عوض بن سعيد باقوير

لبنان الشقيق يواجه تحديات حقيقية على صعيد الداخل في غياب تشكيل حكومة جديدة تنهض بالمسؤوليات الوطنية وأيضا تحديات خارجية أبرزها التوتر المستمر على جانبي الحدود مع الكيان الإسرائيلي. ومن هنا فإن هذا البلد العربي الشقيق يحتاج إلى مساندة عربية من خلال الدعم الاقتصادي والاجتماعي وأيضا من خلال التضامن ضد الخروقات الإسرائيلية المتواصلة علي البلدات اللبنانية في الجنوب مما يشكل خطورة على الأمن والاستقرار في لبنان.

تحديات مزدوجة

لعل المعضلة الأهم للبنان ما بعد الاستقلال تكمن في الدستور الذي وضعه المستعمر الفرنسي آنذاك في عقد الأربعينات من القرن الماضي وكأنه يكرس الواقع الذي يعيشه لبنان حاليا وفي فترات سابقة من خلال المحاصصة التي تشكل الحاجز الأهم لتشكيل أي حكومة لبنانية من خلال التوجهات السياسية والحزبية والطائفية ، ومن خلال التوجهات الخارجية لكل كتلة سياسية كما يحدث الآن. وهذا يشكل مشكلة تواصلت على مدى تاريخ لبنان الحديث ورأينا الفشل تلو الآخر في تشكيل الحكومة بسبب الانقسام على توزيع المناصب الوزارية على أسس حزبية وسياسية وأيضا مراعاة للالتزامات الخارجية من خلال فسيفساء سياسية في غاية التعقيد.

إن التحدي الأبرز أمام الرئيس اللبناني ميشال عون هو تشكيل الحكومة في ظل مصاعب اقتصادية منها نقص الوقود والسيولة المالية وتدهور قيمة العملة وهي الليرة اللبنانية والتضخم غير المسبوق ورفع الدعم والكثير من الأمور التي أثرت على حياة المواطن اللبناني.

ومن هنا فإن المسؤولية الوطنية تحتم على الساسة في لبنان أن يستشعروا الخطر وأن تكون هناك مرونة تنهي الجدل السياسي ويتم تشكيل الحكومة الجديدة.

إن التحدي الداخلي سوف يشكل معضلة كبيرة للبنان رسميا وشعبيا وربما إذا فشلت الجهود السياسية الحالية في تشكيل حكومة ميقاتي فان الوضع سوف يتدحرج إلى الأسوأ، وهذا السيناريو مرعب للشعب اللبناني الذي يتطلع إلى حياة كريمة واستقرار سياسي ليظل لبنان الشقيق هو واجهة للعلم والثقافة والنشر والصحافة والتسامح.

ومن هذا المنطلق فإن أمام الساسة اللبنانيين مرحلة فاصلة ولبنان على مفترق طرق مما يحتم إيجاد الموضوعية في النقاشات الحالية لانطلاق حكومة ميقاتي وبالتالي انطلاق البحث عن حلول عمليه للمشكلات وخاصة الاقتصادية والتي أثرت بشكل مباشر على جموع الشعب اللبناني.

أما فيما يخص التحدي الخارجي فتبقى إسرائيل هي العدو المباشر للبنان منذ عقود ونشبت عدة حروب بين جيش الكيان الإسرائيلي وبين المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله حيث اندحر جيش الاحتلال في حربي ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ مما شكل ذلك قوة ردع حقيقية وما يسمى بنظرية توازن الردع، وهو الأمر الذي حدث في قطاع غزة حيث سجلت حركة حماس انتصارا واضحا على جيش الاحتلال في المواجهة الأخيرة باعتراف قادة ومحللي الكيان الإسرائيلي وعلى ضوء ذلك فان تماسك الجبهة الداخلية يعني الكثير لتماسك المواجهة الخارجية مع العدو الإسرائيلي وهذا يتطلب أولا تشكيل الحكومة اللبنانية وبعد ذلك حل قضايا لبنان المتشعبة داخليا وخارجيا.

الدعم العربي

الدعم العربي للبنان مطلوب وكون لبنان عضوا في الجامعة العربية ويواجه محنة اقتصادية وأيضا يواجه تحديا خارجيا ممثلا في انتهاكات الكيان الإسرائيلي لحدود لبنان الجنوبية. ومن هنا فان عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب هو أقل دعم علاوة على الدعم الاقتصادي كما أن الحلول لا ينبغي أن تأتي من خارج العالم العربي، كما نرى الآن في الاتصالات الغربية مع الساسة اللبنانيين، وهذه معضلة أخرى تؤثر على القرار السيادي للبنان. كما أن استمرار المحاصصة خلقت وضعا سياسيا غير مريح للشعب اللبناني الذي عبر عن غضبه من خلال الاحتجاجات وكانت تلك رسالة واضحة للساسة في لبنان وهذا الواقع المرير الذي يعيشه لبنان منذ انفجار ميناء بيروت خلق أوضاعا سياسية واقتصادية في غاية التعقيد.

عندما نتحدث أن لبنان في مفترق طرق فهذا واقع يعيشه الشعب اللبناني وجعل الحياة في لبنان صعبة من خلال التقارير الإخبارية المصورة ومعاناة الناس اليومية حتى على صعيد رغيف الخبز وعجز اللبنانيين عن تدبير أمورهم المعيشية وهذه مسألة في غاية الخطورة على تماسك النسيج الاجتماعي مما يحتم تضافر الجهود لانطلاق حكومة ميقاتي، التي لا تزال غير واضحة المعالم.

ومن هنا يعيش لبنان وضعا صعبا في تاريخه الحديث وأمام الوضع المعقد في لبنان فإن الدول العربية مدعوة لمد يد المساندة والدعم للبنان الشقيق خاصة لدعم معيشة الشعب اللبناني وعلى صعيد دعم الموسم السياحي الذي يعد أحد مصادر الدخل بالنسبة للعملة الصعبة، كما أن أمام الحكومة القادمة مسؤولية حل الموضوع المصرفي وقضية مدخرات اللبنانيين وتصحيح أوضاع البنوك. وبالتالي موضوع الليرة اللبنانية التي فقدت الكثير من قيمتها وبالتالي ارتفع التضخم والأسعار بشكل جنوني.

نحو المصالحة

حتى ينطلق لبنان الشقيق نحو أجواء سياسية إيجابية لابد للساسة في لبنان ان يتجهوا للمصالحة والتوافق السياسي، وان تكون هناك تفاهمات تتعدى المصالح الحزبية والتكتلات السياسية لان مصلحة الوطن اللبناني هي الأهم في هذه المرحلة الصعبة مما يفرض مسؤولية أخلاقية وسياسية لإنقاذ لبنان من أوضاعه المعقدة، التي تتفاقم يوما بعد يوم، وليس هناك شك أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين وان يكون هناك قناعة بأن عدم التوافق والمصالحة سوف يجر لبنان إلى منزلق خطير على مستوى التحديات الداخلية وأيضا التحديات الخارجية وفي مقدمتها تحدي الكيان الإسرائيلي الذي كثف من عدوانه على جنوب لبنان في الآونة الأخيرة وهذا يتطلب وحدة الصف، وأن تكون هناك وحدة جماعية من خلال حكومة ميقاتي المنتظرة لانتشال لبنان من كل تلك المشكلات والتحديات. حيث إن الأوطان وفي مراحل الأوقات الصعبة تنظر إلى الحكماء في الساحة ولبنان لا تنقصه أصوات الحكمة الذي يحتاجها في هذه المرحلة المضطربة من تاريخه الحديث. وكما مرت على لبنان العديد من التحديات والحروب فانه قادر وبتصميم من شعبه وقيادته أن ينجح في هذه المعركة الحقيقية أولا من خلال ترتيب البيت الداخلي ومن ثم تكون الجبهة الداخلية مستعدة لأي تهديد خارجي من خلال جيشه ومقاومته لحفظ امن واستقرار وسلامة الأراضي اللبنانية خاصة في الجنوب والإصرار على تحرير أراضيه من قبضة المحتل الإسرائيلي وعلى ضوء ذلك الكل يتجه إلى لبنان ومساره السياسي وفي انتظار نجاح اللبنانيين في تشكيل حكومة ميقاتي والعمل على حل معضلات لبنان المتعددة داخليا وخارجيا.

*صحفي ومحلل سياسي