من المجلات التي أحرص على اقتنائها، مجلة «الذاكرة»- مجلة فصلية تراثية- التي يمكن الجزم بأن القارئ واجد فيها ما يمكن أن يجده مشتتا في غيرها، وذلك نظرا لتركيزها التخصصي، علاوة على اهتمامها الدائم بـ (القديم) النادر. هذه المجلة الزاخرة بصور لمخطوطات بعضها حجري، والكثير منها ورقي نادر، إلى جانب الرقاع الجلدية.

فبالنظر إلى أحد نماذجها «العدد الرابع على سبيل المثال» وهو العدد الذي كتب فيه رئيس التحرير محمد العيسري مقدمة تحت عنوان «تراثنا في درب العالم الرقمي» من ضمن ما قال فيها: «إن سؤال المرحلة عندنا اليوم دائر في فلك الاشتغال بالتراث، أيمضي على سننه الأول ذاته، أم لا مناص من النزول في ميدان التقنية والعالم الافتراضي؟» وأتمنى أن يكون سؤاله يقصد منه المزاوجة بين الورقي والرقمي.

ولتقريب القارئ من طبيعة مواد المجلة، سأختار بعض العناوين من هذا العدد يمكنها أن توضح القيمة التوثيقية للمجلة. سنجد مثلا عناوين من قبيل «أقدم المخطوطات العمانية الموقعة» كتبه فهد السعدي يتضمن وصفا مصورا للمخطوطات التي وقع عليها أصحابها أو ناسخوها. تتردد ألوانها بين الأسود والأحمر، مع أناقة في الخط تنم عن اهتمام مبكر بالشكل، حيث صيرت الهندسة والمثلثات حاوية لبعض الكلمات.

إلى جانب مقال بعنوان «تزييف النقود في العصر الإسلامي من خلال المصادر العمانية» يعرض فيه كاتب المقال صورا نادرة من هذه النقود المزيفة التي جاءت على هيئة قروش معدنية، الأمر الذي يعرفنا إلى أن تزييف النقود ليس وليد عصرنا إنما لديه تاريخ طويل، بل إن إبراهيم الفضلي -كاتب المقال- يجد أن لفظ التزييف اشتق أصلا من تزييف النقود حين ذكر دليلا من لسان العرب. ومن المقالات المهمة التي اشتملها هذا العدد– ونحن هنا نتحدث عن عدد واحد فقط- مقال بعنوان «النساخ العمانيون في حال الأسفار» بقلم عوض اللويهي. وفيه تجوال واسع للمخطوطات التي كتبت في حالات السفر، ونماذج ومواقف واجهت أصحابها، إلى جانب صور من ضمنها تلك الصورة للمخطوطة التي سقطت عليها المحبرة ذات مساء عاصف في مركب سفر فتركها كاتبها كما هي. وغير ذلك تفرد المجلة- في جميع أعدادها- جانبا من المتابعات المتعلقة بالمخطوطات والذاكرة، من قبيل «ندوة حول تاريخ القضاء والتوثيق بالسويق» وملف موسع بعنوان «حصاد المؤتمر العلمي السادس- الدور العماني في خدمة القرآن وعلومه بماليزيا» هذا المؤتمر الذي ألقي فيه 38 بحثا علميا.

وقراءة لكتاب «مفردات العربية الدارجة في ظفار» وخبر بعنوان «مسقط تحتضن مركزا للغة العربية والترجمة والتعريب» وحديث موسع عن برنامج تدريبي مكثف في تحقيق المخطوطات. تم الحديث فيه عن مجهود يقوم به معهد الواصل لتعليم اللغات.

يظل استعراض هذه الفقرات موجزا، مع عدم إغفال موضوعات ملفتة زخرت بها الأعداد الأخرى كمقال بعنوان «مغازي الإمام علي الصغرى» جاء في العدد الثاني من المجلة، يدلل على مساهمة عمانية في مجال السير الشعبي العربي، ومقال بعنوان «من مكنون التراث المسطور» وهو يفتح مجالا جديدا فيما يتعلق بأفرع المخطوط، يختص بتلك المخطوطات «المسطورة» المتعلقة بما تركه الأهالي في بيوتهم من وثائق تتعلق بالشؤون الخاصة كالمواريث، يمكن للباحث أن يجد فيها زادا أنثروبولوجيا في غاية الأهمية.

إلى جانب مقالات تتبع المخطوطات المهاجرة وخاصة تلك التي تركها العمانيون تحت أشجار الاستنارة في كل مكان حلوا فيه وارتحلوا منه.

تكمن أهمية مجلة «الذاكرة» في خدمة الوثائق والتعريف بالكنوز المادية العمانية المشتتة في أكثر من فضاء. كما أنها توفر للباحث والمستفيد زادا متنوعا في هذا الجانب، إلى جانب اطلاعه المستمر على الجديد والمتغير.