤهلة لممارسة أنشطة الأعمال ونشوء المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار الأمثل للأفكار الريادية للشباب في محافظاتهم بشكل أساس. ونفترض أن الخطط الخمسية التي تترجم رؤية عُمان 2040 فيما لو استطاعت فعليًا تخليق هذه النماذج من المحافظات في إطار فكرة اللامركزية، فإنها ستفضي إلى محافظات مكتفية ذاتيًا بكل عناصر تحقيق هذا الاكتفاء، وذات سمة مميزة على المستوى الثقافي والبلدي والسياحي، ومحققة لموطنة القدرات البشرية ومستثمرة لطاقات شبابها، ومغيرة لمعادلة الاستثمار من إطار النموذج «المركزي» الذي ينطلق من خصائص موحدة إلى نماذج متعددة تنطلق من خصائص وفرص المحافظات ذاتها.