عوض بن سعيد باقوير

الاجتماع الأخير الذي عقد في بغداد وضم عددا من الدول المجاورة للعراق الشقيق هو خطوة مهمة في سبيل استعادة هذا البلد العربي الحضاري الكبير دوره القومي والإقليمي في ظل تحولات جيوسياسية والتي من أهمها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تقوم على الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة من الدول التي تشهد توترا كبيرا كما هو الحال في أفغانستان التي شهدت انسحاب آخر جندي أمس الأول بعد أطول حرب خاضها الجيش الأمريكي خارج الحدود وتواصلت على مدى عقدين.

وعلى ضوء ذلك فإن العراق بثقله السكاني والحضاري والاقتصادي وعمقه العربي والإسلامي يحتاج إلى مرحلة أهمها التوافق على الانسحاب العسكري الأمريكي وترتيب البيت الداخلي وإطلاق علاقات متوازنة مع كل دول الجوار والتفرغ لبناء العراق وأن يستفيد الشعب العراقي من المقدرات الكبيرة الذي يمتلكها هذا البلد العربي.

نحو التوافق

عانى العراق خلال العقود الأخيرة من الحروب والصراعات الخارجية والداخلية وضاعت مقدرات كبيرة في ظل التحولات الدراماتيكية الذي عاشها العراق بعد الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ والذي جعل العراق يعاني من حروب داخلية وأوجد الطائفية البغيضة التي لم يعرفها العراق طول تاريخه. وتدحرجت البلاد نحو العنف وتردي الخدمات رغم ما يمتلكه العراق من ثروات نفطية كبيرة.

ومن هنا فإن الاجتماع الإقليمي خاصة من قبل الدول العربية وإيران يهدف إلى انتشاله من وضعه الحالي من خلال خارطة طريق تبدأ أولا بالانسحاب العسكري الأمريكي ، وثانيا أن يستعيد العراق دوره العربي القومي وأخيرا الانطلاق نحو رؤية اقتصادية تدفع بالعراق إلى مستقبل مزدهر ينعم فيه الشعب العراقي بالأمن والاستقرار والحياة الكريمة والتخلص من العنف والعنف المضاد، وهذا أمر حيوي ومهم لمستقبل العراق.

هذه الانطلاقة تحتاج إلى دعم الأشقاء والأصدقاء على حد سواء من خلال التوافق الداخلي أولا بين مكونات الشعب العراقي ونجاح الانتخابات وإيجاد مرحلة جديدة من التوافق السياسي بين الكتل السياسية وإعطاء الجانب الاقتصادي أهمية كبيرة في المرحلة الحالية.

العراق عانى الأمرين

خلال عقدين من الزمن وكان الاحتلال الأمريكي هو السبب الأساسي في تفكيك الدولة العراقية من خلال نظرية الفوضى الخلاقة، ومن خلال القضاء على مفاصل الدولة وخلق طبقات اجتماعية وتهميش طبقات أخرى حتى تعم الفوضى في البلد، والتي تتواصل حتى الآن كما أن دخول داعش ضاعف معاناة العراق لعدة سنوات مما أوجد حالة من الاستقطاب السياسي الداخلي والخارجي ليدخل العراق في موجة من حالة عدم الاستقرار وعلى ضوء ذلك فإن العراق يحتاج إلى رؤية سياسية مختلفة بحيث يعود الانسجام المجتمعي وأن يكون رأي المواطنين له الأولوية خاصة في مجال الخدمات العامة والتنمية الشاملة.

الانسحاب الأمريكي

الانسحاب العسكري الأمريكي الفوضوي من أفغانستان فتح العيون على مشكلات التواجد الأجنبي في دول ذات طبيعة مجتمعية مختلفة وإلى حد ما معقدة. ومن هنا فإن المشهد الأفغاني كان بليغا على الساحة الأمريكية، وعلى صعيد العالم.

ومن هنا فإن الحالة الأفغانية وإن كانت تختلف عن الحالة العراقية لعوامل موضوعية إلا أن هناك إرادة شعبية واحدة، تتمثل في ضرورة الانسحاب العسكري الأمريكي، وأن تكون هناك قوات وطنية تدافع عن مقدرات الأوطان. ولعل من الصدف أن يتقارب التواجد والاحتلال الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ والربط بين تلك العملية وبين النظام العراقي والذي ثبت زيفه والقاعدة في أفغانستان والتي أكدت مسؤوليتها عن ذلك العمل الذي فجعت به الولايات المتحدة الأمريكية والعالم واسفر عن سقوط آلاف الأبرياء.

الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الإدارة الديمقراطية التي يقودها بايدن لديها استراتيجية الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط تحديدا والتفرغ للخصم الأساسي وهو الصين على سواحل الباسفيك.

ومن هنا فإن المشهد في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي يشهد متغيرات واضحة وعودة العلاقات خاصة بعد أن أنهت قمة العلا السعودية الأزمة الخليجية التي شكلت أزمة كبيرة.

ومن هنا فإن الحراك السياسي المكثف الآن في المنطقة ينطلق من تلك الاستراتيجية الأمريكية كما أن حل المشكلات والخلافات بين إيران وعدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وخاصة السعودية سوف يحدث لأسباب استراتيجية علاوة على أن إدماج العراق في محيطه العربي هو جزء أصيل من منظومة عربية تتشكل الآن تهدف إلى إنهاء الأزمات الإقليمية، خاصة في ليبيا واليمن وسوريا وهذه المنظومة تنطلق من مصالح متبادلة.

الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق على غرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سوف يشكل مرحلة جديدة لمناخ أكثر استقرارا وتوافق الفرقاء في تلك الدول، وينطبق هذا الأمر حتى على اليمن وإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية وعودة السلام والوفاق إلى ربوعه بعد حرب كارثية الكل فيها خاسر.

ومن هنا فإن الموضوعية تقتضي أن يكون هناك نظرة استراتيجية مختلفة والبعد عن الخلافات التي أضرت بمصالح الشعوب من خلال حروب وصراعات أثرت على مقدرات الشعوب، وعلى ضوء ذلك فإن التوافق السياسي في العراق ومن خلال ذلك الاجتماع الإقليمي هو خطوة على الطريق الصحيح لأن دور العراق العربي والإقليمي مهم ويشكل فرصة، لأن تستعيد الدول الحضارية دورها في ظل إرادة سياسية أبدتها الدول العربية المجاورة للعراق خاصة مصر والسعودية.

نحو الاستقرار

الاستقرار السياسي في المنطقة العربية أصبح من الخطوات الأساسية في هذه المرحلة في ظل المتغيرات الأساسية للاستراتيجية الأمريكية الجديدة والتي تعتمد على الانطواء للداخل والاستعداد للمواجهة الأهم مع عملاق آسيا والعالم الصين وهذا التحول الكبير في الفكر الأمريكي يفرض ضرورات مختلفة والنظر إلى أهمية مصالح الإقليم خاصة الدول العربية والإسلامية، وأن يكون هناك منظور سياسي مختلف والكل تابع ما شهدته أفغانستان من حراك دراماتيكي جعلت حركة طالبان تسيطر خلال أيام على معظم الولايات الأفغانية، وهلع على مستوى القوات الدولية وخاصة الأمريكية تمثل في العملية الإرهابية التي نفذتها داعش فرع خراسان وراح ضحيتها عشرات الأفغان وعدد من القوات الأمريكية ومن خلال النموذج الأفغاني فإن المشهد السياسي العربي والإقليمي يتطلب أن تكون العراق لاعبا فاعلا وأن يعود دورها الإقليمي لأن في ذلك مصلحة عربية وإسلامية وحتى دولية.

*صحفي ومحلل سياسي