محمد جميل أحمد
من يتأمل الحياة ويختبر طبيعتها في هذه الدنيا، لا تغيب عنه ملاحظة؛ أن ألوان الحياة في تجارب البشر تعكس تباينات في حظوظهم، لكنها في الوقت ذاته، حين تعكس جانبًا مضيئًا ومغريًا بالإعجاب، فهي تخفي جانبًا آخر مظلم بالضرورة!
هذا الجانب عادة غير مفكر فيه، وعادة لا يتم استصحابه في ذهن من يتأمل نِعَم ما عند الغير المفقودة لديه! وتلك اللعبة التي تنطوي عليها فكرة النظر الأحادي (بغبطة أو حسد) إلى جوانب من حيوات الآخرين المضيئة والمنعَّمة، ليست هي كل الحقيقة من حياتهم بطبيعة الحال، وإنما هي ما يستهوينا من حياتهم ونفتقده في وجه من وجوه حياتنا (وهو وجه يجعلنا مقابلين بما نملكه نحن إزاء ما يفقده أولئك الآخرون لكننا لا نرغب في رؤيته) لاسيما تلك الجوانب التي نفتقدها في حياتنا فنسقطها بصورة مجردة بحيث يكون إسقاطنا لما نفتقده من حياتنا في حياتهم، في وجه منه، تعبير عن افتقادنا نحن فحسب، وليس بالضرورة اكتمالًا في حيواتهم، كما توهمنا النظرة السطحية! في الحياة الإنسانية وتقلباتها التي يضطرب فيها البشر، لا يمكن أن ننجو من عبء التفكير باستمرار في ما نفتقده مما نراه عند الآخرين، إلا بالنظر للحياة بوصفها ابتلاء، أي بكونها حظوظًا مقسمةً على كل البشر بتساوٍ غير منظور في ذلك الابتلاء (ولكنه موجود) من حيث إن للابتلاء وجهين فيهما الخير والشر، كما أن الخير والشر من حيث جودهما في حياة البشر كمفردات، ينطويان على وجود يتعلق بوجوه ملتبسة وملابسة لحياة الإنسان، وكذلك بمراحل معينة، وحالات معينة ومتقلبة كذلك.
لكن الإنسان جُبِل بطبعه على عدم الالتفات لما هو عنده من النعم التي يظن لفرط نسيانه لها أنها جزء من حقيقة ذاته، فتراه دائما ينظر فيما يفتقده مما عند الآخرين، ويتمناه دون أدنى تفكير فيما يفتقده أولئك الآخرون ولا يفتقده هو؟! إن هذه الحياة بما تنطوي عليه من نقصان بالابتلاء الذي يعكس في الحقيقة اكتمالا لصورتها البشرية الكلية؛ لكي يدرك الناس أنهم بمعزل عن حاجتهم لبعضهم البعض لا يمكن لحياتهم أن تستمر، بل ولا يمكن أن تكون محتملة للعيش فيها.
لا ينطوي عبء الحياة، والحالة هذه، على معنى من معاني الإكراه بالضرورة، إذا ما نظر الإنسان إلى الحياة بوصفها بلاءً متقلبًا ومستمرًا ومتبدلاً في أحوال البشر الدنيوية في الخير والشر، كما قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً). فحين يتأمل الإنسان في تلك الحقيقة؛ سيدركُ حقيقةً أخرى، وهي أن انتهاء الحياة بخيرها وشرها، في لحظة من لحظات النهاية التي تنتظم جميع البشير، هي في الحقيقة مدعاة للتفكير فيها وفي التأمل في أطوارها وبلائها بطريقة تجعل من رؤيته لعبء الحياة منظورًا إليه من زاوية مختلفة تمامًا، فإذا ما أنعم الإنسان النظر الثاقب في نهايات حياة البشر وما تنطوي عليه من دراما متعددة الوجوه؛ كأن يموت الظالم ظالمًا، ويموت المظلوم مظلومًا، مثلاـ فإن عقله لا يقبل نهايةً غير منطقية كتلك النهاية، كما أن رؤية حقيقة العدل المركوز في حظوظ البشر المادية والمعنوية بتساوٍ مذهل، ستلفت الإنسان العاقل لكي يدرك أن البلاء هو قانون هذه الدنيا ومحك اختبارها الحقيقي.
إن قدرتنا على النظر إلى عبء الحياة، بوصفه ابتلاءً، تمنحنا زاوية مختلفة للرؤية يمكنها أن تخفف الكثير من المشاعر التي تصيب قصار النظر بطاقة سلبية وتحفزهم على إبداء أحاسيس مثل الحسد والحقد وما يتصل بهما من غرائز الشعور البدائي للبشر.
ليست الحياة الدنيا، حينما نتأمل فيها عميقًا، سوى فرصة تجريبية لعيش موعود في حياة أخرى، ومن هنا سنجد أن الابتلاء الذي هو قانون شامل لهذه الحياة، هو ذاته ما يعطي تجربة الإنسان العاقل معنى إيجابيًا لإرادة العيش.
إن إرادة الإنسان الطليقة وخياله الواسع في تجربة الحياة الدنيا أثناء عبوره لها؛ يثير بإزاء محدودية جسده وزمنه في العيش وصيرورته للفناء؛ إشكالًا وجوديًا، ويطرح عليه الكثير من التساؤلات (التي عادة ما نجد تعبيراتها الجمالية الخالدة في سجل الأدب الإنساني وليس في الفلسفة بالضرورة)؛ لأن مصداقية التجربة الفنية التي تتناقض وتتصارع فيها العواطف بين الخيال والإرادة الإنسانيين هي ما تعكس لنا إيحاءً قويًا بحياة أخرى!
من يتأمل الحياة ويختبر طبيعتها في هذه الدنيا، لا تغيب عنه ملاحظة؛ أن ألوان الحياة في تجارب البشر تعكس تباينات في حظوظهم، لكنها في الوقت ذاته، حين تعكس جانبًا مضيئًا ومغريًا بالإعجاب، فهي تخفي جانبًا آخر مظلم بالضرورة!
هذا الجانب عادة غير مفكر فيه، وعادة لا يتم استصحابه في ذهن من يتأمل نِعَم ما عند الغير المفقودة لديه! وتلك اللعبة التي تنطوي عليها فكرة النظر الأحادي (بغبطة أو حسد) إلى جوانب من حيوات الآخرين المضيئة والمنعَّمة، ليست هي كل الحقيقة من حياتهم بطبيعة الحال، وإنما هي ما يستهوينا من حياتهم ونفتقده في وجه من وجوه حياتنا (وهو وجه يجعلنا مقابلين بما نملكه نحن إزاء ما يفقده أولئك الآخرون لكننا لا نرغب في رؤيته) لاسيما تلك الجوانب التي نفتقدها في حياتنا فنسقطها بصورة مجردة بحيث يكون إسقاطنا لما نفتقده من حياتنا في حياتهم، في وجه منه، تعبير عن افتقادنا نحن فحسب، وليس بالضرورة اكتمالًا في حيواتهم، كما توهمنا النظرة السطحية! في الحياة الإنسانية وتقلباتها التي يضطرب فيها البشر، لا يمكن أن ننجو من عبء التفكير باستمرار في ما نفتقده مما نراه عند الآخرين، إلا بالنظر للحياة بوصفها ابتلاء، أي بكونها حظوظًا مقسمةً على كل البشر بتساوٍ غير منظور في ذلك الابتلاء (ولكنه موجود) من حيث إن للابتلاء وجهين فيهما الخير والشر، كما أن الخير والشر من حيث جودهما في حياة البشر كمفردات، ينطويان على وجود يتعلق بوجوه ملتبسة وملابسة لحياة الإنسان، وكذلك بمراحل معينة، وحالات معينة ومتقلبة كذلك.
لكن الإنسان جُبِل بطبعه على عدم الالتفات لما هو عنده من النعم التي يظن لفرط نسيانه لها أنها جزء من حقيقة ذاته، فتراه دائما ينظر فيما يفتقده مما عند الآخرين، ويتمناه دون أدنى تفكير فيما يفتقده أولئك الآخرون ولا يفتقده هو؟! إن هذه الحياة بما تنطوي عليه من نقصان بالابتلاء الذي يعكس في الحقيقة اكتمالا لصورتها البشرية الكلية؛ لكي يدرك الناس أنهم بمعزل عن حاجتهم لبعضهم البعض لا يمكن لحياتهم أن تستمر، بل ولا يمكن أن تكون محتملة للعيش فيها.
لا ينطوي عبء الحياة، والحالة هذه، على معنى من معاني الإكراه بالضرورة، إذا ما نظر الإنسان إلى الحياة بوصفها بلاءً متقلبًا ومستمرًا ومتبدلاً في أحوال البشر الدنيوية في الخير والشر، كما قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً). فحين يتأمل الإنسان في تلك الحقيقة؛ سيدركُ حقيقةً أخرى، وهي أن انتهاء الحياة بخيرها وشرها، في لحظة من لحظات النهاية التي تنتظم جميع البشير، هي في الحقيقة مدعاة للتفكير فيها وفي التأمل في أطوارها وبلائها بطريقة تجعل من رؤيته لعبء الحياة منظورًا إليه من زاوية مختلفة تمامًا، فإذا ما أنعم الإنسان النظر الثاقب في نهايات حياة البشر وما تنطوي عليه من دراما متعددة الوجوه؛ كأن يموت الظالم ظالمًا، ويموت المظلوم مظلومًا، مثلاـ فإن عقله لا يقبل نهايةً غير منطقية كتلك النهاية، كما أن رؤية حقيقة العدل المركوز في حظوظ البشر المادية والمعنوية بتساوٍ مذهل، ستلفت الإنسان العاقل لكي يدرك أن البلاء هو قانون هذه الدنيا ومحك اختبارها الحقيقي.
إن قدرتنا على النظر إلى عبء الحياة، بوصفه ابتلاءً، تمنحنا زاوية مختلفة للرؤية يمكنها أن تخفف الكثير من المشاعر التي تصيب قصار النظر بطاقة سلبية وتحفزهم على إبداء أحاسيس مثل الحسد والحقد وما يتصل بهما من غرائز الشعور البدائي للبشر.
ليست الحياة الدنيا، حينما نتأمل فيها عميقًا، سوى فرصة تجريبية لعيش موعود في حياة أخرى، ومن هنا سنجد أن الابتلاء الذي هو قانون شامل لهذه الحياة، هو ذاته ما يعطي تجربة الإنسان العاقل معنى إيجابيًا لإرادة العيش.
إن إرادة الإنسان الطليقة وخياله الواسع في تجربة الحياة الدنيا أثناء عبوره لها؛ يثير بإزاء محدودية جسده وزمنه في العيش وصيرورته للفناء؛ إشكالًا وجوديًا، ويطرح عليه الكثير من التساؤلات (التي عادة ما نجد تعبيراتها الجمالية الخالدة في سجل الأدب الإنساني وليس في الفلسفة بالضرورة)؛ لأن مصداقية التجربة الفنية التي تتناقض وتتصارع فيها العواطف بين الخيال والإرادة الإنسانيين هي ما تعكس لنا إيحاءً قويًا بحياة أخرى!