تبنت رؤية عُمان (2040) وخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021 - 2025) في سياق مراحل إعدادهما مناهج التخطيط التشاركي، سواء عبر المشاركة الاجتماعية المصممة، أو عبر المشاركة القطاعية التخصصية، والمؤكد أن هذه الأنماط بقدر ما أثمرت أفكارًا ورؤى وصوبت اتجاهات وعدلت مسارات بقدر ما واجهت من عتبات يمكن الوقوف عليها إزاء طبيعة المشاركة ومنهجيات تصميمها، ويمكن القول: إن هذا الاتجاه السياسي قد يؤسس عبر مراكمته في الخطط الوطنية والاستراتيجيات القطاعية تجربة أكثر نضجًا خلال السنوات المقبلة، ينتقل فيها المجتمع من مجرد متلق للسياسات والبرامج والمشروعات إلى فاعل أساس في منظومة صنعها وفي اعتبارات تنفيذها وفي مراحل تقييمها وتقويمها. وهنا يبرز السؤال الأساس، كيف يمكن الانتقال بمفهوم المشاركة المجتمعية من كونه مفهومًا موسميًا يتجسد في آناء وضع الخطط والاستراتيجيات إلى أن يكون مفهومًا أكثر ديمومة وفلسفة لعمل مؤسسات الدولة بشكل عام، ومرتكزا أساسا في سياق وضع السياسات العامة والاستراتيجيات والخطط مهما تباينت أحجامها ومداها الزمني أو استهدفت من كتل بشرية في المجتمع؟
بداية ليس من جديد القول بأن إشراك المجتمع في منظومة صنع السياسات العامة أو ما يعرف بـ «القرار القائم على المجتمع» يفضي إلى عدة منافع، منها تحقيق القبول المجتمعي العام بالسياسة العامة الجديدة، وتعزيز إحساس المواطنين بتحديات وعمل المؤسسات العامة، وزيادة مستويات الولاء والانتماء للمؤسسة وللمشروع الوطني على وجه العموم، وتحقيق التواصل الإيجابي بين عموم المجتمع وصناع السياسة ومستهدفاتها، عوضًا عن القدرة على المشاركة المضافة فيما يتصل بالتنوير بالأفكار الجديدة، أو زيادة استشعار صانع السياسة العامة للواقع الفعلي المعيش للمجتمع، بالإضافة إلى فهم الظروف والتداعيات والتحيزات النفسية التي ستنفذ في مناخها العام هذه السياسة، كما سيشارك المجتمع بوصفه أحد عناصر حوكمة السياسات في مسألة الرقابة على تنفيذ أجندة السياسة وتقييمها وتقويمها. غير أن كل هذه المنافع لا يمكن أن تحقق دونما بناء منهجية سليمة لتخطيط المشاركة المجتمعية، وفهم السياق النفسي والاجتماعي للمجتمع المزمع إشراكه في العملية، والاستعداد التام لمراجعة المنهجية وآليات التواصل مع المجتمع، بالإضافة إلى دمج المجتمع في مختلف مراحل دورة صنع السياسات العامة، وليس فقط عبر مرحلة التخطيط ووضع الأجندة.
في أدبيات المشاركة المجتمعية، يحدد المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED) سبعة أشكال راهنة للمشاركة المجتمعية:
- المشاركة السلبية: وتعنى بإخبار الناس بما سيحدث أو حدث بالفعل، دون الاستماع إلى ردود الناس.
- المشاركة في المعلومات: خلال تقديم الناس إجابات للأسئلة التي يطرحها مديرو المشاريع باستخدام استبيانات أو أساليب مماثلة. وفيها لا تتاح للناس الفرصة للتأثير على الآجال، حيث لا تتم مشاركة نتائج البحث أو تصميم المشروع ولا يتم التحقق من دقتها بواسطة المجتمع.
- المشاركة بالتشاور: يشارك الناس من خلال التشاور ويستمع مديرو المشروع إلى آرائهم. ولكن لا يخضع المهنيون فيها لأي التزام بتبني آراء الناس.
- المشاركة في الحوافز المادية: يشارك الناس من خلال توفير الموارد لتنفيذ المشروع مقابل حوافز مادية.
- المشاركة الوظيفية: يشارك الناس من خلال تشكيل مجموعات لتلبية الأهداف المحددة مسبقًا للمشروع، والتي يمكن أن تنطوي على تطوير أو تعزيز التنظيم الاجتماعي. وهذه المشاركة تأتي غالبًا بعد اتخاذ قرارات رئيسية.
- المشاركة التفاعلية: يشارك الناس في تحليل مشترك يؤدي إلى خطط عمل. وهي تميل إلى إشراك طرق متعددة التخصصات تسعى إلى وجهات نظر متعددة وتستفيد من عمليات التعلم المنهجية والمنظمة.
- التعبئة الذاتية/ المشاركة الفعالة: يشارك الناس من خلال اتخاذ مبادرات مستقلة لتغيير واقعهم التنموي.
ينطوي كل نموذج من النماذج السابقة على تحديات ومنافع، ويرتكز استخدامه على طبيعة السياسة أو البرنامج أو المشروع المزمع الانخراط في تنفيذه، ومن هنا تتأتى نباهة استخدام المنهج المناسب للتدخل والتداخل مع المجتمع في سبيل تحقيق نهج المشاركة أو التشاركية، ولكن من أين يمكن أن نبدأ لجعل هذه المشاركة فلسفة عمل لمؤسسات الدولة؟ في تقديرنا يجب أن ينطلق الأمر من إعادة التفكير في دوائر التواصل المجتمعي في مختلف المؤسسات، وهنا لا أتحدث عن دوائر الإعلام والعلاقات العامة، أو الأقسام المشرفة على وسائل المشاركة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ولكن نتحدث عن دوائر مهمتها الأساس هي تحديد آليات التواصل المباشر مع المجتمع، أيًا كان شكل هذا التواصل، سواء إلكترونيا أو واقعيًا أو عبر ورش أو مؤتمرات صحفية أو مسوح ميدانية أو غيرها من الأدوات، ونفترض أن كل مؤسسة تعنى بوضع خطة سنوية لأعمالها على أن تقترن هذه الخطة، باستراتيجية موازية للمشروعات والبرامج والأنشطة التي يمكن من خلالها مشاركة المجتمع، مؤطرة بالمنهجيات التي سيتم استخدامها، والتدابير التي سيتم اتخاذها، والعينات التي سيتم الاعتماد عليها، وذلك لتجاوز مسألة الموسمية إلى أن تكون المشاركة المجتمعية فلسفة عمل لكل المؤسسات العامة.
يُفرق جون فان تيل أستاذ التخطيط المجتمعي والدراسات الحضرية بين ستة أنماط يمكن التخير منها لربط المجتمع بالمشروعات والسياسات العامة، وهي: «المشاركة عبر تحالف النخب، والمشاركة في اقتراح سياسات إصلاحية، نصيحة المواطن، المشاركة التعددية، مشاركة العملاء، والمشاركة الشعبية». وكل نمط من هذه الأنماط يعنى بطبيعة مشروع معين أو مؤسسة معينة، بحسب طبيعة الخدمات التي يقدمها، أو السياقات التي تؤدي أدوارها فيه، وفي تقديرنا فإن المشاركة المجتمعية اليوم لم تعد مجرد متطلب للاستماع إلى الأفراد وتلمس احتياجاتهم ووجهات نظرهم، بل أصبحت وسيلة لفهم السياقات النفسية والمعنوية العامة للمجتمع، والتنبه إلى المناخ العام الذي ستطبق فيه السياسات، وقد تطور هذه الآليات حتى عبر البرامج الإلكترونية وبرامج التحليل النصوصية التي أصبحت اليوم تستطيع تحليل المشاعر من خلال التعبيرات والرموز مما يتيح للمؤسسات العامة إمكانات متعددة للاستفادة منها وتبني نماذج ناجعة وأكثر تقدمًا لمشاركة المجتمع في منظومات صنع السياسة العامة.
بداية ليس من جديد القول بأن إشراك المجتمع في منظومة صنع السياسات العامة أو ما يعرف بـ «القرار القائم على المجتمع» يفضي إلى عدة منافع، منها تحقيق القبول المجتمعي العام بالسياسة العامة الجديدة، وتعزيز إحساس المواطنين بتحديات وعمل المؤسسات العامة، وزيادة مستويات الولاء والانتماء للمؤسسة وللمشروع الوطني على وجه العموم، وتحقيق التواصل الإيجابي بين عموم المجتمع وصناع السياسة ومستهدفاتها، عوضًا عن القدرة على المشاركة المضافة فيما يتصل بالتنوير بالأفكار الجديدة، أو زيادة استشعار صانع السياسة العامة للواقع الفعلي المعيش للمجتمع، بالإضافة إلى فهم الظروف والتداعيات والتحيزات النفسية التي ستنفذ في مناخها العام هذه السياسة، كما سيشارك المجتمع بوصفه أحد عناصر حوكمة السياسات في مسألة الرقابة على تنفيذ أجندة السياسة وتقييمها وتقويمها. غير أن كل هذه المنافع لا يمكن أن تحقق دونما بناء منهجية سليمة لتخطيط المشاركة المجتمعية، وفهم السياق النفسي والاجتماعي للمجتمع المزمع إشراكه في العملية، والاستعداد التام لمراجعة المنهجية وآليات التواصل مع المجتمع، بالإضافة إلى دمج المجتمع في مختلف مراحل دورة صنع السياسات العامة، وليس فقط عبر مرحلة التخطيط ووضع الأجندة.
في أدبيات المشاركة المجتمعية، يحدد المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED) سبعة أشكال راهنة للمشاركة المجتمعية:
- المشاركة السلبية: وتعنى بإخبار الناس بما سيحدث أو حدث بالفعل، دون الاستماع إلى ردود الناس.
- المشاركة في المعلومات: خلال تقديم الناس إجابات للأسئلة التي يطرحها مديرو المشاريع باستخدام استبيانات أو أساليب مماثلة. وفيها لا تتاح للناس الفرصة للتأثير على الآجال، حيث لا تتم مشاركة نتائج البحث أو تصميم المشروع ولا يتم التحقق من دقتها بواسطة المجتمع.
- المشاركة بالتشاور: يشارك الناس من خلال التشاور ويستمع مديرو المشروع إلى آرائهم. ولكن لا يخضع المهنيون فيها لأي التزام بتبني آراء الناس.
- المشاركة في الحوافز المادية: يشارك الناس من خلال توفير الموارد لتنفيذ المشروع مقابل حوافز مادية.
- المشاركة الوظيفية: يشارك الناس من خلال تشكيل مجموعات لتلبية الأهداف المحددة مسبقًا للمشروع، والتي يمكن أن تنطوي على تطوير أو تعزيز التنظيم الاجتماعي. وهذه المشاركة تأتي غالبًا بعد اتخاذ قرارات رئيسية.
- المشاركة التفاعلية: يشارك الناس في تحليل مشترك يؤدي إلى خطط عمل. وهي تميل إلى إشراك طرق متعددة التخصصات تسعى إلى وجهات نظر متعددة وتستفيد من عمليات التعلم المنهجية والمنظمة.
- التعبئة الذاتية/ المشاركة الفعالة: يشارك الناس من خلال اتخاذ مبادرات مستقلة لتغيير واقعهم التنموي.
ينطوي كل نموذج من النماذج السابقة على تحديات ومنافع، ويرتكز استخدامه على طبيعة السياسة أو البرنامج أو المشروع المزمع الانخراط في تنفيذه، ومن هنا تتأتى نباهة استخدام المنهج المناسب للتدخل والتداخل مع المجتمع في سبيل تحقيق نهج المشاركة أو التشاركية، ولكن من أين يمكن أن نبدأ لجعل هذه المشاركة فلسفة عمل لمؤسسات الدولة؟ في تقديرنا يجب أن ينطلق الأمر من إعادة التفكير في دوائر التواصل المجتمعي في مختلف المؤسسات، وهنا لا أتحدث عن دوائر الإعلام والعلاقات العامة، أو الأقسام المشرفة على وسائل المشاركة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ولكن نتحدث عن دوائر مهمتها الأساس هي تحديد آليات التواصل المباشر مع المجتمع، أيًا كان شكل هذا التواصل، سواء إلكترونيا أو واقعيًا أو عبر ورش أو مؤتمرات صحفية أو مسوح ميدانية أو غيرها من الأدوات، ونفترض أن كل مؤسسة تعنى بوضع خطة سنوية لأعمالها على أن تقترن هذه الخطة، باستراتيجية موازية للمشروعات والبرامج والأنشطة التي يمكن من خلالها مشاركة المجتمع، مؤطرة بالمنهجيات التي سيتم استخدامها، والتدابير التي سيتم اتخاذها، والعينات التي سيتم الاعتماد عليها، وذلك لتجاوز مسألة الموسمية إلى أن تكون المشاركة المجتمعية فلسفة عمل لكل المؤسسات العامة.
يُفرق جون فان تيل أستاذ التخطيط المجتمعي والدراسات الحضرية بين ستة أنماط يمكن التخير منها لربط المجتمع بالمشروعات والسياسات العامة، وهي: «المشاركة عبر تحالف النخب، والمشاركة في اقتراح سياسات إصلاحية، نصيحة المواطن، المشاركة التعددية، مشاركة العملاء، والمشاركة الشعبية». وكل نمط من هذه الأنماط يعنى بطبيعة مشروع معين أو مؤسسة معينة، بحسب طبيعة الخدمات التي يقدمها، أو السياقات التي تؤدي أدوارها فيه، وفي تقديرنا فإن المشاركة المجتمعية اليوم لم تعد مجرد متطلب للاستماع إلى الأفراد وتلمس احتياجاتهم ووجهات نظرهم، بل أصبحت وسيلة لفهم السياقات النفسية والمعنوية العامة للمجتمع، والتنبه إلى المناخ العام الذي ستطبق فيه السياسات، وقد تطور هذه الآليات حتى عبر البرامج الإلكترونية وبرامج التحليل النصوصية التي أصبحت اليوم تستطيع تحليل المشاعر من خلال التعبيرات والرموز مما يتيح للمؤسسات العامة إمكانات متعددة للاستفادة منها وتبني نماذج ناجعة وأكثر تقدمًا لمشاركة المجتمع في منظومات صنع السياسة العامة.