في جلسة أقامتها لجنة كتّاب وأدباء شمال الباطنة -
متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
«ارتبطت عمان بحكم موقعها الجغرافي واشتغال أهلها بالبحر، بعلاقات تجارية وحضارية منذ عصور تاريخية مبكرة مع العديد من شعوب العالم الموجودة آنذاك، وكانت الهند بحكم قربها الجغرافي من أوائل البلدان التي وصل إليها الملاحون والتجار العمانيون، مؤسسين لعلاقات تجارية وتواصل حضاري استمر على مدى العصور التاريخية في إطار مناخ يسوده الأمن والاستقرار، ويحافظ على صيرورته إرث ثقافي مشترك في بعض جوانبه تولد عن تأثيرات حضارية متبادلة بين الطرفين عبر الزمان» .. من هذا المنطلق قدمت لجنة كتّاب وأدباء شمال الباطنة جلسة حوارية قدمها الباحث في التاريخ الدكتور إسماعيل بن أحمد الزدجالي بعنوان «التواصل الحضاري العماني الهندي عبر العصور» وأدار الجلسة الباحث في التاريخ الدكتور أحمد العلوي ..
واستعرضت الجلسة موضوع التواصل الحضاري العماني الهندي، منذ البدايات المبكرة لنشأته في عصور ما قبل التاريخ عندما اضطلع التجار العمانيون بدور الوساطة التجارية بين بلاد الهند وبلاد الرافدين والجزيرة العربية، مرورا بإسهام التجار العمانيين في نشر الإسلام في بلاد الهند وما نتج عنه من تأثر هندي بالحضارة العربية الإسلامية، وصولا إلى الازدهار الذي شهدته العلاقات العمانية الهندية خلال العصور الحديثة، وأوردت الدراسة في ختامها بعض مظاهر التواصل الحضاري بين عمان والهند في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
وقال الباحث الدكتور إسماعيل الزدجالي : أشارت النصوص السومرية من عصر سلالة أور الثالثة 2112 ـ 2004ق.م إلى بلاد مجان كممول ومصدر رئيسي للعديد من السلع التي أتى في مقدمتها : النحاس وأنواع من الأحجار الكريمة، كما أكدت النصوص السومرية على ممارسة بلاد مجان للوساطة التجارية بين الهند وبلاد الرافدين ـ وذلك نظرا لاقتصار تجارة بلاد الهند في التعامل مع دلمون ومجان فقط في أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد كما تشير إلى ذلك النصوص التاريخية ــ فكانت سفن مجان هي التي تقوم بمهمة نقل وتوفير ما تحتاجه بلاد الرافدين من منتجات وسلع مجان ووادي السند، حيث تولى أهل مجان مهمة الوساطة التجارية بين وادي السند وبلاد الرافدين .
وأضاف «الزدجالي» : كانت الهند بمثابة السوق المفتوحة أمام العمانيين يصدرون إليها بضائع العديد من مناطق الجزيرة العربية مثل : اللؤلؤ والخيول العربية واللبان والتمور والليمون، ويستوردون منها ما تحتاجه تلك البلدان من سلع الهند كالأخشاب والصندل والعود والمسك والعنبر والعاج والتوابل والأحجار الكريمة، وحظي هذا النشاط التجاري بالتشجيع من قبل أمراء بعض المناطق الهندية الذين شجعوا التجارة مع العرب العمانيين ، بفضل ما اتصفوا به من أخلاق فاضلة والتزامهم في معاملاتهم وصفقاتهم التجارية .
وحول إسهام العمانيين في نشر الحضارة العربية الإسلامية في شبه القارة الهندية قال «الزدجالي» : نشطت العلاقات العمانية الهندية بعد ظهور الإسلام حيث كان للتجار العمانيين الذين ارتادوا الموانئ الهندية الفضل الأول في نشر أخبار البعثة المحمدية في تلك الأصقاع، واضطلع العمانيون بدور ريادي في حركة الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام في بلاد الهند .
أما التواصل الحضاري العماني مع الهند في العصور الحديثة فنشط ، وأصبح لأفراد الجالية الهندية نشاط تجاري في العديد من الموانئ العمانية مثل : مسقط ومطرح وقلهات، حيث وجد التجار الهنود في ميناء قلهات قبل غزو البوكيرك لهذا الميناء في عام 1507م، وتدفق عدد كبير من الهنود على عمان في عهد دولة اليعاربة التي استجلبت العديد من الأمم كالهنود والفرس للعمل كصناع وأصحاب أعمال فاستوطنوا عمان، التي تمتعت في تلك الآونة بالأمن والاستقرار ويسر العيش وذلك على خلاف ما كانوا يعانونه في بلادهم من انعدام الأمن وصعوبة الظروف المعيشية وعدم توافر الاستقرار الاجتماعي ، وتعاون أبناء الجالية الهندية مع اليعاربة لتخليص البلاد من السيطرة البرتغالية، وازدادت العلاقات العمانية الهندية في عهد الدولة البوسعيدية حيث تعاون الإمام أحمد بن سعيد مع السلطات الهندية للقضاء على القرصنة في المحيط الهندي، وذلك نظرا لما شكلته تلك الظاهرة من خطر على قوافل الأرز القادمة من بلاد الهند إلى مسقط، وترسخت العلاقات العمانية الهندية بعد تولي المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عمان مما أدى إلى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، ووجود العديد من القوى البشرية الهندية في عمان والتي أسهمت بشكل فعال في مسيرة التنمية العمانية وكان لها تأثيرها على ثقافة الجانبين، إضافة إلى قيام العديد من المشاريع الاستثمارية المشتركة بين البلدين. وحول التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال اللغة والأدب فقال الباحث إسماعيل الزدجالي : أسهمت العلاقات التجارية التي ربطت بين عمان والهند منذ عصور في انتشار اللغة العربية لغة القرآن الكريم في تلك الأنحاء، إضافة إلى تمسك الفاتحين بلغتهم العربية، فمثلا نجد في بلاد الملتان سيادة اللغة العربية بفضل تمسك بني سامة بن لؤي العمانيين بها حتى أصبحت اللغة الرسمية في الدولة واللغة السائدة بين أوساط الشعب إضافة إلى اللغة السندية، واقتبست اللهجة العمانية الكثير من مفردات اللغات الهندية منذ عصور تاريخية مبكرة، وذلك بفضل حركة التبادل التجاري ودخول العديد من البضائع التي لم تكن معروفة مسبقا في الأسواق. كما عرّج «الزدجالي» في الجلسة إلى التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال التعليم كون بلاد الهند تعتبر مركز إشعاع ثقافيا وحضاريا استفاد منه العمانيون في مجال تزودهم بالثقافة والعلوم، أما حول التواصل في المجالات العسكرية فذكر «الزدجالي» تأثر العرب عند غزوهم لثغر الهند ببعض أساليبهم العسكرية، فمثلا نجد المهلب بن أبي صفرة يحذف خيله ــ أي يحلق ذيلها ــ عند محاربته للقيقان، متأثرا بما شاهده عند المحاربين الهنود الذين كانوا يحذفون خيولهم لجعلها أكثر خفة وأشد مناورة، وشاع هذا الأسلوب في خيول المسلمين في حروبهم الجهادية الأخرى، ويرجع الفضل في ذلك إلى الأثر الهندي. وفي «المجال الاقتصادي» نقل التجار العمانيون عند عودتهم من الهند بعض الأشجار التي زرعت لأول مرة في عمان مثل : شجرة النارنج والسفرجل، واللتين بدأت زراعتهما في عمان في أوائل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ثم انتقلت زراعتها بعد ذلك من عمان إلى البصرة والعراق ومنها إلى بلاد الشام، إضافة إلى شجرة الليمون وشجرة جوز الهند (النارجيل) المنتشرة في محافظة ظفار، وحرص البانيان على جلب شجرة الريحان إلى عمان وذلك لارتباطها ببعض طقوسهم الدينية.
وحول التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال العمارة فقال أن الجالية العمانية أسهمت في تحقيق نهضة عمرانية شملت ظهور مدن جديدة وتعمير مدن أخرى في بلاد الهند على الطراز الإسلامي، حيث اهتم الهنود بفنون العمارة الإسلامية وسعوا إلى تطويرها وخاصة فيما يتعلق بتزيين وعمارة المساجد، ولقد نقل العمانيون هذا التفوق الذي شهدته العمارة الإسلامية في بلاد الهند إلى عمان واستخدموها في تزيين قلاعهم ومساجدهم خاصة ما يتعلق بالنقوش المستخدمة لتزيين الأسقف.
متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
«ارتبطت عمان بحكم موقعها الجغرافي واشتغال أهلها بالبحر، بعلاقات تجارية وحضارية منذ عصور تاريخية مبكرة مع العديد من شعوب العالم الموجودة آنذاك، وكانت الهند بحكم قربها الجغرافي من أوائل البلدان التي وصل إليها الملاحون والتجار العمانيون، مؤسسين لعلاقات تجارية وتواصل حضاري استمر على مدى العصور التاريخية في إطار مناخ يسوده الأمن والاستقرار، ويحافظ على صيرورته إرث ثقافي مشترك في بعض جوانبه تولد عن تأثيرات حضارية متبادلة بين الطرفين عبر الزمان» .. من هذا المنطلق قدمت لجنة كتّاب وأدباء شمال الباطنة جلسة حوارية قدمها الباحث في التاريخ الدكتور إسماعيل بن أحمد الزدجالي بعنوان «التواصل الحضاري العماني الهندي عبر العصور» وأدار الجلسة الباحث في التاريخ الدكتور أحمد العلوي ..
واستعرضت الجلسة موضوع التواصل الحضاري العماني الهندي، منذ البدايات المبكرة لنشأته في عصور ما قبل التاريخ عندما اضطلع التجار العمانيون بدور الوساطة التجارية بين بلاد الهند وبلاد الرافدين والجزيرة العربية، مرورا بإسهام التجار العمانيين في نشر الإسلام في بلاد الهند وما نتج عنه من تأثر هندي بالحضارة العربية الإسلامية، وصولا إلى الازدهار الذي شهدته العلاقات العمانية الهندية خلال العصور الحديثة، وأوردت الدراسة في ختامها بعض مظاهر التواصل الحضاري بين عمان والهند في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية .
وقال الباحث الدكتور إسماعيل الزدجالي : أشارت النصوص السومرية من عصر سلالة أور الثالثة 2112 ـ 2004ق.م إلى بلاد مجان كممول ومصدر رئيسي للعديد من السلع التي أتى في مقدمتها : النحاس وأنواع من الأحجار الكريمة، كما أكدت النصوص السومرية على ممارسة بلاد مجان للوساطة التجارية بين الهند وبلاد الرافدين ـ وذلك نظرا لاقتصار تجارة بلاد الهند في التعامل مع دلمون ومجان فقط في أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد كما تشير إلى ذلك النصوص التاريخية ــ فكانت سفن مجان هي التي تقوم بمهمة نقل وتوفير ما تحتاجه بلاد الرافدين من منتجات وسلع مجان ووادي السند، حيث تولى أهل مجان مهمة الوساطة التجارية بين وادي السند وبلاد الرافدين .
وأضاف «الزدجالي» : كانت الهند بمثابة السوق المفتوحة أمام العمانيين يصدرون إليها بضائع العديد من مناطق الجزيرة العربية مثل : اللؤلؤ والخيول العربية واللبان والتمور والليمون، ويستوردون منها ما تحتاجه تلك البلدان من سلع الهند كالأخشاب والصندل والعود والمسك والعنبر والعاج والتوابل والأحجار الكريمة، وحظي هذا النشاط التجاري بالتشجيع من قبل أمراء بعض المناطق الهندية الذين شجعوا التجارة مع العرب العمانيين ، بفضل ما اتصفوا به من أخلاق فاضلة والتزامهم في معاملاتهم وصفقاتهم التجارية .
وحول إسهام العمانيين في نشر الحضارة العربية الإسلامية في شبه القارة الهندية قال «الزدجالي» : نشطت العلاقات العمانية الهندية بعد ظهور الإسلام حيث كان للتجار العمانيين الذين ارتادوا الموانئ الهندية الفضل الأول في نشر أخبار البعثة المحمدية في تلك الأصقاع، واضطلع العمانيون بدور ريادي في حركة الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام في بلاد الهند .
أما التواصل الحضاري العماني مع الهند في العصور الحديثة فنشط ، وأصبح لأفراد الجالية الهندية نشاط تجاري في العديد من الموانئ العمانية مثل : مسقط ومطرح وقلهات، حيث وجد التجار الهنود في ميناء قلهات قبل غزو البوكيرك لهذا الميناء في عام 1507م، وتدفق عدد كبير من الهنود على عمان في عهد دولة اليعاربة التي استجلبت العديد من الأمم كالهنود والفرس للعمل كصناع وأصحاب أعمال فاستوطنوا عمان، التي تمتعت في تلك الآونة بالأمن والاستقرار ويسر العيش وذلك على خلاف ما كانوا يعانونه في بلادهم من انعدام الأمن وصعوبة الظروف المعيشية وعدم توافر الاستقرار الاجتماعي ، وتعاون أبناء الجالية الهندية مع اليعاربة لتخليص البلاد من السيطرة البرتغالية، وازدادت العلاقات العمانية الهندية في عهد الدولة البوسعيدية حيث تعاون الإمام أحمد بن سعيد مع السلطات الهندية للقضاء على القرصنة في المحيط الهندي، وذلك نظرا لما شكلته تلك الظاهرة من خطر على قوافل الأرز القادمة من بلاد الهند إلى مسقط، وترسخت العلاقات العمانية الهندية بعد تولي المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عمان مما أدى إلى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، ووجود العديد من القوى البشرية الهندية في عمان والتي أسهمت بشكل فعال في مسيرة التنمية العمانية وكان لها تأثيرها على ثقافة الجانبين، إضافة إلى قيام العديد من المشاريع الاستثمارية المشتركة بين البلدين. وحول التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال اللغة والأدب فقال الباحث إسماعيل الزدجالي : أسهمت العلاقات التجارية التي ربطت بين عمان والهند منذ عصور في انتشار اللغة العربية لغة القرآن الكريم في تلك الأنحاء، إضافة إلى تمسك الفاتحين بلغتهم العربية، فمثلا نجد في بلاد الملتان سيادة اللغة العربية بفضل تمسك بني سامة بن لؤي العمانيين بها حتى أصبحت اللغة الرسمية في الدولة واللغة السائدة بين أوساط الشعب إضافة إلى اللغة السندية، واقتبست اللهجة العمانية الكثير من مفردات اللغات الهندية منذ عصور تاريخية مبكرة، وذلك بفضل حركة التبادل التجاري ودخول العديد من البضائع التي لم تكن معروفة مسبقا في الأسواق. كما عرّج «الزدجالي» في الجلسة إلى التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال التعليم كون بلاد الهند تعتبر مركز إشعاع ثقافيا وحضاريا استفاد منه العمانيون في مجال تزودهم بالثقافة والعلوم، أما حول التواصل في المجالات العسكرية فذكر «الزدجالي» تأثر العرب عند غزوهم لثغر الهند ببعض أساليبهم العسكرية، فمثلا نجد المهلب بن أبي صفرة يحذف خيله ــ أي يحلق ذيلها ــ عند محاربته للقيقان، متأثرا بما شاهده عند المحاربين الهنود الذين كانوا يحذفون خيولهم لجعلها أكثر خفة وأشد مناورة، وشاع هذا الأسلوب في خيول المسلمين في حروبهم الجهادية الأخرى، ويرجع الفضل في ذلك إلى الأثر الهندي. وفي «المجال الاقتصادي» نقل التجار العمانيون عند عودتهم من الهند بعض الأشجار التي زرعت لأول مرة في عمان مثل : شجرة النارنج والسفرجل، واللتين بدأت زراعتهما في عمان في أوائل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ثم انتقلت زراعتها بعد ذلك من عمان إلى البصرة والعراق ومنها إلى بلاد الشام، إضافة إلى شجرة الليمون وشجرة جوز الهند (النارجيل) المنتشرة في محافظة ظفار، وحرص البانيان على جلب شجرة الريحان إلى عمان وذلك لارتباطها ببعض طقوسهم الدينية.
وحول التواصل الحضاري العماني مع الهند في مجال العمارة فقال أن الجالية العمانية أسهمت في تحقيق نهضة عمرانية شملت ظهور مدن جديدة وتعمير مدن أخرى في بلاد الهند على الطراز الإسلامي، حيث اهتم الهنود بفنون العمارة الإسلامية وسعوا إلى تطويرها وخاصة فيما يتعلق بتزيين وعمارة المساجد، ولقد نقل العمانيون هذا التفوق الذي شهدته العمارة الإسلامية في بلاد الهند إلى عمان واستخدموها في تزيين قلاعهم ومساجدهم خاصة ما يتعلق بالنقوش المستخدمة لتزيين الأسقف.