مؤخرًا صدر عن البنك الدولي تقرير «قيادة تسعير الكربون في 2020-2021» والذي يتناول التقدم المحرز في خطة الوصول إلى صافي الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050، ويشير التقرير إلى أن «أزمة المناخ لا تقل خطورة عن جائحة كورونا (كوفيد-19) التي تعصف بالعالم الآن، وأننا بحاجة للمستوى ذاته من العمل العاجل والحاسم في توسعة التحالفات بين البلدان والشركات الملتزمة بالوصول إلى صافي الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050 والتي أصبحت تغطي هذه الارتباطات الآن ما لا يقل عن 68% من الاقتصاد العالمي، و56% من سكان العالم (أكثر من 4.2 مليار نسمة)، و61% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم».
وفي الواقع لا يمكن لمتابع اليوم أن يغفل أن قضية تغير المناخ، والتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أصبح أحد أجندة الضغط الدولي، خصوصًا في ظل التوافقات الدولية التي تم صياغتها في العقود الأخيرة وعلى رأسها «اتفاق باريس»، إلا أنه ومع قدوم الإدارة الديمقراطية الجديدة للمشهد في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المتتبع يستطيع تلمس حجم الضغط المضاعف على هذا الملف في دائرة ما تنشره مراكز صنع السياسات العامة، وما تحاول تصعيده مراكز الأبحاث ووحدات التفكير من إجراءات وسياسات ينبغي الإقدام عليها لوضع هذا الملف في محور الاهتمام الدولي.
وليس بمستبعد أن يتحول الملف إلى أداة ضغط سياسي عابرة للحدود، وموجهة لاتخاذ سياسات وإجراءات متماثلة عبر مختلف الأقطار، وبروتوكولات تعاطي مع ما تفرزه من مشكلات وظواهر تشترك فيها مختلف دول العالم.
تتعلق المسألة بمستوى إدراك صناع السياسات لخطورة الموقف، وهذا الإدراك غالبًا ما يكون نابعًا من تقدير وملامسة الخطر ومعايشته، فكما هو الحال مع بدايات جائحة كورونا (كوفيد-19) راوحت الدول التي لم تؤطر منظومات وقاية استباقية في دورة لصنع سياسات إدارة الأزمة القائمة على الاحتواء ورد الفعل، والمسألة في تقديري تسير في المسار ذاته فيما يتعلق بالتغير المناخي، في 2016
وبحسب «A Science of Loss ،« Nature Climate Change على سبيل المثال أدى ارتفاع مستوى البحر إلى ابتلاع خمس جزر في المحيط الهادئ، واختفائها كليًا، وفقدان الكثير من الجزر لمساحاتها الصالحة للسكنى. ترنو هذه المقالة إلى الوقوف على الكيفية التي نبحث من خلالها عن «استجابة مجتمعية» لهذه القضايا التي ما زالت محط تداول (سياسي) أو (فني)، فالواقع أن سلسلة المشكلات الناتجة عن تغير المناخ ستكون لا محالة ذات أثر اجتماعي مباشر، وغير مباشر، على المدى المتوسط والبعيد، ولكن وجود رؤية استباقية لدى صناع السياسات يمكن بطريقة أو بأخرى من تقليل هذه الأثر واحتوائه، وكما تسمى مثل هذا النوع من السياسات في علم الاجتماع بـ«سياسات التكيف» فقد أصبحت الأدبيات وافرة حولها، ذلك أننا حين نتحدث عن التغير المناخي فحن نتحدث عن مهددات مباشرة لإعاقة عملية الإنتاج في الصناعات المتصلة بالبحار، والأراضي الشاسعة، وبالتالي تهديدات مستقبلية مباشرة لهذه القطاعات والعاملين فيها والموارد القائمة عليها، وكذلك العاملون في مجال الزراعة، التي ستكون عرضة بشكل مباشر لتداعيات تدهور التربة، وزيادة حدة العواصف والأعاصير، والجفاف، والتأثير على المخزون الجوفي للمياه، وبالتالي تهديد الثروات الزراعية والحيوانية، ونتحدث عن مؤشرات أولية لزيادة أسعار الطاقة (غير النظيفة) لتقييد الاستهلاك والتحكم في الطلب، كما نتحدث عن سكان المناطق الساحلية حول العالم واستقرارهم المعيشي في ظل تكرار ارتفاع مستويات البحر واحتماليات دائمة لنشوء العواصف والأعاصير.
وإذا ما ذهبنا إلى المقاربة الاجتماعية التي تطرح سؤال ماذا يجب أن تفعل المجتمعات إزاء ذلك فإنه يمكن القول إن الحقيقة التي تؤكدها الدراسات السوسيولوجية أن عملية محورة حياة الناس في المجتمعات حول الاستهلاك وتصميم أنماط العمل والحياة العامة والمعيش الاجتماعي حول قيم الاستهلاك بمختلف أشكاله هو أحد المداخل الأساسية لمفاقمة مشكلة التغير المناخي، وأن التفكير الجاد في إيجاد مقاربة للتخفيف من وطأة المشكلة لا يقتضي مجرد التفكير في حلول تقنية تقودها الشركات العاملة في مجال الطاقة والصناعة، أو مجرد مبادرات لزيادة الوعي والتثقيف، وإنما تصميم كافة السياسات بما فيها سياسات العمل والصحة والتعليم والسكنى على قيم «الاستدامة».
من الممكن أن يلعب توفر مساحات خضراء لممارسة الرياضة والتأمل مثلًا دورًا مهمًا ليس في تعزيز الصحة فحسب، وإنما دفع الناس بعيدًا عن شق استهلاكي معين من نمط معيشهم، ومن الممكن لمسألة الدفع بالسياسات الاجتماعية نحو التركيز على تقوية الرابط الأسري أن يصرف الناس عن العزلة المرتبطة بمضاعفة الاستهلاك الفرداني. كما أن انتهاج ممارسات جديدة في شروط البناء والتعمير والتصاميم المتصلة بالعقارات من أجل تعزيز الاعتماد على الطاقة البديلة ونمط المساكن الصديقة للبيئة من الممكن أن يساهم في تحديد خفة وآثار التغير المناخي عمومًا.
إن ما يعرف بـ«بصمتنا البيئية» التي تعبر عن مقدار تأثيرنا في البيئة وتعظيمنا لمشكلاتها ترتبط بشكل مباشر بأنماط الحياة وبطريقة تصميم السياسات العامة، تزايدت البصمة البيئة للبشر خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل مضاعف، نما الإنفاق على استهلاك الأثاث على سبيل المثال في العالم إلى ما يعادل 300% خلال عقدين من الزمن، عوضًا عن أوجه الاستهلاك الأخرى المرتبطة بالتنقل والسكنى وأنماط الطعام المختلفة، هذا الأمر يدفعنا إلى ضرورة القول بالضرورة الملحة اليوم لإعادة التفكير في «سياسات الاستدامة» وإدماجها في كافة مستويات السياسة العامة، حتى لا يتحول الأمر من إطار الاستباق إلى إطار الاحتواء والعلاج.
وفي الواقع لا يمكن لمتابع اليوم أن يغفل أن قضية تغير المناخ، والتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أصبح أحد أجندة الضغط الدولي، خصوصًا في ظل التوافقات الدولية التي تم صياغتها في العقود الأخيرة وعلى رأسها «اتفاق باريس»، إلا أنه ومع قدوم الإدارة الديمقراطية الجديدة للمشهد في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المتتبع يستطيع تلمس حجم الضغط المضاعف على هذا الملف في دائرة ما تنشره مراكز صنع السياسات العامة، وما تحاول تصعيده مراكز الأبحاث ووحدات التفكير من إجراءات وسياسات ينبغي الإقدام عليها لوضع هذا الملف في محور الاهتمام الدولي.
وليس بمستبعد أن يتحول الملف إلى أداة ضغط سياسي عابرة للحدود، وموجهة لاتخاذ سياسات وإجراءات متماثلة عبر مختلف الأقطار، وبروتوكولات تعاطي مع ما تفرزه من مشكلات وظواهر تشترك فيها مختلف دول العالم.
تتعلق المسألة بمستوى إدراك صناع السياسات لخطورة الموقف، وهذا الإدراك غالبًا ما يكون نابعًا من تقدير وملامسة الخطر ومعايشته، فكما هو الحال مع بدايات جائحة كورونا (كوفيد-19) راوحت الدول التي لم تؤطر منظومات وقاية استباقية في دورة لصنع سياسات إدارة الأزمة القائمة على الاحتواء ورد الفعل، والمسألة في تقديري تسير في المسار ذاته فيما يتعلق بالتغير المناخي، في 2016
وبحسب «A Science of Loss ،« Nature Climate Change على سبيل المثال أدى ارتفاع مستوى البحر إلى ابتلاع خمس جزر في المحيط الهادئ، واختفائها كليًا، وفقدان الكثير من الجزر لمساحاتها الصالحة للسكنى. ترنو هذه المقالة إلى الوقوف على الكيفية التي نبحث من خلالها عن «استجابة مجتمعية» لهذه القضايا التي ما زالت محط تداول (سياسي) أو (فني)، فالواقع أن سلسلة المشكلات الناتجة عن تغير المناخ ستكون لا محالة ذات أثر اجتماعي مباشر، وغير مباشر، على المدى المتوسط والبعيد، ولكن وجود رؤية استباقية لدى صناع السياسات يمكن بطريقة أو بأخرى من تقليل هذه الأثر واحتوائه، وكما تسمى مثل هذا النوع من السياسات في علم الاجتماع بـ«سياسات التكيف» فقد أصبحت الأدبيات وافرة حولها، ذلك أننا حين نتحدث عن التغير المناخي فحن نتحدث عن مهددات مباشرة لإعاقة عملية الإنتاج في الصناعات المتصلة بالبحار، والأراضي الشاسعة، وبالتالي تهديدات مستقبلية مباشرة لهذه القطاعات والعاملين فيها والموارد القائمة عليها، وكذلك العاملون في مجال الزراعة، التي ستكون عرضة بشكل مباشر لتداعيات تدهور التربة، وزيادة حدة العواصف والأعاصير، والجفاف، والتأثير على المخزون الجوفي للمياه، وبالتالي تهديد الثروات الزراعية والحيوانية، ونتحدث عن مؤشرات أولية لزيادة أسعار الطاقة (غير النظيفة) لتقييد الاستهلاك والتحكم في الطلب، كما نتحدث عن سكان المناطق الساحلية حول العالم واستقرارهم المعيشي في ظل تكرار ارتفاع مستويات البحر واحتماليات دائمة لنشوء العواصف والأعاصير.
وإذا ما ذهبنا إلى المقاربة الاجتماعية التي تطرح سؤال ماذا يجب أن تفعل المجتمعات إزاء ذلك فإنه يمكن القول إن الحقيقة التي تؤكدها الدراسات السوسيولوجية أن عملية محورة حياة الناس في المجتمعات حول الاستهلاك وتصميم أنماط العمل والحياة العامة والمعيش الاجتماعي حول قيم الاستهلاك بمختلف أشكاله هو أحد المداخل الأساسية لمفاقمة مشكلة التغير المناخي، وأن التفكير الجاد في إيجاد مقاربة للتخفيف من وطأة المشكلة لا يقتضي مجرد التفكير في حلول تقنية تقودها الشركات العاملة في مجال الطاقة والصناعة، أو مجرد مبادرات لزيادة الوعي والتثقيف، وإنما تصميم كافة السياسات بما فيها سياسات العمل والصحة والتعليم والسكنى على قيم «الاستدامة».
من الممكن أن يلعب توفر مساحات خضراء لممارسة الرياضة والتأمل مثلًا دورًا مهمًا ليس في تعزيز الصحة فحسب، وإنما دفع الناس بعيدًا عن شق استهلاكي معين من نمط معيشهم، ومن الممكن لمسألة الدفع بالسياسات الاجتماعية نحو التركيز على تقوية الرابط الأسري أن يصرف الناس عن العزلة المرتبطة بمضاعفة الاستهلاك الفرداني. كما أن انتهاج ممارسات جديدة في شروط البناء والتعمير والتصاميم المتصلة بالعقارات من أجل تعزيز الاعتماد على الطاقة البديلة ونمط المساكن الصديقة للبيئة من الممكن أن يساهم في تحديد خفة وآثار التغير المناخي عمومًا.
إن ما يعرف بـ«بصمتنا البيئية» التي تعبر عن مقدار تأثيرنا في البيئة وتعظيمنا لمشكلاتها ترتبط بشكل مباشر بأنماط الحياة وبطريقة تصميم السياسات العامة، تزايدت البصمة البيئة للبشر خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل مضاعف، نما الإنفاق على استهلاك الأثاث على سبيل المثال في العالم إلى ما يعادل 300% خلال عقدين من الزمن، عوضًا عن أوجه الاستهلاك الأخرى المرتبطة بالتنقل والسكنى وأنماط الطعام المختلفة، هذا الأمر يدفعنا إلى ضرورة القول بالضرورة الملحة اليوم لإعادة التفكير في «سياسات الاستدامة» وإدماجها في كافة مستويات السياسة العامة، حتى لا يتحول الأمر من إطار الاستباق إلى إطار الاحتواء والعلاج.