كان حديثنا الأسبوع الماضي عن النظم الفردية، المتمثلة في النظام الرأسمالي الذي ساد غرب أوروبا لفترة من الزمن، ثم جاءت التحولات السياسية والفكرية في هذا النظام، بعد النقد الموجه للاحتكار الاقتصادي الذي هيمنت عليه الفكرة الرأسمالية أو المطلقة، والعيوب والسلبيات التي حصلت في تطبيقاته التي غالت فيه الفردانية الاقتصادية ـ كما أشرنا في مقالنا الأسبوع المنصرم ـ وظهور فلسفات ونظريات جديدة تناهض ما جاء في هذه النظرية، وتدعو إلى تعديل هذا النظام القائم على سيطرة فئة بعينها على كل المقدرات الاقتصادية والمالية، بذريعة الاقتصاد الحر، ووجود التلقائية في هذا النظام، وهو ما يعني تخلي الدولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي، وبعيداً عن تدخلها لحماية الأسعار التي تحدث في هذا الحراك الاقتصادي الحر، والحرية الاقتصادية التي تعتبر أساس هذا النظام، ولذلك جاءت الليبرالية السياسية الكلاسيكية بعد ذلك للتقليل من الرأسمالية المستغلة، بما وضعته من أسس أكثر انفتاحاً تجاه النظريات الجديدة التي حصلت في القرن الثامن عشر، بفكر ما يسمى بـ(عصر الأنوار)، وهو ما جعلها تشرع الأبواب للحريات العامة، كحرية التعبير وحرية النقد للسياسات القائمة، والانفتاح للتعددية السياسية والإعلامية والفكرية، واستطاعت التخفيف من ردود الفعل الغاضبة للنظام الحر الطائش كما يسمى أحياناً.
ومع ذلك ظل النظام الرأسمالي قائماً في الغرب، مع ما حصل له من تعديلات إيجابية، خاصة في مسألة نظام الأجور وغيرها من الحقوق، وهذا ما فعلته بعض الأحزاب التي فازت في الانتخابات في بعض دول أوروبا الغربية في أواخر الستينات، ومنها حزب العمال البريطاني وغيرها من الأحزاب السياسية القريبة من الرؤية الاشتراكية، فيما يتعلق بحقوق العمال.
ومن الأسباب المهمة للتعديلات في النظام الرأسمالي الليبرالي أنها عجزت في مقولاتها عن التلقائية في العرض والطلب، وهو ما جعل الاقتصادي «كينز» يعترف بعدم قدرة الرأسمالية على إيجاد التوازن في رؤيتها المطلقة، ووضع رؤية الاقتصاد المختلط، بين القطاعين العام والخاص لإيجاد التوازن الإيجابي في النظام الرأسمالي، بعد الأزمات الاقتصادية واشتداد الحملات من الفلسفات والتيارات المناهضة للفكر الاقتصادي المطلق.
ولا شك أن الأفكار الاشتراكية، ليست حديثة العهد، مع تطبيقات الرأسمالية الغربية واحتكارها، لكنها قديمة قدم التاريخ، من خلال كلام الكثير من الفلاسفة والمفكرين من كل الديانات البشرية في طرح مسألة الاشتراكية والتعاونيات في المجتمعات، ومنذ العهود السحيقة كانت المجتمعات تطرح مسألة الاشتراك في التعاون المبني على التآزر والتعاون والتشارك، إذا اتفقت أفكارهم في هذا المسعى بينهما، وهذا ما قاله العلامة الشهير ابن خلدون: من أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لكن الظروف والتحولات التي حصلت في القرون التالية، بينت أن المال يزداد عند بعض الجماعات البشرية المؤثرة والقريبة من القرار السياسي والفكري، وزادت معه الأنانية والاستحواذ إلى حد الظلم والقسوة، وهذا ما تبنته النظرية الرأسمالية المتوحشة التي تأسست في الغرب الرأسمالي، وبرزت مع تغّول هذا النظام ـ كما أشرنا في المقال السابق ـ الفلسفات الاجتماعية ـ ومنها الفلسفة الاشتراكية تحديداً ـ في أوروبا وراجت في الكثير من دول غرب أوروبا وشرقها، لاسيما النظرية الاشتراكية التي صاغها كارل ماركس في كتابه رأس المال، ووجد سمعة ورواجاً كبيرين، فالنظام الاشتراكي كما يعرف، متعدد التطبيقات، ولكن الأشد شمولية، هو النظام الماركسي، من حيث الحدية في التطبيق، وهذا نتيجة من نتائج التوحش الذي لاقته الشعوب الأوروبية من الرأسمالية، وكردة فعل معاكسة له، فالاشتراكيات تتفق في غالبيتها، بتبني سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، وعلى الملكية العامة المباشرة، دون السماح للملكية الخاصة أن تنافس هذا النظام القائم على النظام الاجتماعي، وعلى نظام التعاونيات في بعض النظم الاشتراكية، وانتشرت هذه الأفكار، وأصبحت رائجة ليس في شرق أوروبا وحدها، بل وفي دول العالم الثالث، وفي أمريكا اللاتينية، ومنها بعض الدول العربية.
ولا شك أن أول دولة في العالم المعاصر، طبقت النظام الاشتراكي، هي روسيا بعد الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917، وبموجب هذه الثورة قضت على النظام القيصري، وتزعم هذه الثورة كما هو معروف فلاديمير لينين، وفي عام 1918، صدرت القرارات الاشتراكية في هذه الدولة التي تبنت هذا النظام، وكانت قرارات حدية، جاءت بعد ثورة كبيرة على القياصرة، وفي دولة زراعية، وليست صناعية، وهذا ما جعل القرارات التي اتخذت، بخاصة بعد تولي جوزيف ستلين الحكم، بعد وفاة لينين عنيفة وقاسية، مع أن كارل ماركس، تنبأ بأن يتم تطبيق نظريته، ليس في دولة زراعية، بل في دولة صناعية، لكن الاتحاد السوفييتي في بداية التطبيق نجح في تكوين دولة صناعية كبيرة، وأصبحت زعيمة المعسكر الاشتراكي آنذاك، وأصبح الصراع بين المعسكرين يستقطب الجميع من كل الدول الأخرى.
ومن إيجابيات النظام الاشتراكي أنه منع الاحتكار والاستغلال الذي تديره الطبقة الغنية، ودعا كارل ماركس، وزميله انجلز في البيان الشيوعي، إلى الثورة على النظام الرأسمالي، ولذلك ـ كما يقول الدكتور حيدر غيبة ـ توقعا في هذا البيان: أن تحدث أولاً في الدولة أو الدول التي نالت أكبر حظ من التقدم أي في الدول ذات التقدم الصناعي الأوفر كإنجلترا، وعندما تصبح البروليتاريا الطبقة الحاكمة في الدولة لا بد من أن تنزع رأس المال من أيدي الطبقة البورجوازية وفقًا لقرارات تتخذها بهذا الشأن لتمركز ملكية وسائل الإنتاج بالدولة وتمركز هذه الوسائل بذاتها بيد العمال في وحداتهم الإنتاجية.
لكن النظرية التي رآها ماركس مناسبة للمجتمع الصناعي ـ كما أشرنا ـ لم تتحقق في بريطانيا، كدولة صناعية، وربما لأن هذا المجتمع تعيش فيه الطبقات المتعددة، وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية برأيه، من خلال سيطرة البروليتاريا على الطبقة البرجوازية، وتجريد الرأسماليين من ملكيتهم، وكانت الرؤية المتوقعة أن يحدث هذا في الدول الصناعية، وأولها بريطانيا، ثم تنتشر إلى بقية أوروبا والعالم، لكن ما حصل كان خلاف ذلك، فما حدث أن النظرية الشيوعية جرت في روسيا البلد الزراعي، ولم يستكمل فيها النمو الرأسمالي، وبقيت دول أوروبا الصناعية على فكرها الرأسمالي الليبرالي مع التعديلات التي أدخلت على نظامها الاقتصادي، لكن ما السلبيات التي صاحبت النظام الاجتماعي الاشتراكي وأدت إلى سقوط الفكر الاشتراكي في شرق أوروبا؟
للحديث بقية
ومع ذلك ظل النظام الرأسمالي قائماً في الغرب، مع ما حصل له من تعديلات إيجابية، خاصة في مسألة نظام الأجور وغيرها من الحقوق، وهذا ما فعلته بعض الأحزاب التي فازت في الانتخابات في بعض دول أوروبا الغربية في أواخر الستينات، ومنها حزب العمال البريطاني وغيرها من الأحزاب السياسية القريبة من الرؤية الاشتراكية، فيما يتعلق بحقوق العمال.
ومن الأسباب المهمة للتعديلات في النظام الرأسمالي الليبرالي أنها عجزت في مقولاتها عن التلقائية في العرض والطلب، وهو ما جعل الاقتصادي «كينز» يعترف بعدم قدرة الرأسمالية على إيجاد التوازن في رؤيتها المطلقة، ووضع رؤية الاقتصاد المختلط، بين القطاعين العام والخاص لإيجاد التوازن الإيجابي في النظام الرأسمالي، بعد الأزمات الاقتصادية واشتداد الحملات من الفلسفات والتيارات المناهضة للفكر الاقتصادي المطلق.
ولا شك أن الأفكار الاشتراكية، ليست حديثة العهد، مع تطبيقات الرأسمالية الغربية واحتكارها، لكنها قديمة قدم التاريخ، من خلال كلام الكثير من الفلاسفة والمفكرين من كل الديانات البشرية في طرح مسألة الاشتراكية والتعاونيات في المجتمعات، ومنذ العهود السحيقة كانت المجتمعات تطرح مسألة الاشتراك في التعاون المبني على التآزر والتعاون والتشارك، إذا اتفقت أفكارهم في هذا المسعى بينهما، وهذا ما قاله العلامة الشهير ابن خلدون: من أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لكن الظروف والتحولات التي حصلت في القرون التالية، بينت أن المال يزداد عند بعض الجماعات البشرية المؤثرة والقريبة من القرار السياسي والفكري، وزادت معه الأنانية والاستحواذ إلى حد الظلم والقسوة، وهذا ما تبنته النظرية الرأسمالية المتوحشة التي تأسست في الغرب الرأسمالي، وبرزت مع تغّول هذا النظام ـ كما أشرنا في المقال السابق ـ الفلسفات الاجتماعية ـ ومنها الفلسفة الاشتراكية تحديداً ـ في أوروبا وراجت في الكثير من دول غرب أوروبا وشرقها، لاسيما النظرية الاشتراكية التي صاغها كارل ماركس في كتابه رأس المال، ووجد سمعة ورواجاً كبيرين، فالنظام الاشتراكي كما يعرف، متعدد التطبيقات، ولكن الأشد شمولية، هو النظام الماركسي، من حيث الحدية في التطبيق، وهذا نتيجة من نتائج التوحش الذي لاقته الشعوب الأوروبية من الرأسمالية، وكردة فعل معاكسة له، فالاشتراكيات تتفق في غالبيتها، بتبني سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، وعلى الملكية العامة المباشرة، دون السماح للملكية الخاصة أن تنافس هذا النظام القائم على النظام الاجتماعي، وعلى نظام التعاونيات في بعض النظم الاشتراكية، وانتشرت هذه الأفكار، وأصبحت رائجة ليس في شرق أوروبا وحدها، بل وفي دول العالم الثالث، وفي أمريكا اللاتينية، ومنها بعض الدول العربية.
ولا شك أن أول دولة في العالم المعاصر، طبقت النظام الاشتراكي، هي روسيا بعد الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917، وبموجب هذه الثورة قضت على النظام القيصري، وتزعم هذه الثورة كما هو معروف فلاديمير لينين، وفي عام 1918، صدرت القرارات الاشتراكية في هذه الدولة التي تبنت هذا النظام، وكانت قرارات حدية، جاءت بعد ثورة كبيرة على القياصرة، وفي دولة زراعية، وليست صناعية، وهذا ما جعل القرارات التي اتخذت، بخاصة بعد تولي جوزيف ستلين الحكم، بعد وفاة لينين عنيفة وقاسية، مع أن كارل ماركس، تنبأ بأن يتم تطبيق نظريته، ليس في دولة زراعية، بل في دولة صناعية، لكن الاتحاد السوفييتي في بداية التطبيق نجح في تكوين دولة صناعية كبيرة، وأصبحت زعيمة المعسكر الاشتراكي آنذاك، وأصبح الصراع بين المعسكرين يستقطب الجميع من كل الدول الأخرى.
ومن إيجابيات النظام الاشتراكي أنه منع الاحتكار والاستغلال الذي تديره الطبقة الغنية، ودعا كارل ماركس، وزميله انجلز في البيان الشيوعي، إلى الثورة على النظام الرأسمالي، ولذلك ـ كما يقول الدكتور حيدر غيبة ـ توقعا في هذا البيان: أن تحدث أولاً في الدولة أو الدول التي نالت أكبر حظ من التقدم أي في الدول ذات التقدم الصناعي الأوفر كإنجلترا، وعندما تصبح البروليتاريا الطبقة الحاكمة في الدولة لا بد من أن تنزع رأس المال من أيدي الطبقة البورجوازية وفقًا لقرارات تتخذها بهذا الشأن لتمركز ملكية وسائل الإنتاج بالدولة وتمركز هذه الوسائل بذاتها بيد العمال في وحداتهم الإنتاجية.
لكن النظرية التي رآها ماركس مناسبة للمجتمع الصناعي ـ كما أشرنا ـ لم تتحقق في بريطانيا، كدولة صناعية، وربما لأن هذا المجتمع تعيش فيه الطبقات المتعددة، وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية برأيه، من خلال سيطرة البروليتاريا على الطبقة البرجوازية، وتجريد الرأسماليين من ملكيتهم، وكانت الرؤية المتوقعة أن يحدث هذا في الدول الصناعية، وأولها بريطانيا، ثم تنتشر إلى بقية أوروبا والعالم، لكن ما حصل كان خلاف ذلك، فما حدث أن النظرية الشيوعية جرت في روسيا البلد الزراعي، ولم يستكمل فيها النمو الرأسمالي، وبقيت دول أوروبا الصناعية على فكرها الرأسمالي الليبرالي مع التعديلات التي أدخلت على نظامها الاقتصادي، لكن ما السلبيات التي صاحبت النظام الاجتماعي الاشتراكي وأدت إلى سقوط الفكر الاشتراكي في شرق أوروبا؟
للحديث بقية