حسن المطروشي -
بويب يا بويبْ
فيدْلَهِمُّ في دمي حنين
إليك يا بويبْ
يا نهريَ الحزين كالمطرْ
أودُّ لو عدتُّ في الظلامْ
أشدُّ قبضتَيَّ تحملان شوقَ عامْ
في كل إصبعٍ كأني أحمل النّذورْ
إليك من قمحٍ ومن زهورْ
بدر شاكر السياب
***
منذ أزمنة سحيقة ارتبط الإنسان وجوديًا ومصيريًا بالأنهار، فأنشأ على ضفافها مستوطناته الأولى، وأقام عليها حضاراته، ونسج حولها الأساطير والقصص والأشعار، فكانت مكوّنا رئيسا من ثقافات الشعوب ودياناتها وآدابها الخالدة. وهناك الكثير من المعتقدات القديمة حول بعض الأنهار بأنها تنبع من الجنة، وكانت تُزَف إليها النذور وتُقَدَّم القرابينُ، وتقام حولها الطقوس والعبادات.
في حضارات بلاد وادي الرافدين المتعاقبة، شكل دجلة والفرات موردا خصبا، ليس في مياههما فقط، وإنما في ما كان لهما من أثر كبير في الأساطير والأديان والمعتقدات. وقد تغنى شعراء العرب بدجلة والفرات في قصائدهم على مر العصور والأحقاب، مثل المتنبي وأبي العلاء المعري والجواهري والرصافي والسياب وغيرهم.
كما احتفت الحضارة المصرية بنهر النيل وخلّدته في أدبياتها وصلواتها، وللشاعر أحمد شوقي قصائد معروفة في النيل. أما في بلاد الهند فهناك أيضا نهر الغانج المقدس الذي يحج له سنويا ملايين الهندوس «للتطهر» وأداء الصلوات والطقوس التعبدية.
وهناك أنهار كبرى أصبحت معالم عالمية بارزة تجذب السياح على دار العام مثل نهر السين في باريس ونهر الدانوب الذي يمر عبر عشر مدن أوروبية، ونهر التيبر الأسطوري الذي يشق مدنية روما العتيقة إلى نصفين، وغيرها من الأنهار العظمى في العالم، جميعها باتت تشكل بعدا جماليا وحضاريًا وأدبيًا خالدًا لدى الإنسان.
***
لعل هذه المقدمة المقتضبة حول الأنهار وحضورها العميق في الأديان والثقافات والحضارات والآداب، يقدم لنا عتبة أولى أو مسوغًا جماليًا للولوج إلى قصيدة (دمشق) للشاعرة السعودية هيفاء عبدالرحمن الجبري، التي فازت بجائزة القصيدة المغناة في جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي، لعام 2020م. القصيدة نشرت ضمن ديوان (تداعى له سائر القلب)، الذي صدر ضمن سلسة الكتاب الأول، عن النادي الأدبي بالرياض، عام 2015م.
تبدأ القصيدة في مطلعها، وفي البيت الأول تحديدا بذكر دمشق، ولكنها تمر بدمشق المدينة مرورا عابرا سريعا، لتطيل الوقوف مع نهر بردى الخالد في دمشق، لتبحر مع هديره إلى أعماق القصيدة التي تنفتح على آفاق التاريخ والإنسان والزمان والمكان وما آلت إليه دمشق من خراب ودمار في ظل ما يجري على أرضها من قتال وسفك للدماء.
والقصيدة في أجوائها تنتصر للحب وتنحاز لقيم الجمال الخالدة التي يجسدها النهر في جريانه الأزلي حاملًا الخصب والحياة والنماء. إننا نرى الشاعرة تطل في صمت مهيب على النهر مأخوذة بفتنته وقدرته على ردم جراحه التي يحدثها الإنسان بوحشيته وقسوته.
مِنهُ دِمَشْقُ ومِنِّي زَهْـــــرةٌ سَقَطَتْ
فليسَ بعدَ دِمَـــشْقٍ ما أُقَدِّمُهُ
أصْبَحْتُ عاشِقـةً في النَّهرِ صامِتَةً
والصّمْتُ من بَرَدَى لا ينْتـَهي فَمُـهُ
الدكتور سعد البازعي في مقالة له بعنوان: (قصائد هيفاء الجبري... أفواه لا تنتهي: تقصي منابع الشعرية في صور للخفوت والخفر الأنثوي) يبدأ في قراءة تجربة هيفاء الجبري من قصيدة «دمشق» وينطلق من قولها: «والصمت من بردى لا ينتهي فمه». يقول البازعي: رأيت في تلك العبارة معبرًا إلى اللحظة التي يعلو بها الكلام ليصير شعرًا، اللحظة التي طالما فتنت بها وحاولت التفرس في ملامحها. وأود أن أتكئ في مقاربتي للحظة العبور تلك على ما سبق أن اقترحته قبل سنوات، في بدايات انشغالي بدراسة الأدب. أقصد التفكير بالبدائل، أن نسأل: ماذا كان يمكن للشاعر أو الكاتب أن يقول بدلًا مما قال؟ علنا نتبين من الاستبدال خروجًا إلى الشعرية أو الأدبية. ماذا لو قالت هيفاء الجبري: والصمت من بردى لا ينتهي مداه، أو لا ينتهي رنينه، أو لا ينتهي، ثم انتهت؟ لو فعلت ذلك لتركت لنا عبارة، أو مجازًا، لكن العبارة أو المجاز سيكونان مما اعتدنا، مما هو مكرر ومستهلك، مجاز لا نتجاوزه إلى دهشة، إلى شعر.
ويضيف الدكتور سعيد البازعي: تقترب بنا القصيدة من جوهر الشعر حين ترفض الشاعرة ذلك المجاز التقليدي، المجاز المتوقع، المألوف الذي يقتنع به كثير من ناظمي الكلام لا مبدعي الشعر. إنه اختيارها الفم لصمت بردى، ثم قولها إنه فم لا ينتهي. الشاعر الإنجليزي و. هـ. أودن، رأى الشعر من زاوية مشابهة حين قال إنه، أي الشعر «يبقى طريقة في الحدوث، فمًا». والفم هنا هو الاحتمال، مصدر لما يمكن أن يحدث، لما ينتظر حدوثه، لون من الصمت الناطق أو الصمت الذي يوشك على النطق لننشغل نحن باحتمالات القول.
الشاعر هيفاء الجبري من جهتها تقدم لنا مفتاحًا آخر لفهم القصيدة حين تحدثت عنها في حوار صحفي قائلة: كتبت قصيدة دمشق في عام 2011، بإلهام من برنامج شاهدته يتحدث عن دمشق تاريخًا وحضارة حديثًا امتزج بالوجدان ولامس الروح فتدفقت القصيدة دون سابق إنذار، ودمشق حاضرة في قديم الشعر وحديثه فمنذ العصر العباسي إلى الآن يتغنى الشعراء بدمشق جمالًا وحضارة، وهذا إنما يدل على العمق التاريخي والوجداني لهذه المدينة الخالدة.
إذن ثمة لحظة هائلة أحدثت هذا الانفجار والتشظي الذي أشعل الشرارة الأولى لدى الشاعرة، فبدأت تبحث في مخيلتها عن دمشق المدينة الجميلة، لتتوقف عند النهر العتيق، تحاوره في سجال بليغ أشبه بحديث العشق بين المحب والمحبوب.
تتراءى لنا دمشق في القصيدة قُبلة محاصرة ضاقت عليها الشوارع والجهات، ولكن الشاعرة تدعوها إلى النهر، وكأن النهر هو الملاذ السحري القادر على غسل المدينة بأكملها من آلامها وأحزانها، لكي تنزل في مياهه وتغتسل فيها مثل الحوريات والآلهة الأسطورية، ليعصمها بأزهاره وظلاله وأشجاره من شرور الإنسان وهمجيته:
يا قُبْلَةً ضُيِّقَتْ عنها شَوارِعُها
النَّهرُ دُونكِ والأزهارُ تَعْصِمُهُ
حلِّي بهِ كيفما شاءَ الهوى فهُنا
كانَ الهوى مَلِكًا والماءُ يُلهِمُهُ
هيفاء الجبري الشاعرة الآتية من نجد في عمق جزيرة العرب تستحضر شخصية ميسون الكلبية زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، التي تنسب إليها القصيدة التي تقول:
وأصوات الريـاح بكـل فـج
أحبُ إليّ من نقـر الدفـوف
وكلب ينبـح الطـراق دونـي
أحبُ إليّ من قـط أليـف
وترسل هيفاء الجبري نداءها من صحراء العرب، عبر الأزمنة والأحقاب، إلى ميسون الكليبية في دمشق، لتؤكد من خلال القصيدة هذا التواصل الروحي المتين بين امرأتين عربيتين شاعرتين، تجمع بينهما دمشق، بياسمينها ونهرها وتاريخها العظيم، رغم انتمائها للصحراء وحياة البداوة، مؤكدة على استمرار مواسم الحب، أسوة باستمرار الأنهار في جريانها وتدفقها اللانهائي:
ميْسونُ مرَّ زمانٌ والمنى شَجَنٌ
والحُبُّ ليسَ يفوتُ الآنَ موسِمُهُ
ها نحنُ غَادَرنا عِشْقٌ وجَاوَرَنا
عِشْقٌ فأيٌّ من العِشقَينِ نكتُمُهُ !
ما انفَكَّ حتى أتانا شاهِدًا بَرَدَى
عِشْقًا رآهُ وعينُ الوردِ تنظِمُهُ
القصيدة في خاتمتها تُغلقُ بالحب عودا على بدء، عبر مناجاة الشاعرة لدمشق التي تهدي الحب، بأن تهب المزيد من هذا الحب حتى تتجلى آياته ويبلغ تمامه بأمر رب الحب واهبه الأعلى، وما دام الأمر كذلك فإن القصيدة تترك أفق الحب مفتوحا على نهايات الأبد خالدا سرمديا بخلود دمشق ونهرها الساحر:
دِمَشْقُ أُهْدِيتُ حُبًّا منكِ مُمْتَلِئًا
وليسَ يكْفي من المحْبوبِ مُعْظَمُهُ
إنّي هنا فأتِمِّي الحُبَّ .. آيَتُهُ
منكِ التَّمامُ ورَبُّ الحُبِّ يَختمُهُ!
الجدير بالذكر أن القصيدة لحنها الموسيقار المصري الدكتور محمود الجبالي وغنتها المطربة المصرية سهيلة بهجت.
بويب يا بويبْ
فيدْلَهِمُّ في دمي حنين
إليك يا بويبْ
يا نهريَ الحزين كالمطرْ
أودُّ لو عدتُّ في الظلامْ
أشدُّ قبضتَيَّ تحملان شوقَ عامْ
في كل إصبعٍ كأني أحمل النّذورْ
إليك من قمحٍ ومن زهورْ
بدر شاكر السياب
***
منذ أزمنة سحيقة ارتبط الإنسان وجوديًا ومصيريًا بالأنهار، فأنشأ على ضفافها مستوطناته الأولى، وأقام عليها حضاراته، ونسج حولها الأساطير والقصص والأشعار، فكانت مكوّنا رئيسا من ثقافات الشعوب ودياناتها وآدابها الخالدة. وهناك الكثير من المعتقدات القديمة حول بعض الأنهار بأنها تنبع من الجنة، وكانت تُزَف إليها النذور وتُقَدَّم القرابينُ، وتقام حولها الطقوس والعبادات.
في حضارات بلاد وادي الرافدين المتعاقبة، شكل دجلة والفرات موردا خصبا، ليس في مياههما فقط، وإنما في ما كان لهما من أثر كبير في الأساطير والأديان والمعتقدات. وقد تغنى شعراء العرب بدجلة والفرات في قصائدهم على مر العصور والأحقاب، مثل المتنبي وأبي العلاء المعري والجواهري والرصافي والسياب وغيرهم.
كما احتفت الحضارة المصرية بنهر النيل وخلّدته في أدبياتها وصلواتها، وللشاعر أحمد شوقي قصائد معروفة في النيل. أما في بلاد الهند فهناك أيضا نهر الغانج المقدس الذي يحج له سنويا ملايين الهندوس «للتطهر» وأداء الصلوات والطقوس التعبدية.
وهناك أنهار كبرى أصبحت معالم عالمية بارزة تجذب السياح على دار العام مثل نهر السين في باريس ونهر الدانوب الذي يمر عبر عشر مدن أوروبية، ونهر التيبر الأسطوري الذي يشق مدنية روما العتيقة إلى نصفين، وغيرها من الأنهار العظمى في العالم، جميعها باتت تشكل بعدا جماليا وحضاريًا وأدبيًا خالدًا لدى الإنسان.
***
لعل هذه المقدمة المقتضبة حول الأنهار وحضورها العميق في الأديان والثقافات والحضارات والآداب، يقدم لنا عتبة أولى أو مسوغًا جماليًا للولوج إلى قصيدة (دمشق) للشاعرة السعودية هيفاء عبدالرحمن الجبري، التي فازت بجائزة القصيدة المغناة في جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي، لعام 2020م. القصيدة نشرت ضمن ديوان (تداعى له سائر القلب)، الذي صدر ضمن سلسة الكتاب الأول، عن النادي الأدبي بالرياض، عام 2015م.
تبدأ القصيدة في مطلعها، وفي البيت الأول تحديدا بذكر دمشق، ولكنها تمر بدمشق المدينة مرورا عابرا سريعا، لتطيل الوقوف مع نهر بردى الخالد في دمشق، لتبحر مع هديره إلى أعماق القصيدة التي تنفتح على آفاق التاريخ والإنسان والزمان والمكان وما آلت إليه دمشق من خراب ودمار في ظل ما يجري على أرضها من قتال وسفك للدماء.
والقصيدة في أجوائها تنتصر للحب وتنحاز لقيم الجمال الخالدة التي يجسدها النهر في جريانه الأزلي حاملًا الخصب والحياة والنماء. إننا نرى الشاعرة تطل في صمت مهيب على النهر مأخوذة بفتنته وقدرته على ردم جراحه التي يحدثها الإنسان بوحشيته وقسوته.
مِنهُ دِمَشْقُ ومِنِّي زَهْـــــرةٌ سَقَطَتْ
فليسَ بعدَ دِمَـــشْقٍ ما أُقَدِّمُهُ
أصْبَحْتُ عاشِقـةً في النَّهرِ صامِتَةً
والصّمْتُ من بَرَدَى لا ينْتـَهي فَمُـهُ
الدكتور سعد البازعي في مقالة له بعنوان: (قصائد هيفاء الجبري... أفواه لا تنتهي: تقصي منابع الشعرية في صور للخفوت والخفر الأنثوي) يبدأ في قراءة تجربة هيفاء الجبري من قصيدة «دمشق» وينطلق من قولها: «والصمت من بردى لا ينتهي فمه». يقول البازعي: رأيت في تلك العبارة معبرًا إلى اللحظة التي يعلو بها الكلام ليصير شعرًا، اللحظة التي طالما فتنت بها وحاولت التفرس في ملامحها. وأود أن أتكئ في مقاربتي للحظة العبور تلك على ما سبق أن اقترحته قبل سنوات، في بدايات انشغالي بدراسة الأدب. أقصد التفكير بالبدائل، أن نسأل: ماذا كان يمكن للشاعر أو الكاتب أن يقول بدلًا مما قال؟ علنا نتبين من الاستبدال خروجًا إلى الشعرية أو الأدبية. ماذا لو قالت هيفاء الجبري: والصمت من بردى لا ينتهي مداه، أو لا ينتهي رنينه، أو لا ينتهي، ثم انتهت؟ لو فعلت ذلك لتركت لنا عبارة، أو مجازًا، لكن العبارة أو المجاز سيكونان مما اعتدنا، مما هو مكرر ومستهلك، مجاز لا نتجاوزه إلى دهشة، إلى شعر.
ويضيف الدكتور سعيد البازعي: تقترب بنا القصيدة من جوهر الشعر حين ترفض الشاعرة ذلك المجاز التقليدي، المجاز المتوقع، المألوف الذي يقتنع به كثير من ناظمي الكلام لا مبدعي الشعر. إنه اختيارها الفم لصمت بردى، ثم قولها إنه فم لا ينتهي. الشاعر الإنجليزي و. هـ. أودن، رأى الشعر من زاوية مشابهة حين قال إنه، أي الشعر «يبقى طريقة في الحدوث، فمًا». والفم هنا هو الاحتمال، مصدر لما يمكن أن يحدث، لما ينتظر حدوثه، لون من الصمت الناطق أو الصمت الذي يوشك على النطق لننشغل نحن باحتمالات القول.
الشاعر هيفاء الجبري من جهتها تقدم لنا مفتاحًا آخر لفهم القصيدة حين تحدثت عنها في حوار صحفي قائلة: كتبت قصيدة دمشق في عام 2011، بإلهام من برنامج شاهدته يتحدث عن دمشق تاريخًا وحضارة حديثًا امتزج بالوجدان ولامس الروح فتدفقت القصيدة دون سابق إنذار، ودمشق حاضرة في قديم الشعر وحديثه فمنذ العصر العباسي إلى الآن يتغنى الشعراء بدمشق جمالًا وحضارة، وهذا إنما يدل على العمق التاريخي والوجداني لهذه المدينة الخالدة.
إذن ثمة لحظة هائلة أحدثت هذا الانفجار والتشظي الذي أشعل الشرارة الأولى لدى الشاعرة، فبدأت تبحث في مخيلتها عن دمشق المدينة الجميلة، لتتوقف عند النهر العتيق، تحاوره في سجال بليغ أشبه بحديث العشق بين المحب والمحبوب.
تتراءى لنا دمشق في القصيدة قُبلة محاصرة ضاقت عليها الشوارع والجهات، ولكن الشاعرة تدعوها إلى النهر، وكأن النهر هو الملاذ السحري القادر على غسل المدينة بأكملها من آلامها وأحزانها، لكي تنزل في مياهه وتغتسل فيها مثل الحوريات والآلهة الأسطورية، ليعصمها بأزهاره وظلاله وأشجاره من شرور الإنسان وهمجيته:
يا قُبْلَةً ضُيِّقَتْ عنها شَوارِعُها
النَّهرُ دُونكِ والأزهارُ تَعْصِمُهُ
حلِّي بهِ كيفما شاءَ الهوى فهُنا
كانَ الهوى مَلِكًا والماءُ يُلهِمُهُ
هيفاء الجبري الشاعرة الآتية من نجد في عمق جزيرة العرب تستحضر شخصية ميسون الكلبية زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، التي تنسب إليها القصيدة التي تقول:
وأصوات الريـاح بكـل فـج
أحبُ إليّ من نقـر الدفـوف
وكلب ينبـح الطـراق دونـي
أحبُ إليّ من قـط أليـف
وترسل هيفاء الجبري نداءها من صحراء العرب، عبر الأزمنة والأحقاب، إلى ميسون الكليبية في دمشق، لتؤكد من خلال القصيدة هذا التواصل الروحي المتين بين امرأتين عربيتين شاعرتين، تجمع بينهما دمشق، بياسمينها ونهرها وتاريخها العظيم، رغم انتمائها للصحراء وحياة البداوة، مؤكدة على استمرار مواسم الحب، أسوة باستمرار الأنهار في جريانها وتدفقها اللانهائي:
ميْسونُ مرَّ زمانٌ والمنى شَجَنٌ
والحُبُّ ليسَ يفوتُ الآنَ موسِمُهُ
ها نحنُ غَادَرنا عِشْقٌ وجَاوَرَنا
عِشْقٌ فأيٌّ من العِشقَينِ نكتُمُهُ !
ما انفَكَّ حتى أتانا شاهِدًا بَرَدَى
عِشْقًا رآهُ وعينُ الوردِ تنظِمُهُ
القصيدة في خاتمتها تُغلقُ بالحب عودا على بدء، عبر مناجاة الشاعرة لدمشق التي تهدي الحب، بأن تهب المزيد من هذا الحب حتى تتجلى آياته ويبلغ تمامه بأمر رب الحب واهبه الأعلى، وما دام الأمر كذلك فإن القصيدة تترك أفق الحب مفتوحا على نهايات الأبد خالدا سرمديا بخلود دمشق ونهرها الساحر:
دِمَشْقُ أُهْدِيتُ حُبًّا منكِ مُمْتَلِئًا
وليسَ يكْفي من المحْبوبِ مُعْظَمُهُ
إنّي هنا فأتِمِّي الحُبَّ .. آيَتُهُ
منكِ التَّمامُ ورَبُّ الحُبِّ يَختمُهُ!
الجدير بالذكر أن القصيدة لحنها الموسيقار المصري الدكتور محمود الجبالي وغنتها المطربة المصرية سهيلة بهجت.