عادل محمود -

- 1 -

في إحدى الجزر... عندما يريدون قطع شجرة، لأي غرض كان، لا يستعملون الفؤوس، وإنما يأتي عدد من السكان، ويتحلقون حول الشجرة، وهم يلوّحون بقبضاتهم، ويلعنونها، ويستخدمون أقذع الشتائم بلغة الكراهية، في حفلة ازدراء جماعي.

بعد بضعة أيام يأتون ليروا الشجرة، وقد ذبلت أغصانها، وتساقطت أوراقها، وتيبس جذعها. ومن تلقاء نفسها تذهب إلى الموت.

- 2 -

استلم عني، يا صديقي، إدارة أهوال هذا العالم. أنا ذاهب لإدارة المياه على الشجرة التي كسرتها أمس الكراهية في إدارة هذا العالم.

- 3 -

وحدي... أجلس في هذا اليوم المشمس، على مقعدنا في «حديقة الجاحظ»، فإذا أتى من يريد الجلوس إلى جواري...قلت له، بنبرة شكسبيرية: سيدي... جولييت قادمة بعد قليل.

هكذا فكرت

ولكن الحديقة، بسبب حظر التجول، كانت مقفلة.

- 4 -

نفضت الغبار عن نسختي العتيقة منذ «مائة عام من العزلة» للكاتب الكولومبي ماركيز. وعلى الغلاف...لمست خدّ صالح علماني (مترجمها) الذي غادرنا وأحزننا.

- 5 -

سأسأل المارة، غداً، وأنا في هيئة متسول مقنع: من منكم يدلني على ورقة اليانصيب التي تربح «يوم أربعاء الرماد»... ملايين الجهات، لكي أعرف اتجاه مسقط رأسي في متاهة طائشة من الخيارات.

- 6 -

قال غزال الوقت، لكلب الزمن:

أنت لن تلحقني.

فأنا أعدو لنفسي (لكي أنجو)

وأنت تعدو لصاحبك (الموت).

- 7 -

منذ متى لم تتفقد غبار كتبك في الرفوف؟

أهذه محاولة للنسيان؟

اليوم نفضت، ما استطعت، غبار كتب منسية...

فامتلأت رئتاي بالماضي الكريم،

واشتقت إلى جهلي.

- 8 -

من هذه النافذة، في هذا الصباح الماطر... أرى ذلك الولد الذي كنتُهُ، وأنا ذاهب إلى مدرسة تلك الأيام، متأبطاً حطب يومه لمدفأة تلك الأيام. نجلس حول النار: الأستاذ المبلل، والأولاد المبلولون، ونقرأ، في كتاب الاستظهار، الأنشودة الأولى في حياتنا:

«بلبل بلابل على غصن شجر.

- 9 -

اليوم الأول من عيد رمضان... تجاوز الجائعون حائط المليار جائع في هذا العالم الذي ننام فيه على خبر غير سار، أو كارثة غير محتملة. متوسط موت الإنسان جوعاً هو «إنسان» في كل ثانية.

اليوم عيد... ودائماً في الأغنية «عالدنيا سعيد». ثم يفتح التلفزيون باب مطبخه على الهواء، وترينا نساء بدينات برنامج اليوم الغذائي المدلل لمناسبة العيد.

قد لا يكون لدى القارئ فكرة عن تكلفة أفقر أنواع الطبخ في سورية هذه الأيام؟ إن وجبة طبخ واحدة تكلف نصف راتب موظف محترم درجة أولى. فإذا ذكرت الحلويات الشامية... التهمت بقية الراتب.

هكذا تصبح الأعياد ليست للأولاد، بل «للأحفاد». يصبح رمضان الشهر الجميل الفضيل الكريم مناسبة مؤلمة لمقارنات الشكر بين شبعان وجوعان.