من منا لا يرغب في عيش هانئ مستقر، رجلا كان أو امرأة؟ ينجب الأطفال ويكبرون أمام أعيننا نوفر لهم سبل العيش الكريم قدر استطاعتنا؟. الحديث عن تأخر سن الزواج، وارتفاع معدلات العنوسة، والطلاق بالطريقة التقليدية التي تقف عند الوعظ والإرشاد ورفع التوصيات لا تحل هذه الظاهرة العالمية التي لسنا في منأى عنها حسب ما تشير له الإحصائيات الرسمية.
انخفض معدل الزواج في السلطنة بنسبة 29% حيث بلغت عدد وثائق الزواج أكثر من 25 ألف وثيقة في 2015، وانخفضت إلى حوالي 18 ألف وثيقة في 2019 . وتراوحت معدلات الطلاق بمستويات مقاربة إلى أربعة آلاف (4000) حالة سنويا للفترة نفسها ( 2015-2019)، أي أن نسب الطلاق بقيت في نفس المستويات -تقريبا- بينما تناقصت عدد حالات الزواج.
كنت قد أجريت بحثا ميدانيا لمحاولة تشخيص الوضع وصولا إلى وضع الحلول، وقد أجمع جميع من قابلتهم على تفاقم مشاكل الطلاق، وارتفاع معدلات العنوسة. والحقيقة أن العبء لا يقع وحده على وزارة التنمية الاجتماعية، إذ إن مديرية الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ولجان التوفيق والمصالحة بوزارة العدل والشؤون القانونية، ومكتب مساعد المفتي العام جميعها جهات تدخل في هذا الملف الذي يشكل تنظيمه استقرارا للمجتمع.
التجربة الماليزية شهيرة في هذا المجال إذ حين ارتفعت معدلات الطلاق لديهم لتصل إلى أكثر من 30%، وضعوا حلولا متكاملة. الإرشاد الأسري والمناصحة في المحاكم حلول تأتي في الغالب بعد فوات الأوان. كما أن التأهيل ما قبل الزواج وحده ليس كافيا ما لم يكن إلزاميا. كثير من المشاكل الأسرية مالية الأسباب، لذا وضع البرنامج الماليزي القدرة على الإدارة المالية الأسرية كأحد البرامج المؤهلة للزواج.
الخلاصة أن ماليزيا تمكنت من خفض نسبة الطلاق –الذي كان يتم لأسباب يمكن التغلب عليها – من 30% إلى 5%. جدير بالذكر أن ماليزيا لديها مؤسسة وطنية للسكان والتنمية الأسرية تضع السياسات الأسرية وبها مراكز متكاملة للتأهيل والتوعية، ولا يسمح بالزواج إلا بعد المرور بهذه الدورات التوعوية، ومن ثم الحصول على رخصة الزواج.
هناك اعتقاد سائد في المجتمع بضرورة إنشاء صندوق للزواج للتسهيل على الشباب، والحقيقة أننا جميعا مذنبون في تصعيب الزواج على الشباب. نحن نحاول أن نحل معضلة اجتماعية بالماديات، لم نحاول حل مشكلة غلاء المهور، وإنما نوفر المادة للاستمرار في المباهاة بأرقام المهور. وليس هذا المقال تشخيصا لحجم المشكلة الواضحة -إذ إن دراسة واقع الطلاق الميدانية متوفرة في موقع وزارة التنمية الاجتماعية الإلكتروني-، إلا أنه مقترح لتنظيم الجهود الحكومية المبذولة في ظل الهيكل الإداري الجديد للدولة الذي ينطلق من فكرة تكامل العمل الحكومي.
موضوع الزواج لا يقتصر فقط على مشاكل الشباب فهناك التعدد، ومشاكل العنف وتدخّل الأهل كما تشير لها دراسة مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس، لذا فالموضوع اجتماعي تشريعي قانوني ثقافي اقتصادي مالي. كما أن استسهال الطلاق بطريقته الحالية، وتعدد الزوجات دون ضوابط كالمقدرة المالية للرجل على سبيل المثال وليس الحصر، ستؤدي إلى انخفاض في حالات الاستقرار الأسري، إذ إن 47% من المطلقات يتلقين راتب الضمان الاجتماعي.
أرقام مؤلمة، من حق الفتيات والشبان في عمر الزهور الارتباط، وتأسيس أسر وتلبية الاحتياج العاطفي. مشاكل الطلاق عواقبها كبيرة، إذ من هي المجتمعات التي ترغب في تحمل جنوح الأحداث التي غالبا لا تنشأ في الأسر المستقرة. كما أن الآثار النفسية على الرجل والمرأة تؤثر على جوانب الحياة، ناهيك عن حبنا تصنيف الناس حسب حالتهم الاجتماعية لتبقى كلمة مطلقة وصمة.
ومن سخرية القدر أن يعترض استقرار أبناء بلدان الخليج الثرية المصدرة للنفط المتطلبات المادية، فما عسى أن يقول شباب باقي دول الشرق الأوسط، فكيف يكون المال عائقا لمالكيه؟. إذ يشير تقرير حالة الزواج في العالم العربي الصادر في 2019 عن معهد الدوحة الدولي للأسرة أن عدد الفتيات التي تعدين سن الثلاثين في المملكة العربية السعودية ولم يتزوجن بلغ 4 ملايين في عام 2015. تختلف مشاكل المجتمع من مجتمع إلى آخر بالرغم من التشابه الكبير بين دول الخليج. كما يختلف تعريف العنوسة من مجتمع إلى آخر حسب ظروفه، فمع التغيرات الحاصلة والذي لم يعد سن الثلاثين عاما متأخرا للشباب، عليه يصعب تحديد نسبة العنوسة ما لم يكن لها تعريف رسمي دقيق. وما يهمنا في هذا السياق وبعد الاستعانة بمصادر البيانات التي توفرها صفحة التعداد فهناك ما يقارب 98 ألف عماني وعمانية لم يسبق لهم الزواج بين الفئة العمرية من 30 إلى 49 سنة، وذلك من إجمالي عددهم لنفس الفئة البالغ حوالي 700 ألف.
أختتم هذا الطرح بجملة مهمة وردت في دراسة مركز الدراسات العمانية «الزواج والطلاق عمليتان اجتماعيتان ترتبطان ارتباطا وثيقا بنسق القيم والمعايير السائدة في كل مجتمع»، وعليه فهي عملية متشابكة لا تنفع معها الحلول الجزئية أو التنسيقية. ومن هذا المنطلق، هناك حاجة إلى مشروع وطني متكامل للاستقرار الأسري، شاملا البحوث والدراسات، ومراكز التأهيل ما قبل الزواج، مربوطا بالجهات الأخرى لاستصدار رخصة الزواج. أسئلة كثيرة تطرح نفسها، فكيف سيتم الحد من التسبب بمزيد من الأذى بإنجاب أطفال بأمراض الدم الوراثية-و الأهل يصرون على عدم الفحص، وأحيانا عدم التقيد بنتائج فحوصات ما قبل الزواج-؟،و كيف يستطيع برنامج الإرشاد الزواجي في وزارة التنمية الاجتماعية أن يحل كل هذه الأمور المتشابكة؟. المشاريع الوطنية بهذا المستوى لا تحلها اللجان التنسيقية بين الجهات المختصة، إنما توجهات عليا لملفات ذات عمق استراتيجي، فمن هي الجهة العليا التي ستتبناه؟.
حياة الناس ليست بالأرقام والمعدلات والنسب والمقارنات، النظرة الإنسانية قبل كل شيء، إلا أننا يبدو نحب لغة الأرقام. من يجلس في المحاكم يحس بالألم، ومن دخل في تجربة زواج قاسية لا يعرف على من يلقي اللوم أهي للعادات والتقاليد وقيم المجتمع، أم أنه لم يجد الإرشاد الكافي ليتجنب كثيرا من المعاناة؟. الزواج لا يحوكم، الأنظمة الإدارية هي من تحوكم، والعمق الإنساني لا يُعلم، إنما إحساس عال بالمسؤولية، وبعد نظر لإعداد مجتمع متماسك قادر على البناء لا تنهكه التعقيدات.
انخفض معدل الزواج في السلطنة بنسبة 29% حيث بلغت عدد وثائق الزواج أكثر من 25 ألف وثيقة في 2015، وانخفضت إلى حوالي 18 ألف وثيقة في 2019 . وتراوحت معدلات الطلاق بمستويات مقاربة إلى أربعة آلاف (4000) حالة سنويا للفترة نفسها ( 2015-2019)، أي أن نسب الطلاق بقيت في نفس المستويات -تقريبا- بينما تناقصت عدد حالات الزواج.
كنت قد أجريت بحثا ميدانيا لمحاولة تشخيص الوضع وصولا إلى وضع الحلول، وقد أجمع جميع من قابلتهم على تفاقم مشاكل الطلاق، وارتفاع معدلات العنوسة. والحقيقة أن العبء لا يقع وحده على وزارة التنمية الاجتماعية، إذ إن مديرية الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ولجان التوفيق والمصالحة بوزارة العدل والشؤون القانونية، ومكتب مساعد المفتي العام جميعها جهات تدخل في هذا الملف الذي يشكل تنظيمه استقرارا للمجتمع.
التجربة الماليزية شهيرة في هذا المجال إذ حين ارتفعت معدلات الطلاق لديهم لتصل إلى أكثر من 30%، وضعوا حلولا متكاملة. الإرشاد الأسري والمناصحة في المحاكم حلول تأتي في الغالب بعد فوات الأوان. كما أن التأهيل ما قبل الزواج وحده ليس كافيا ما لم يكن إلزاميا. كثير من المشاكل الأسرية مالية الأسباب، لذا وضع البرنامج الماليزي القدرة على الإدارة المالية الأسرية كأحد البرامج المؤهلة للزواج.
الخلاصة أن ماليزيا تمكنت من خفض نسبة الطلاق –الذي كان يتم لأسباب يمكن التغلب عليها – من 30% إلى 5%. جدير بالذكر أن ماليزيا لديها مؤسسة وطنية للسكان والتنمية الأسرية تضع السياسات الأسرية وبها مراكز متكاملة للتأهيل والتوعية، ولا يسمح بالزواج إلا بعد المرور بهذه الدورات التوعوية، ومن ثم الحصول على رخصة الزواج.
هناك اعتقاد سائد في المجتمع بضرورة إنشاء صندوق للزواج للتسهيل على الشباب، والحقيقة أننا جميعا مذنبون في تصعيب الزواج على الشباب. نحن نحاول أن نحل معضلة اجتماعية بالماديات، لم نحاول حل مشكلة غلاء المهور، وإنما نوفر المادة للاستمرار في المباهاة بأرقام المهور. وليس هذا المقال تشخيصا لحجم المشكلة الواضحة -إذ إن دراسة واقع الطلاق الميدانية متوفرة في موقع وزارة التنمية الاجتماعية الإلكتروني-، إلا أنه مقترح لتنظيم الجهود الحكومية المبذولة في ظل الهيكل الإداري الجديد للدولة الذي ينطلق من فكرة تكامل العمل الحكومي.
موضوع الزواج لا يقتصر فقط على مشاكل الشباب فهناك التعدد، ومشاكل العنف وتدخّل الأهل كما تشير لها دراسة مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس، لذا فالموضوع اجتماعي تشريعي قانوني ثقافي اقتصادي مالي. كما أن استسهال الطلاق بطريقته الحالية، وتعدد الزوجات دون ضوابط كالمقدرة المالية للرجل على سبيل المثال وليس الحصر، ستؤدي إلى انخفاض في حالات الاستقرار الأسري، إذ إن 47% من المطلقات يتلقين راتب الضمان الاجتماعي.
أرقام مؤلمة، من حق الفتيات والشبان في عمر الزهور الارتباط، وتأسيس أسر وتلبية الاحتياج العاطفي. مشاكل الطلاق عواقبها كبيرة، إذ من هي المجتمعات التي ترغب في تحمل جنوح الأحداث التي غالبا لا تنشأ في الأسر المستقرة. كما أن الآثار النفسية على الرجل والمرأة تؤثر على جوانب الحياة، ناهيك عن حبنا تصنيف الناس حسب حالتهم الاجتماعية لتبقى كلمة مطلقة وصمة.
ومن سخرية القدر أن يعترض استقرار أبناء بلدان الخليج الثرية المصدرة للنفط المتطلبات المادية، فما عسى أن يقول شباب باقي دول الشرق الأوسط، فكيف يكون المال عائقا لمالكيه؟. إذ يشير تقرير حالة الزواج في العالم العربي الصادر في 2019 عن معهد الدوحة الدولي للأسرة أن عدد الفتيات التي تعدين سن الثلاثين في المملكة العربية السعودية ولم يتزوجن بلغ 4 ملايين في عام 2015. تختلف مشاكل المجتمع من مجتمع إلى آخر بالرغم من التشابه الكبير بين دول الخليج. كما يختلف تعريف العنوسة من مجتمع إلى آخر حسب ظروفه، فمع التغيرات الحاصلة والذي لم يعد سن الثلاثين عاما متأخرا للشباب، عليه يصعب تحديد نسبة العنوسة ما لم يكن لها تعريف رسمي دقيق. وما يهمنا في هذا السياق وبعد الاستعانة بمصادر البيانات التي توفرها صفحة التعداد فهناك ما يقارب 98 ألف عماني وعمانية لم يسبق لهم الزواج بين الفئة العمرية من 30 إلى 49 سنة، وذلك من إجمالي عددهم لنفس الفئة البالغ حوالي 700 ألف.
أختتم هذا الطرح بجملة مهمة وردت في دراسة مركز الدراسات العمانية «الزواج والطلاق عمليتان اجتماعيتان ترتبطان ارتباطا وثيقا بنسق القيم والمعايير السائدة في كل مجتمع»، وعليه فهي عملية متشابكة لا تنفع معها الحلول الجزئية أو التنسيقية. ومن هذا المنطلق، هناك حاجة إلى مشروع وطني متكامل للاستقرار الأسري، شاملا البحوث والدراسات، ومراكز التأهيل ما قبل الزواج، مربوطا بالجهات الأخرى لاستصدار رخصة الزواج. أسئلة كثيرة تطرح نفسها، فكيف سيتم الحد من التسبب بمزيد من الأذى بإنجاب أطفال بأمراض الدم الوراثية-و الأهل يصرون على عدم الفحص، وأحيانا عدم التقيد بنتائج فحوصات ما قبل الزواج-؟،و كيف يستطيع برنامج الإرشاد الزواجي في وزارة التنمية الاجتماعية أن يحل كل هذه الأمور المتشابكة؟. المشاريع الوطنية بهذا المستوى لا تحلها اللجان التنسيقية بين الجهات المختصة، إنما توجهات عليا لملفات ذات عمق استراتيجي، فمن هي الجهة العليا التي ستتبناه؟.
حياة الناس ليست بالأرقام والمعدلات والنسب والمقارنات، النظرة الإنسانية قبل كل شيء، إلا أننا يبدو نحب لغة الأرقام. من يجلس في المحاكم يحس بالألم، ومن دخل في تجربة زواج قاسية لا يعرف على من يلقي اللوم أهي للعادات والتقاليد وقيم المجتمع، أم أنه لم يجد الإرشاد الكافي ليتجنب كثيرا من المعاناة؟. الزواج لا يحوكم، الأنظمة الإدارية هي من تحوكم، والعمق الإنساني لا يُعلم، إنما إحساس عال بالمسؤولية، وبعد نظر لإعداد مجتمع متماسك قادر على البناء لا تنهكه التعقيدات.