صحافة

الحياة الجديدة:الوجه الحقيقي لصفقة القرن

في زاوية مقالات وآراء كتب أحمد قبها، مقالاً بعنوان: الوجه الحقيقي لصفقة القرن.. جاء فيه: العديد من الدلائل تُشير إلى إفلاس في الاستراتيجية الغربية تجاه منطقتنا؛ فهي ما فتئت منذ ثلاثة عقود، تعيد إنتاج مشاريعها القديمة بصيغ وأغلفة جديدة. فقد طرحت في بادئ الأمر ما يُعرف بالمشروع الأمريكي للإصلاح والديمقراطية، الذي كان موجّها للأنظمة العربيَّة. وبلغ هلع العديد من هذه الدول من المشروع الأمريكي حدّ الدعوة إلى عقد قمَّة عربيَّة في تونس لمناقشة هذا المشروع وتداعياته على مستقبل الدول، والتأكيد على أنَّ الإصلاح يأتي من الداخل وليس بإملاءات من الخارج، إلا أنَّ هذا المؤتمر لم ينعقد، بعد أن أوعزت الإدارة الأمريكيَّة لحلفائها «داخل» جامعة الدول العربيَّة بضرورة إجهاض هذا المؤتمر. فالإدارة الأمريكيَّة لا تريد السماح ببروز مشروع عربي للإصلاح يسحب البساط من تحت المشروع الأمريكي، كما أنَّ النظام العربي لم يكن مهيّأ لطرح مشروع إصلاح. الولايات المتحدّة فشلت أيضاً في إنتاج مشروعها المسمى «الشرق الأوسط الجديد» الذي تم استلهامه من شمعون بيريز، ثم تم إنتاج نسخة محدّثة من هذا المشروع ظهرت على هيئة «الربيع العربي» وبعدما فشل هذا المشروع بعد الإخفاقات المريعة لتجربة الإخوان المسلمين في الحكم. وبعد كل هذه النسخ المكرّرة ظهرت النسخة النهائيَّة من هذا المشروع بوجهها المكشوف والمتمثّلة بصفقة القرن. وإذا ما حاولنا أنْ نستكشف العامل المشترك بين كل هذه النسخ السابقة فإننا سنرى أنَّ التفكيك هو الهدف النهائي للاستراتيجيّات الغربيَّة في منطقتنا. والتفكيك هنا يعني إعادة المجتمعات العربيَّة إلى حالة ما قبل الدولة، أي القضاء على الدول المركزيّة الرئيسيَّة في الوطن العربي وتفتيتها إلى كيانات أصغر وأضعف. وهذا يقود الى تصفية القضيّة الفلسطينيّة تصفية نهائيّة وتوزيعها على جهات عربيّة وإقليميّة متعددة، وبدا واضحاً أنَّ الإدارة الأمريكيَّة قد وضعت الدول العربيَّة أمام خياريْن أحلاهما مرُّ: إما التطبيع أو الرحيل. ترتبط التحوّلات السابقة في منطقتنا بصعود قوى سياسيَّة جديدة في العالم في حقبة العولمة. فقد ظهرت قبل انتهاء الألفيَّة الثانيَّة بعقد أو يزيد قوّة جبَّارة هي قوة الليبراليَّة الجديدة، والتي هي مزيج من الإمبرياليَّة الرأسماليَّة الغربيَّة والقوى اليهوديَّة الماليَّة والإعلاميَّة، وقد نتج عن اتحاد هاتين القوتين أعتى قوة اقتصاديَّة وعسكريَّة وماليَّة ظهرت عبر التاريخ. حيث هيمنت هذه القوة الجديدة بشكل سريع ومتصاعد على كافة مفاصل الاقتصاد والسياسة العالميَّة. وما يهمُّنا في هذه القوة الجديدة هو سياستها تجاه منطقتنا. فمن المعلوم أنّ الرأسماليَّة الغربيَّة عملت طوال العقود الماضية على الحفاظ على معظم الدول العربيَّة ومساعدتها على البقاء بكل الوسائل العسكريَّة والاستخباراتيَّة والمساعدات الماليَّة، لأنَّها تشكلت بعد الحرب العالميَّة الثانية كانت هي الضامن الوحيد للمصالح الأمريكيَّة في المنطقة. وقد استطاعت الولايات المتّحدة عبر تحالفاتها المتينة مع هذه الدول أنْ تحقّق مكاسب هائلة في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق والاتحاد الأوروبي أيضاً. فقد حققت الولايات المتحدّة أرباحا تفوق الخيال من نفط المنطقة العربيَّة بعد الفورة النفطيَّة في السبعينيَّات من القرن الماضي. فالدارس لأفكار هذه المدرسة السياسيَّة – الاقتصاديَّة يكتشف أنَّ المبدأ الأساس الذي تقوم عليه هذه المدرسة هو تحييد دور الدولة وحرية الأسواق والخصخصة والدفاع عن الملكيَّة الفرديَّة بلا حدود، وسن القوانين والضوابط من أجل تأمين هذه الحماية. وقد بدأت الليبراليَّة الجديدة عهدها بالهجوم على مفردات الرعاية الاجتماعيَّة في الغرب، وبدأت دولة الرعاية الاجتماعيَّة بالانحسار والانسحاب من الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي ومخصصات البطالة، وبدأت الرأسماليَّة في الغرب بتقليص التزاماتها الاجتماعيَّة، ما أدى إلى إضعاف الدولة في الغرب، بعد أنْ تراجع دورها الاجتماعي. كما أنَّ الدولة في الغرب بدأت تعاني من جفاف مواردها الضريبيَّة بعد أنْ بدأت الشركات المتعدِّدة الجنسيّات تهرب باتجاه دول الأطراف في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وإفريقيا، حيث الالتزامات الاجتماعيَّة والضريبيَّة والأجور في حدّها الأدنى. وعندما يتعلق الأمر بمنطقتنا فالأمر بدا أكثر عمقاً، فلم تكتف الرأسماليَّة بالإجراءات التي اتخذها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إفقار الشعوب عبر بيع القطاع العام وزيادة أسعار السلع وسحب مفردات الرعاية الاجتماعيَّة وتقليصها لمستويات خطيرة، بل إنها لجأت أخيراً لتطبيق سياسة جديدة في تفكيك هذه الدول بعد انتهاء سريان اتفاقيَّة سايكس بيكو التي حُدّدت بمائة سنة والتي عقدت في العام 1917.