مضى عام ونصف العام تقريبًا منذ أن بدأ فيروس كورونا باجتياح العالم، وخلال هذه المدة الزمنية شهدت البشرية أكبر حملة تثقيف صحي في تاريخها، ليس للوقاية من فيروس كورونا فقط ولكن حول الفيروسات والأوبئة بشكل عام وطرق التعامل الصحيح معها، كما تعرفت البشرية في كل مكان إلى تاريخ اكتشاف اللقاحات ودورها في حياة الإنسان وآليات عملها وتصنيعها. فلم يكن قبل هذا الوقت يمكن للإنسان العادي أن يتساءل عن مدى مأمونية اللقاحات التي تعطى للأطفال أو نسبة الحماية التي تقدمها على سبيل المثال. بل إن الكثيرين بدؤوا في البحث عن المقالات العلمية المنشورة في المجلات الطبية المحكَّمة سواء لقراءتها أو حتى لاستعراضها في الصحف اليومية. وأسهمت تلك الحملة العالمية في صناعة ثقافة صحية يمكن أن تعول عليها الدول في ما بقي من عمر الجائحة وتسهم في البناء عليها للمستقبل، خاصة وأن الكثير من علماء الأوبئة والفيروسات يؤكدون أن المستقبل القريب يمكن أن يشهد ظهور جوائح فيروسية أخرى ربما تكون أكثر ضراوة من الجائحة الحالية، رغم أنهم يؤكدون في الوقت نفسه أن العالم سيتعامل معها بخبرة أكبر مما تعامل بها مع الجائحة الحالية.

وفي هذا السياق تظهر ضرورتان لتحويل هذا الأمر إلى سياق علمي وخاصة في السلطنة، فالضرورة الأولى لا بد من توثيق الجائحة بشكل علمي والتحولات التي مرت بها صعودًا وهبوطًا وفق المتغيرات التي حدثت نتيجة تعامل اللجنة العليا مع الجائحة أو حتى نتيجة تعامل الناس معها، وكيف تطور وعي الناس بها؟ ومتى تحولت تلك الرهبة وذلك القلق من الوباء إلى قابلية للتعايش؟ ومتى شعر الناس أنهم تجاوزوا الوباء اجتماعيًا؟ وهناك نظريات في العالم لطرق توثيق الجوائح ورصدها.

أما الضرورة الثانية فتكمن في وجود مساق دراسي في المدرسة يُعنى بالجوانب الصحية منذ الصفوف الدنيا وصولًا إلى الدراسات الجامعية، على أن يكون المساق في الجامعة إجباريًا وليس اختياريًا. هذا الأمر من شأنه أن يخفف التكلفة الباهظة في الجوائح القادمة.

كما يبدو موضوع بناء مراكز بحثية متخصصة في الجوانب الطبية ومختبرات حيوية ضرورة ملحة على أن تربط تلك المراكز بالجوانب الاستثمارية حتى نستطيع أن نكون منتجين ومصدرين للمعرفة خلال الجوائح القادمة ولسنا مستهلكين لها فقط.