تجمعهما «مكالمة» ومنزل مشترك.. وتفصلهما 20 سنة..

كتبت- شذى البلوشية -

أن تقبض على أنفاسك، وتترقب بكل حذر صوت رنين الهاتف، لتعلو صرختك، وأنت على يقين أن رنين الهاتف لا يخلف وراءه إلا مكالمة قد تكون هي نهايتك أو موت أقرب الناس على قلبك، وطوال لحظات الترقب المليئة بالرعب والقلق لابد أن تفكر، أن تجد الحل، وتجد الخلاص من معمعة المصير الذي هو آت لا محالة.

بداية هادئة لفيلم «المكالمة» من إنتاج «نتفليكس»، تظهر الممثلة الكورية «بارك شي هين» برفقة «أو جونغ سي» -صاحب مزرعة الفراولة- يأخذها في شاحنته نحو منزلها الذي تعود لتعيش فيه وحيدة بعد موت والدها، وبقاء والدتها في المستشفى بعد إصابتها بمرض خطير قد ينهي حياتها.

تشعر منذ أول وهلة لرؤيتك وجه «بارك شي هين» أنها فتاة وحيدة بائسة، نظرتها تخفي الحزن المؤبد، خطواتها المتثاقلة.. كتفها المرتخي.. وصوتها الخافت.. وحديثها المختصر، كلها علامات على قصة طويلة عاشت في داخل «سي يون» وخلفت آثارها على حياتها.

بداية الرعب في «المكالمة» لم تكن إلا رغبة «سي يون» في إيجاد هاتفها المحمول الذي فقدته في محطة القطار، لتحاول الاتصال به عبر الهاتف الثابت في منزلها، وانتظارها المتواصل لسماع صوت رنين الهاتف الذي يشعل في داخلها الأمل أن يكون المتصل من وجد هاتفها في المحطة، إلا أن مكالمة من فتاة تصرخ طلبا للنجدة تعاود التكرار مرة بعد مرة، ورغم أن «سي يون» لم تعر ذلك اهتماما، ظنا منها أنها تطلب الرقم الخاطئ كل مرة، إلا أن بعض كلمات الفتاة المتصلة بقت عالقة في ذاكرة «سي يون».

لم يكن الأمر إلا طريقة تتسلى بها «سي يون» حين حاولت أن تفهم قصة الفتاة المتصلة، من تكون وأين تعيش؟.. وجدت من خلال بحثها -على الرغم من عدم القدرة على تصديق ذلك- أن الفتاة المتصلة تدعى «أوه يونغ» تعيش في منزلها ذاته، مع فارق في السنوات، ووجدت أن منزلها يحوي على قبو كان هو غرفة التعذيب التي ماتت فيها «أوه يونغ»، ورغم استمرار «سي يون» الوحيدة، بالتحدث إلى «أوه يونغ» المريضة نفسيًا والمعنفة من قبل زوجة أبيها بمبرر التخلص من الأرواح التي تسكنها، لم تعتقدا أنهما ستتجاوزان مرحلة الحديث عبر الهاتف، وتبادل الأشياء عبر وضعها في أركان معينة في المنزل، ولم يكن ذلك إلا مع وصول عائلة «سي يون» في عام 1999 إلى المنزل الذي تسكن فيه «أوه يونغ»، لتعي الأخيرة أنها تستطيع تغيير قدر موت والد سي يون الذي كان نتيجة احتراق المنزل، وأن التسلية في الأمر لا يمكن أن تؤثر سلبا على حياتيهما.

تغيير القدر كان إيجابيا على حياة «سي يون» فقد تغيرت مجريات حياتها، من فتاة وحيدة بائسة، إلى فتاة يحيطها دفء أسرتها التي تعيش برفقتهم، وربما انعكس هذا التغيير الإيجابي على حياة الفتاتين، فإحداهما أصبحت مشغولة برفقة عائلتها، ولم تعد تجد الوقت للتسلية مع الأخرى، وهذا هو ما أثار جنون «أوه يونغ»، ورغم أن الأمر لم يتجاوز غضب «أوه يونغ» إلا أنه تسبب في تلقيها للعقاب الشديد من قبل زوجة أبيها نتيجة تمردها المتزايد، ولكن الخطأ الذي وقعت فيه سي يون هو أنها استطاعت أن تجد عبر بحثها في الإنترنت سبب وفاة «أوه يونغ» في اليوم ذاته الذي تتحدث فيه معها عبر الهاتف، وتكشف لها أن الموت كان نتيجة قتل زوجة أبيها لها في محاولة منها للقضاء على الأرواح الشريرة التي تظن أنها تسكن جسدها، فما كان من «أوه يونغ» إلا الاستعداد لتلك اللحظة، وقلبت القدر في موتها، لتقتل هي زوجة أبيها، وتعيش الفتاة ذات الشخصية المضطربة، وتكمل مشوار جرائمها المتعددة، وتستغل «سي يون» في معرفة تفاصيل الأحداث التي قد تحدث لها، ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه لتبقى «أوه يونغ» على قيد الحياة، ورغم أن «سي يون» حاولت التخلص من «أوه يونغ» وقطعت خط الهاتف، إلا أنها عادت لتتصل بها بعد أن قضت على والدها، وبدأت بالاستعداد لقتل «سي يون» ووالدتها.

العمل يحوي الكثير من الأفكار الخيالية، لا سيما أن تتواصل اثنتان تفصل بينهما 20 عاما، وتعيشان في منزل واحد دون أن ترى إحداهما الأخرى، إلا أنه شديد الإثارة، وربما هذه الفكرة الخيالية هي طريق الإثارة والتشويق للمشاهد، فأنت تعبر الزمن في الثانية ذاتها ،وترى المنزل ذاته بشكلين مختلفين.

الممثلة «جون جونغ سو» التي تقوم بدور «أوه يونغ» استطاعت بجدارة أن تتقمص دور الفتاة المختلة عقليًا، وعبر شعرها المنهدل على وجهها، وعيناها الغائرتان، ووجها الشاحب، وجسدها الهزيل، وأزيائها الفضفاضة، امتلكت القدرة على إشعال الرعب وترقب أفعالها غير المتوقعة بقلق.

المقدرة التي تتمتع بها الأعمال الكورية -حسب متابعتي- هو التصاعد الملحوظ في الأحداث التي تبلغ بك النهاية بأعصاب مشدودة إن كان العمل رعبًا وتشويقًا، أو عاطفة مرهفة أو رومانسيًا وعاطفيًا؛ لهذا فالمشاهد -غالبا- لا يتمكن من إغفال مشهد، أو أن يفوت على نفسه حوارًا، القدرة الهائلة على اختيار موسيقى الخلفية والمؤثرات المختلفة تزيد من التشويق للمتابعة، إضافة إلى استغلال ذاكرة المشاهد، باستعادة تفاصيل في بداية الفيلم أو المسلسل والرجوع للوهلة إليها في نهاية العمل، وهنا تكمل المقدرة الإخراجية التي يستخدمها مخرجو الأعمال الكورية.

فيلم «المكالمة» أنتج في عام 2020، ولكنه يحظى بالمتابعة عبر تطبيق «نتفليكس» حتى الآن -بشكل ملحوظ-، وهو فيلم مقتبس من الفيلم البريطاني «المكالمة» الصادر في 2011، إضافة إلى عدد من أفلام الرعب المختلفة التي كانت «المكالمة» أو «المتصل» هي عنوانها أو مضمون الرعب فيها، ولكن لأن الفيلم الكوري «المكالمة» هو الأحدث استطاع أن يجد طرقًا أقوى ليعلو على ما سواه من الأفلام، ومن خلال القدرة الابتكارية للسيناريو والإخراج، وإضافة لمسات التصوير الحديث واختلاف الزوايا، والمعالجة من خلال مونتاج المشاهد، والتغيرات في الألوان والإضاءة، كلها أسباب تجعل العمل أكثر احترافية مقارنة بالأعمال المشابهة.

ما يميز الفيلم - كغيره كثير من أعمال السينما الكورية- أنه يمتلك تمساكًا في أركان العمل السينمائي، أبرزها الأداء التمثيلي، ولا يمكن إغفال القدرة التمثيلية للممثلة «بارك شي هين»، التي قادت العديد من الأعمال السينمائية والدرامية إلى الاحترافية، ولا أدل على ذلك من حصولها على عدد من الجوائز الفنية في مختلف المهرجانات، وأصبحت رغم صغر سنها، من نجوم الصف الأول في كوريا الجنوبية، وتحظى بشعبية كبيرة من الجمهور، حيث يذكر لها نجاحها في دور طالبة في مسلسل «الورثة»، ودور الفتاة المتمردة التي أحبت أستاذها الذي يكبرها بسنوات، وتبتعد عنه لزمن طويل بسبب الشائعات، لتعود فتلتقي به وقد غدت طبيبة تعمل معه في المستشفى ذاته في مسلسل «الأطباء»، وطالبة موسيقى تعزف وتغني وتقف للتحدي وتنافس غيرها في مسلسل رومانسي بعنوان «أوتار القلب»، وتأديتها لدور شاب في مسلسل «أنتِ جميلة»، لتثبت في كل الأعمال مقدرتها العالية على التمثيل والغناء على حد سواء.