بالرغم من التوسع في استعراض ومناقشة الممارسات التي يمكن لرواد الأعمال اتباعها من أجل تعزيز الهوية المؤسسية للشركات الصاعدة عبر هذه المساحة، غير أنه يمكن القول بأن هنالك أطرافا أخرى تستطيع الإسهام في تعزيز هذا الجانب لدى قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفي هذا السياق يتماهى قطاعان في بعضهما، الأول هو قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمؤسساته المختلفة، والثاني قطاع الهوية المؤسسية في السلطنة. وفي كل الأحوال يتشابه القطاعان كثيرا في تركيبتيهما حيث إنهما يتكونان من جهات رسمية وجهات خاصة وسوق محلي وأفراد - سواء كانوا مهنيين ضمن قطاعاتهم أو جمهورا عاما - ولذلك ومن أجل تسهيل إيضاح الأدوار التي يمكن أن تؤديها بعض الأطراف، فسيتم استعراضها في هذا المقال تحت مظلة منظومة الهوية المؤسسية في السلطنة.

بمحاولة تشخيص عناصر هذه المنظومة فإنه يمكن الوصول إلى خلاصة أنها تتكون من ثمانية عناصر هي الحكومة، ووكالات الهوية المؤسسية، والشركات الناشئة نفسها، والجمهور العام، والسوق المحلي، ورواد الأعمال، والأسواق الخارجية، والثقافة المحلية. ومن المهم القول هنا إن هذه العناصر لا يعمل كل منها بمعزل عن العناصر الأخرى، إلا أنه وفي الوقت ذاته تتفاوت مستويات ارتباط كل عنصر منها بالعناصر الأخرى، وما إذا كانت تؤثر أو تتأثر بالعناصر الأخرى. ومن البديهي أن تكون الشركات الناشئة هي أكثر العناصر ارتباطا بغيرها لكونها المحطة النهائية التي تتجسد عبرها مختلف ممارسات الهوية المؤسسية، حتى ولو كان ذلك نتيجة جهود أو برامج أو ممارسات قامت بها العناصر الأخرى.

ولأن هذه المساحة قد شهدت مسبقا استعراضا لما يمكن أن يقوم به كل من رواد الأعمال أو الشركات الناشئة؛ فمن المهم التطرق إلى العناصر الأخرى في منظومة الهوية المؤسسية التي تتمتع بمستويات عالية من الارتباط والتأثير. بالنسبة للمؤسسات الرسمية فإن طبيعة وجودها ضمن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يمكنها من الاستئناس بتجارب تم تطبيقها في دول مختلفة مثل تايوان والمملكة المتحدة وماليزيا؛ حيث سعت المؤسسات المشرفة على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تلك الدول إلى التركيز على الهوية المؤسسية كعنصر نجاح للشركات الناشئة والذي يمكن أن ينعكس على نمو تلك المؤسسات وكنتيجة حتمية لازدهار القطاع ككل. ويمكن في سبيل تحقيق ذلك البناء على مبادرات بناء القدرات التي تتبناها المؤسسات الرسمية من أجل إطلاق برامج متخصصة ومستدامة تركز على ممارسات الهوية المؤسسية وكيفية إدماجها في عمليات الشركات، بالإضافة إلى إتاحة المحتوى المعرفي القابل للفهم والتداول لتوسيع نطاق الوصول والاستفادة. كما يمكن للجهات الداعمة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تأسيس مراكز استشارية لممارسات الهوية المؤسسية للشركات الناشئة تضع معايير وأدوات وممارسات تتناسب مع طبيعة تلك الشركات وأسواقها المستهدفة.

وباعتبار الأدوار الأخرى التي تؤديها المؤسسات الرسمية بطريقة غير مباشرة، وبالأخص ما يتعلق بقطاع الإعلان والهوية المؤسسية، فإن التسهيلات التي تقدمها فيما يتعلق برسوم وإجراءات تراخيص وكالات الإعلان والهوية المؤسسية يمكن أن تنعكس إيجابا على القطاع، والذي بدوره سيؤدي إلى تعزيز ثقافة وممارسات الهوية المؤسسية في قطاع الأعمال بشكل عام وضمن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحديدا. كما أن دور المؤسسات الرسمية في تعزيز ثقافة الهوية المؤسسية يمكن أن يتجسد في تضمين الموضوعات المرتبطة بها ضمن مناهج التعليم والتعليم العالي من أجل إكمال مكونات المناهج المرتبطة بريادة الأعمال والتجارة.

وبالعودة للأطراف المكونة لمنظومة الهوية المؤسسية، فإن من المهم توضيح الفرص الممكنة بيد وكالات الهوية المؤسسية المحلية Homegrown Agencies وما تستطيع أن تؤديه في هذا الصدد. ولكن قبل ذلك ينبغي استعراض مراحل نمو تلك الوكالات حيث إنها عادة ما تبدأ برأسمال صغير جدا وعدد محدود من الموظفين أو المتعاونين وتركز في بدايتها على الشركات الصاعدة وبعض المشروعات الصغرى ما يؤهلها إلى إثبات قدرتها ويؤدي إلى نموها ثم ما تلبث أن تبدأ بالتخلي عن استقبال المشروعات المرتبطة بالمؤسسات الناشئة إما لعدم جدواها ماليا أو لطبيعتها التي تستنزف الوقت والموارد، وهو ما قد يؤدي إلى أن تكون تلك المؤسسات تحت رحمة الاجتهادات الشخصية أو غير المتخصصة. وباعتبار ذلك كله فإن المقترح الموضوع أمام وكالات الهوية المؤسسية المحلية هو أن تقوم بتصميم وتقديم باقات مخصصة للشركات الناشئة بأسعار محددة مسبقا وشروط تعاقدية واضحة للطرفين وبمخرجات عمل تتلاءم مع احتياجات تلك الشركات وطبيعة عملها.

إن الدور الذي تقوم به الوكالات المحلية يمكن أن يتوسع خارج نطاق الأعمال والربحية، فقد شهد قطاع الإعلان والهوية المؤسسية مؤخرا العديد من المبادرات التي تركز على مشاركة المعرفة ومناقشة التوجهات والتحديات في سياق القطاع. وبناء على ذلك فإن من الممكن أن تقوم تلك الوكالات بتخصيص حلقات نقاشية ومحاضرات وندوات تتطرق إلى ممارسات الهوية المؤسسية بالنسبة للشركات الصاعدة، واستعراض بعض التجارب والأمثلة، وكذلك استضافة رواد الأعمال الذين يمتلكون قصص نجاح - أو فشل - تنعكس بالفائدة على غيرهم من رواد الأعمال.

وفي المجمل فإن تفاعل مختلف العناصر المكونة لمنظومة الهوية المؤسسية في السلطنة - بما فيها الجمهور العام ذاته - بشكل طبيعي يقود إلى تعزيز دور الهوية المؤسسية في ازدهار قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة، وهو ما يمكن البناء عليه في تبني ممارسات وطنية جديدة مثل جوائز للهوية المؤسسية أو مؤشرات قياس لها تضمن استدامة التنافس في هذا الجانب بين الشركات الناشئة.

*مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية