حلفاء الأطلسي وخلافات متعمقة !!
الاثنين / 16 / جمادى الآخرة / 1439 هـ - 22:45 - الاثنين 5 مارس 2018 22:45
عوض بن سعيد باقوير -
صحفي ومحلل سياسي -
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء ضد دول المحور، بدأت القوتان الأهم في العالم عسكريا وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق في تشكيل الملمح الجديد للتحالفات والعلاقات الدولية الجديدة، حيث ظهر عصر الأحلاف، وهما حلف شمال الأطلسي بقيادة واشنطن ودول غرب أوروبا، ثم حلف وارسو بقيادة موسكو والذي ضم دول أوروبا الشرقية، وسعى إلى مناصرة دول في أمريكا اللاتينية ذات التوجه اليساري مثل كوبا ونيكاراجوا والسلفادور وغيرها من الدول في ذلك الإقليم وخارجه.
ومع ظهور هذه الأحلاف، وغيرها، بدأت الحرب الباردة في التشكل حيث المنافسة على مناطق النفوذ في آسيا وإفريقيا والعالم العربي، كما صاحب ذلك موجة من سباق التسلح وانفجار الصراع العربي- الإسرائيلي، والحروب في جنوب شرق آسيا كالحرب في فيتنام وكوريا والفلبين وغيرها من الحروب في إفريقيا ومن هنا كانت العلاقات الأمريكية- الأوروبية الغربية في أفضل حالاتها، ومن هنا تميزت العلاقات على ضفاف الأطلسي بتعاون وثيق على الصعيد العسكري والأمني والاقتصادي وتبني القيم المشتركة بين تلك الدول.
انتهاء التنافس وبداية الخلافات
ومع دخول عقد الثمانينات من القرن الماضي بدا وكأن الاتحاد السوفييتي السابق يترنح خلال عهد جورباتشوف، حيث تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1989، وانتهت الحرب الباردة وبزغ عصر جديد من العلاقات على ضفاف الأطلسي بعد زوال الخطر السوفييتي وبداية مرحلة جديدة حيث ظهور الجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطي ودول البلطيق وغيرها من الدول التي ظهرت في أعقاب تفكك الامبراطورية السوفييتية حيث أحدث ذلك زلزالا سياسيا واستراتيجيا كبيرا في العالم.
ومع اختفاء حلف وارسو وتوسيع نطاق الاتحاد الأوروبي، انتهت المنافسة الشرسة وسباق التسلح بين حلفي وارسو والأطلسي، وعادة إذا انتهى التنافس تظهر الخلافات حتى بين الدول الحليفة ولعل الإشارات الأولى على الخلاف العلني بين دول الحلفاء على ضفتي الأطلسي كان خلال المواقف السياسية التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث كانت هناك مواقف متباينة لبعض الدول الأوروبية من الحرب على العراق، حيث اطلق وزير الدفاع الأمريكي آنذاك رامسفيلد مقولته الشهيرة بأن أوروبا تمثل الماضي وهي القارة العجوز التي لا تريد أن تتطور، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل المستقبل بكل طموحاته وهنا برز الخلاف الفلسفي على الأقل، وبدأت إرهاصات تلك الخلافات تتطور بعد الإعلان عن تقوية الاتحاد الأوروبي والذي كان دوما غير مريح لواشنطن حيث شكل ذلك الاتحاد قوة سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة في العالم.
ومع انضمام دول أوروبا الشرقية للاتحاد وانتهاء حلف وارسو والاندماج الاقتصادي بين شرق وغرب القارة الأوروبية بدا وكأن أوروبا تبحث عن هوية خاصة بها، بعيدا عن الامبراطورية الأمريكية، ومن هنا بدأت الخلافات الاقتصادية خاصة في مجال التجارة والرسوم الجمركية علاوة على بعض المواقف السياسية من النزاعات المسلحة، ورغم بقاء أوروبا داخل حلف شمال الأطلسي، إلا أن الأوروبيين يشعرون بأهمية وحدتهم وكيانهم التاريخي المستقل بقيادة ألمانيا ذات الثقل الاقتصادي الأهم.
الإدارة الجديدة وتصاعد الخلافات
ورغم وجود الخلافات المتأرجحة هنا وهناك، إلا أن تلك الخلافات عادة ما يتم محاصرتها خاصة بعد أن تعافى الدب الروسي في عصر الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وشعور روسيا بأنها لابد أن تكون قوة عالمية من جديد، وقد بدأت ملامح ذلك في الظهور بعد أن كشف الرئيس بوتين مؤخرا عن تطورات كبيرة في المنظومة الصاروخية الروسية.
ولعل التطور الأبرز في العلاقات الغربية- الأمريكية هو وصول الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير من العام الماضي في واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ الانتخابات الأمريكية، حيث فاز المرشح الجمهوري ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون صاحبة الحظ الأوفر في الفوز حسب استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة.
ومع اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة ذات المتغيرات الدراماتيكية بدأت رياح التغيير تهب على العلاقات بين واشنطن وأوروبا خاصة خلال أول اجتماع لحلف الأطلسي عندما أشار الرئيس ترامب إلى أن على دول الحلف الأوروبية أن تشارك بنسبة أكبر في ميزانية الحلف وأن الحماية الأمريكية لابد أن يكون لها ثمن، وهو نفس الاتجاه الذي يتبناه ترامب حيال دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
كما برزت خلافات اقتصادية وتجارية حادة بين الطرفين خاصة على صعيد دعم المنتجات وإجراءات الحماية والميزان التجاري والتنافس بين اليورو الأوروبي والدولار الأمريكي حيث أن الرئيس ترامب الذي جاء من خلفية اقتصادية بدأ في مراجعة الاتفاقيات التجارية مع دول النافتا ومع المكسيك وكندا وأيضا انسحبت واشنطن من اتفاقية الاحتباس الحراري التي وقعتها معظم دول العالم في باريس وكذلك انسحاب الولايات المتحدة من اليونيسكو تلك المنظمة الفكرية والثقافية المرموقة في العالم والسبب كان الوقوف مع الكيان الإسرائيلي.
وعلى ضوء هذا الانقلاب في السياسة الخارجية في إدارة ترامب شعرت أوروبا بأنها مستهدفة من خلال عدد من تغريدات الرئيس الأمريكي الجديد ضد سياسة تيريزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية، وأيضا ضد سياسة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وحتى فرنسا. ومن هنا بدأت ملامح تلك الخلافات تتصاعد والتي كان آخرها نوايا الرئيس ترامب في فرض رسوم على واردات الصلب وعدد من المنتجات الأخرى بنسبة 25 في المائة مما أحدث ردة فعل سلبية في أوروبا والعالم ومن هنا بدأ التنافر بين السياسات الأوروبية والأمريكية واضحا من خلال التصريحات ويبدوا أن هناك عدم ارتياح لدى القيادات الأوروبية من سياسة إدارة الرئيس ترامب وفي ظل تنامي كبيرة لروسيا الاتحادية.
أوروبا الموحدة
تتعالى الأصوات من المفكرين والاستراتيجيين في أوروبا في ضرورة وضع رؤية شاملة لمستقبل أوروبا، وهناك حديث عن مؤتمر شامل يناقش مستقبل أوروبا وسط تأرجح الحليف الأمريكي غربا وفي ظل سياسات غير ودية تجاه أوروبا، وفي ظل تنام عسكري واقتصادي من الغريم الروسي في شرق القارة، ولعل نموذج الاستيلاء على شبه جزيرة القرم خلال الحرب مع أوكرانيا الجمهورية السابقة داخل منظومة الاتحاد السوفييتي، جعل أوروبا تفكر في مستقبل القارة وسط متغيرات جيو-استراتيجية ومصالح اقتصادية حيث التحالفات الروسية مع تركيا وإيران وعلاقات اقتصادية متنامية مع التنين الصيني العملاق.
وعلي ضوء رأي عدد من المفكرين في أوروبا فإن أوروبا لابد أن تناقش مستقبلها بشكل صريح ووفق منظومة دفاعية جديدة، وهذا يعني أن حلف الأطلسي لا ينبغي أن يكون هو المظلة الوحيدة التي تحمي أوروبا، وأن الولايات المتحدة وسياستها الجديدة قد تعيد النظر في توجهات الحلف. ومن هنا فان أوروبا تنظر إلى الأمر بجدية وأن الثقة مع واشنطن تتضاءل خاصة مع توجهات الرئيس ترامب والتي تضع مصالح أمريكا أولا، وهو الشعار الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية.
وعلى ضوء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشعر الأوروبيون بأن خروج دول أوروبية أخرى سوف يجعل الاتحاد واستمراره محل شك، ومن هنا ترى دول أوروبية ومنها ألمانيا أن بريطانيا لابد أن تكون جزءا أسياسيا من المنظومة العسكرية والأمنية في أوروبا رغم خروجها من المنظومة الاقتصادية الأوروبية، وأن الأمن في أوروبا هو وحدة لا ينبغي أن تتجزأ، ومن هنا فإن أوروبا أمام معضلة كبيرة حيث مصاعبها الاقتصادية من ناحية وأيضا مشكلة الهجرة، علاوة على خلافاتها المتواصلة مع الولايات المتحدة، حيث أن السخط الأوروبي والبريطاني خصوصا أدى إلي تأجيل زيارة رسمية لترامب إلى بريطانيا، كما أن السياسات الأمريكية تجاه أوروبا توصف بالعدائية في عدد من الصحف الأوروبية خاصة على صعيد حلف الأطلسي والالتزامات المالية وأيضا موضوع الرسوم الجمركية على بعض السلع وأيضا مسالة الأعراف التجاري. وعلى ضوء ما سبق فإن العلاقات الأمريكية-الأوروبية ليست في افضل حالاتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهذا بلا شك فرض على القيادات الأوروبية أن تراجع الرؤية الجديدة لأوروبا وأهمية وضع استراتيجية لأوروبا المستقبل ليس انفصالا كاملا عن الحليف الأمريكي ولكن الإحساس بأهمية الاستقلالية والدفاع المشترك، وعدم الاعتماد على واشنطن في قضايا سيادية تهم الأمن والاستقرار في أوروبا.
كما أن أوروبا لا تتطلع إلى عداء مع الجارة روسيا الاتحادية، حيث سواحل البلطيق وأوروبا قريبة من السواحل الروسية، ومن هنا فان أوروبا تدعو دوما واشنطن إلى عدم استخدام العقوبات كسلاح ضد موسكو، وتفضل بدلا عن ذلك الحوار وهناك علاقات ألمانية- روسية مميزة، ومن هنا فإن مجمل العلاقات على ضفتي الأطلسي تمر بأزمة حقيقية في ظل إدارة الرئيس ترامب وسياساته في أكثر من إقليم ومنها الشرق الأوسط حيث الصراع بين العالم العربي وإسرائيل. وفي نهاية المطاف تدل المؤشرات على أن أوروبا القديمة حسب مقولة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق سوف تتحول ألى أوروبا الجديدة، حيث الرؤية المستقبلية لقارة حضارية ذات إمكانات اقتصادية وتقنية وبشرية مهمة تجعلها على منافسة قوية مع الحليف الأمريكي في الغرب، ومع الغريم الروسي على حدودها الشرقية، ومتطلعة إلي لعب دور سياسي في المنطقة العربية وافريقيا وآسيا، بعد أن ظلت لأكثر من نصف قرن توصف بأنها كانت ظلا للولايات المتحدة الأمريكية.