أحمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

جميع الأفراد يعيشون صراعا نفسيا بين مفترق طرق، وأقلها طريقين، طريق للخير، وآخر للشر، وتظهر تجليات الاختيار بينهما بناء على كثير من العوامل، أغلبها، فطرية، ولكن هذه الفطرة تعيش امتحانات صعبة مع صاحبها، قياسا على مجموعة الظروف المحيطة، من ناحية، ومن ناحية ثانية بناء على تجاذبات الفطرة نفسها، فبقدر ما تدفعك الفطرة إلى الخير، هي في الوقت نفسه تدفعك إلى ممارسات قد تؤدي بك إلى الشر، ومن ثم الهلكة، ولكن مع ذلك تبقى هناك فرصة أمام كل منا، أن يعيد حساباته بين كل فترة وأخرى، حتى لا يتماهى مع الطرفين: الظروف المحيطة، وتجاذبات الفطرة، وهي مسألة ليست صعبة، فقط تحتاج إلى شيء من المراجعة المستمرة، وهذه المراجعة قد نعي أهميتها في مختلف الأحوال، وقد تصدمنا بعض المواقف فتحيلنا إلى أحدهما.

(أنانيتنا المفرطة): هي من الفطرة أيضا، هل نحتاجها كثيرا؟ نعم، هل هي مؤذية؟ نعم، هل لها حدود؟ نعم، هل يمكن الانعتاق منها؟ نعم، هل توصلنا إلى مؤاخاة من حولنا؟ نعم، هل نحتاج إلى نحتمي منها؟ نعم، هل نشرك الآخرين معنا؟ نعم، هل نعتمدها أسلوبا لحياتنا؟ نعم، هل تمثلنا؟ نعم، فهذه الأسئلة وغيرها لا يمكن أن نجيب عنها بالنفي، وإلا أوقعنا أنفسنا في حالة من التناقض، مع حقيقتنا كبشر، لأن الأنانية من الفطرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نفي حقيقتنا عن الامتثال لها، ولسلطتها الفطرية، وتظل نسبة الخطأ من الصواب في شأن الإيمان بذلك ضئيلة جدا، ولكن: هل تجب مقاومتها؟ أقول: نعم، لأن المجسات الفطرية، والأنانية واحدة منها، تذهب بنا إلى كثير من الممارسات الخاطئة، فحب الذات حالة متوغلة في أعماقنا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها، وإلا لما بنينا لأنفسنا شيئا من التحقق في هذه الحياة، فالنصيحة: أحبوا ذواتكم حتى آخر لحظة من حياتكم، ولكن حاسبوا أنفسكم عن الوقوع في مأزق الإفراط في هذا الحب حتى لا يصل بكم إلى التعدي على الآخر، أو ظلم الآخر، أو سحب البساط عن الآخر، فهذه ليست رسالتكم، وهذه ليست غايتكم، وأقر: أن الوصول إلى هذا المستوى الرفيع من احترام الذات يحتاج إلى كثير من الخبرة، وكثير من الحنكة، وكثير من الانعتاق والتحرر، والكثير من المجاهدة المضنية لتموضع تأثيرات الذات على مجرى سلوكياتنا كلها.

الـ"حمولة الفطرية" من السلوكيات، والممارسات ليست سيئة بالمطلق، بل يجب أن تكون حاضرة بالمطلق، ونكران تأثيراتها على مجمل ما نقوم به، بقصد أو بغير قصد، غير صحيح، فنحن محكومون، بالمجمل، بتأثيراتها المباشرة، وغير المباشرة، يبقى الخوف القصد، "مع سبق الإصرار والترصد" فهو المهلكة الحتمية بلا منازع، وهل يمكن تقنين ذلك؟ أقول: نعم، وتغليب المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، ليس يسيرا بالمطلق، فيحتاج إلى كثير من المجاهدة والصبر، لأنه انتزاع لقناعات فطرية تتحكمنا، ولا يمكن الفكاك عنها، ولا يجب مغالطة أنفسنا عندما نوهم الآخرين أننا على هذه الصورة الأخيرة "التضحية" على طول الخط، ولكن تتحقق في ظروف معينة، وفي مواقف معينة، ولكنها ليست مرشحة للاستمرار دائما، وإلا أخرجنا ذلك عن حقيقتنا البشرية.