أفكار وآراء

... ودين مستحق

أحمد بن سالم الفلاحي - shialoom@gmail.com - نصف قرن من الزمان؛ ولا تزال هذه الأرض الطيبة (عمان) مشغولة فيما يعنيها، وما يعنيها عناوينه كثيرة، وعلى المستويين؛ حرصت على توازن وتوازي كفتي معادلات التنمية عبر منهجها الخاص، وفلسفتها الخاصة، لا تغرد خارج السلب؛ إلا بالقدر الذي يحفظ لها كينونتها وشخصيتها واستقلالها، وهو نوع من المراجعات المحمودة، وهي مراجعات تستلزمها الظروف المستجدة، فالعالم متغير، وغير مستقر، ومنهج الجري وراء كل ناعق، ليس من صفات القيادات الراسخة، ذات القيم الأصيلة، والمنجز الحضاري العميق. وبعد نصف قرن من الزمان؛ وهذا المشهد الماثل لا يحتاج كثيرا إلى تقصي أوراقه الملونة، وأوراق دفاتره المعفرة بتراب السواعد التي أعطت بكل سخاء، وآمنت بكل صدق، وتحملت بكل رضى، ولا تزال تؤمن بأن القادم خير، وأن مساحات العمل متسعة، وأن الآمال والطموحات لن تتوقف، وإن اكتنفتها بعض الخطوات الوئيدة لظرف ما، لأن الإيمان بالحياة، أكبر من اليأس منها، وأن الشعوب ولدت لتبقى بما تنجز، وتستمر بما تحلم، وتخلد بما تجود به. وبعد نصف قرن من الزمان؛ استطاع جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - أن ينقل عمان من حالة العسر إلى حالة اليسر، عبر تدرج مشهود لمسارات التنمية، حيث استقصى كل شبر في عمان، جاعلا المواطن ساعده الأيمن، مشاركا، ومشتركا، باذلا وأمينا؛ وقد استطاع؛ أن يكون محورا فاعلا من محاور التنمية المختلفة، بل كان عصبها وساعدها، ومصوبا توجهات هندستها المختلفة، يدا بيد مع قائده الهمام، لم يفت عضد كلاهما الظروف القاسية بعناوينها الكثيرة في كل السنوات العجاف، والتقى الاثنان على منصات التتويج السامية، ورحل الأول؛ راضيا محتسبا ما قدمه لله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الآية (30)؛ سورة الكهف وبقي الثاني عبر أجياله المتتالية متوشحا بـ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ...) جزء من الآية (105)؛ سورة التوبة -. وبعد نصف قرن من الزمان؛ ليس هنا مكان للمقارنة، فالمقارنات ليست من صفات همم الشعوب والدول الماكنة، والواقع يؤصل الخطوات الثابتة في البناء، وإذا اخضعت المسألة لحالتي الربح والخسارة، فإن خسارات الأوطان ليس في عدم وصولها إلى الغايات الكبيرة بالسرعة المأمولة، وليس في تأخرها عن ما وصلت إليه التجارب الإنسانية في مساحات العطاء الماثلة، وإنما خساراتها عندما يكون هناك قطع وفواصل مستمرة عن التلاحم والتعاضد؛ والتكاتف؛ وهذا ما لم يحدث حتى الآن على امتداد جغرافية عمان، فلا تزال الهمم وقادة، ولا يزال العطاء سخيا، ولا تزال الأرقام تسجل تراكما نوعيا في مجالات التنمية المختلفة. وبعد نصف قرن من الزمان؛ ها هو العهد المتجدد بنهضته المباركة، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - يواصل مسيرة العطاء يدا بيد مع مواطن صادق أمين، يرى في الغد أمله المأمول، وفي حاضره الجهد المبذول، فالأوطان لا تراهن على انجازاتها إلا بعطاءات أبنائها الميامين، مستشعرا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، مستحضرا قول شاعر العربية الكبير أحمد شوقي - رحمه الله -: ويـجـمـعنا إذا اخـتـلـفت بـــلاد... بــيـان غــيـر مـخـتـلف ونـطـق وقـفـتـم بـيـن مــوت أو حـيـاة... فـإن رمـتم نـعيم الدهر فاشقوا ولــلأوطـان فـــي دم كــل حــر... يـــد سـلـفـت وديــن مـسـتحق ومــن يـسقى ويـشرب بـالمنايا ... إذا الأحـرار لـم يـسقوا ويسقوا ولا يـبـني الـمـمالك كـالـضحايا ... ولا يـدنـي الـحـقوق ولا يـحـق فــفـي الـقـتلى لأجـيـال حـيـاة ... وفـي الأسـرى فـدى لـهم وعتق وبعد نصف قرن من الزمان؛ لا يزال استشراف الغد واقعا تحت تأثير المعالجات الفنية والمعرفية في مختلف المجالات؛ كما هو الحال دائما؛ عبر الخطط الخمسية المرحلية، وهذا الاستشراف يذهب بعيدا إلى حيث البناء، وإلى المراجعات المستمرة، وإلى النظر إلى الواقع وما يستجد من تحديات، ومن استحقاقات؛ ربما؛ تكون غير منظورة؛ بما فيه الكفاية؛ للجميع، وهو ما يذهب إلى التجديد، والتبدل والتغيير، وهذا كله من صفات الشعوب الحية، التي لا تزال تراهن على البقاء والاستمرار، والتفوق. اللهم أدم على بلادنا عمان، نعمة الأمن والأمان، والسخاء الرخاء، وكل عام والجميع بخير.