ـ عمر السبلة أكثر من 56 عام تحوي مرافع وروازن وأوتاد مبنية على الطراز التقليدي -

مسحاة قديمة وحبل طلوع النخيل ورحل .. من مدخرات المجلس التراثي -

حاورته – خالصة بنت عبدالله الشيبانية -

في الوقت الذي خرج فيه الناس من بيوت الطين إلى بيوتهم الحديثة في السهول والوديان، رأى رجل أدم الوالد محمد بن سيف الشيباني أن يتمسك ببيته القديم باعتباره أثمن ما يملك، وقد اتخذ من هذا البيت مجلسا له يرتاح فيه بعد عناء يوم عمل، ويقدم فيه القهوة لزواره من المارة والجيران ويستقبل جميع من يهوى الحرفيات والمواقع والأدوات التراثية، "عًمان" زارت الموقع، واطلعت على المجلس التراثي والنضد القديم الذي يخزن فيه التمور، وبعض التحف التراثية التي يتضمنها البيت الذي يقع وسط البيوت الحديثة في حارة الرنز بولاية أدم.

أبا عن جد

يروي الشيباني أن هذا البيت كان لوالده الذي ورثه عن جده، والجدار الذي يتكئ عليه بناه جده ضمن جدران البيت القديم ولكن في أحد الايام رأى جده ضرورة أن يتم بناء مجلس جديد للرجال وقد تعاون جميع أفراد الأسرة من الرجال والصبيان على بناء المجلس حتى أتموا بناءه وهو المجلس الذي يأوي إليه الشيباني منذ الصباح الباكر بعد أن يصلي الفجر وحتى الساعة التاسعة ليلا يستقبل فيه الضيوف من المارة والجيران يتسامرون معه ويتبادلون الأحاديث، ويرحب في مجلسه بكل من يهوى التراثيات وتعلم الحرف اليدوية، حيث ذكر أنه قام بتعليم أولاده الخمسة صناعة السعفيات.

ترميم المجلس التراثي

قال الشيباني "منذ أن خرجت للدنيا أتذكر أنه لم يبقى لنا من تفاصيل البيت القديم سوى هذا الجدار الذي أتكئ عليه وجميع مرافق البيت تم تجديدها في العهد الجديد، وقد قام أبي رحمه الله ببناء هذه السبلة منذ أكثر من 56 عاما، ولم يكن لدينا مركبات نقل معدات البناء مثل الوقت الحالي، بل كنا ننقل التراب من النخيل باستخدام الحمير كوسيلة نقل ونعجنه في هذا المكان بما يسمى "الغيلة" ونسحب الماء من "الطوي"، وقمنا بإقامة الجدران، وجميع عمليات البناء تمت بطريقة تقليدية دون استخدام أي مكونات بناء حديثة، وبعدها قمنا بشراء الأخشاب واستخدام الزور المسحول لبناء السقف، وبنينا المرافع والروازن على جدران المجلس لوضع الطعام والرطب وتعليق الأسلحة القديمة مثل البنادق والخناجر على الأوتاد".

خبرة طويلة

وقال الشيباني أنه بحسب خبرته يستطيع هندسة وبناء برج كامل من الجص على النمط التراثي، لكن اليد الواحدة لا تصفق وطاقته البدنية لا تؤهله للقيام بهذا العمل بمفرده، بل تحتاج لأيدي عاملة يد تجلب التراب ويد تصب الماء ويد تناول الأخشاب ويد أخرى تبني، ويشير الشيباني إلى أن المجلس التراثي الذي يجلس فيه يقوم بصيانته باستمرار خصوصا أماكن الروازن والأسقف والمرازيب التي تتأثر بمياه الأمطار في فترات الهطول، ولكن باقي البيت ما زال لم ينل حظه من الترميم حتى الآن، ويناشد الشيباني الجهات المختصة بضرورة مساندته في هذا العمل الجليل، لما يتطلبه من جهد كبير وعمل متواصل، فهو لا يسعى سوى للمحافظة على رونق البناء القديم وأن يبقى ذلك المنزل متاحا للزائرين من الأجيال الجديدة التي لم تتعرف بعد على بيوت الطين القديمة التي سكنها أجدادهم لقرون طويلة.

صيانة بطريقة تقليدية

وقال الشيباني أنه قام بتغيير الباب الخارجي منذ فترة وجيزة، حيث كان الباب قصير جدا، ولكنه ما زال يحتفظ بالباب القديم حيث تم تركيب الباب الجديد الذي تم تصميمه على النمط التراثي القديم وتأطيره بالجص باستخدام الطريقة التقليدية التي تتم عن طريق العجن بالأرجل والمسحاة القديمة، حيث أطلعنا على المسحاة القديمة التي ما زال يحتفظ بها، وقال الشيباني أن تلك المسحاة كان قد اشتراها بقرشين وكان قد صنعها حداد في ولاية ادم منذ زمن بعيد اسمه سالم بن خلفان، واستخدمت المسحاة قديما في أعمال بناء البيوت القديمة، حيث يعجن بها "الغيلة" وهي عبارة عن الطين المخلوط بالماء، حتى ينهرس الطين ليصبح مثل العجينة ويصبح صالحا للبناء ويضاف إليه التبن الذي يأتي من البر أو القمح ويأتي على شكل قصب، يفتت في الغيلة ليساعد على ثبات الطين أثناء عملية البناء كبديل للشبك في البناء الحديث.

خطورة البناء

وقال الشيباني أن العاملين في بناء البيوت قديما يتعرضون لمخاطر كثيرة أثناء البناء، خصوصا في مرحلة بناء السقف التي تتطلب الكثير من الحذر أثناء الصعود لبناء الطابق الثاني من المنزل، وأوضح أنهم في مرحلة البناء يستخدمون ما يسمى بـ"المردمة" التي تتكون من حزم جذوع الاخشاب مع بعض لتشكل ما تسمى بـ"المرقاة" تساعدهم على الارتقاء من طابق لطابق، وإكمال البناء في الطابق الآخر.

مدخرات قديمة

ويمتلك الشيباني مدخرات قديمة، حيث أطلعنا على حبل تراثي خاص بطلوع النخيل، يصل عمره لأكثر من 50 سنة، وقال أن الرجل الذي صنعه هو المرحوم سالم بن محمد بن حمد الشيباني واشتراه منه أبيه سيف بن محمد الشيباني عن 5 قروش في زمن القرش، مع المطلاع الخاص به وهو حبل طويل يمسك في النخلة يساعد المزارع على الصعود لأعلى النخلة لجني الرطب، وقد قام الشيباني بتعليق الحبل في أحد أوتاد المجلس التراثي خوفا عليه من الضياع، ويمتلك الشيباني أيضا الـ"رحل" الخاص بالحمير، والذي يربط فوق ظهر الحمار باستخدام الحبل ليحمل عليه الأمتعة.