أفكار وآراء

معها..في«ألف»كلمة!!

أحمد بن سالم الفلاحي - shialoom@gmail.com - كل المرجعيات التاريخية تؤكد الحضور القوي للمرأة، بدءا من إنجابها للرجال الأفذاذ الذين ساهموا في صناعة التاريخ، ومرورا بالمؤازرة الخيرة التي تبديها المرأة بجانب الرجل الذي لا يستغني عنها قيد أنملة، وصولا الى تبوئها مناصب رفيعة . يبدو أن جدلية العلاقة بين الرجل «الأقوى» والمرأة «الأضعف» في معادلة مسار الحياة اليومية، لا تزال تراوح مكانها ما بين هذه الثنائية - القوة والضعف - فلا الرجل بما تحقق له من مكاسب اجتماعية وتشريعية راض أن يعترف بأن هناك كائنا يقاسمه الحياة يستحق أن يعيش بالصورة التي يجب أن تكون، ولا المرأة في المقابل قادرة على أن تخرج نفسها وتتنفس الصعداء؛ على الرغم مما تبذله من جهد، وما تبديه من مظاهر قوة واستعداد لحلحلة هذه القبضة الحديدية بيد الرجل، وهذه النظرة التي تتخذ مسارا واحد؛ يكاد يكون مطلقا؛ عند الرجل، وعند المجتمع بشكل عام، حيث لا تقاطع يفضي الى تبادل مصلحي بين الطرفين، على الرغم من أن النص الديني ينتصر كثيرا للمرأة، ويهبها الكثير من الحقوق؛ جنبا الى جنب مع الرجل؛ ومع ذلك لا يستسلم هذا الرجل في كثير من المواقف لهذا النص الديني، ويعمل على تجاوزه تحقيقا لذكوريته الصرفة. وعند النظر في هذه الإشكالية المعقدة، يتبين أن الأمر لا يختص بثقافة دون أخرى، فكل الثقافات «المتخلفة» منها و«المتقدمة» تتفق على هذه الصورة التي لا تنزل المرأة المنزلة المباركة، ويكون لها حق الانتفاع من إنتاج المجتمع الحضاري الممتد؛ من ذلك الزمن البعيد، ولا يزال؛ وهو إنتاج ليس مخصوصا للرجل إنجازه، وإنما تشاركه المرأة في ذلك مشاركة مباشرة، فأين المشكلة إذن؟! الطرح هنا يقينا لا يذهب الى أن هناك حقائق جديدة في هذه العلاقة القائمة بين الطرفين (الرجل/‏‏‏ المرأة) ولكنه يتقصى بعض هذه المثالب التي لا تزال تعلي صوت أحدهما على الآخر، وتهين كرامة أحدهما بفعل الآخر، وتشرع حقوقا تحت فهم القيم الاجتماعية فقط، على حساب الـ «شرعة» الدولية، والقانونية، بما في ذلك الشرعة الدينية المنصفة لحق الطرفين بلا منازع، فــــ (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 48/‏‏‏ 104، المادة رقم 1) جاء في تعريف الإعلان المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة بأنه: «أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى او معاناة للمرأة من الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل او القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة» وهذا الإعلان بما يحمله الرقم أعلاه، أكيد أن صوتت عليه جميع دول العالم، ومع ذلك يخضع فهم تطبيقه عل قناعة الطرف الأقوى في هذه المعادلة وهو الرجل، الذي لا يزال يمارس غواياته المختلفة في حق المرأة التي تقف بجانبه في السر والعلن، وفي المنشط والمكره، وفي الفقر والغنى، لأنها تظل دائما الحلقة الأضعف مقابل هذا المارد الرجل، ومع أن الجمعية العامة للأمم المتحدة حددت يوم 25 نوفمبر في كل عام (اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة) ومع ذلك فموظفو هذه الجمعية هم من ينتهكون الشرعة الدولية في مخيمات اللاجئين التي تشرف عليها الأمم المتحدة ذاتها، حسبما يرى البعض احيانا ، و»عصبية الجنس» الوارد نصها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تزال تستبيح كل مفهوم متعلق بالمرأة، بدءا من حالات الاغتصاب التي تضج بها بعض المواقف التي تجمع الأثنين، حيث يتم استغلال ضعفها وحاجتها، وعدم مناصرة المجتمع لها، فالمجتمعات الذكورية لا تزال تجد الأعذار الكثيرة لسلوك الرجل المشين تجاه المرأة، ولا تجد أي عذر لها كطرف ضعيف مغلوب على أمره، تقول أحدهن - وفق مدونة: علامات لصاحبتها: ألمى حسون - محررة شؤون المرأة في موقع بي بي سي عربي -:« خلال السبع والعشرين سنة التي قضيتها في وطني أعترف أن جسدي كامرأة كان مستباحا من المجتمع، لا أقصد هنا بالضرورة العنف الذي نتعرض له والتحرش الذي يستبيح الجسد والنفس، لكن أيضا تلك التعليقات العقيمة التي تعتدي على خياراتنا الشخصية، وهي لا تقل خطورة عن العنف، تترك جراحا ترافقنا أحيانا مدى الحياة» وتضيف: «الخطير في الأمر أن هذه الظواهر ليست فقط متفشية في الشارع أو في سياقات اجتماعية شاذة لا يؤخذ بها، بل يساهم الإعلام في تعزيز هذه الصور المزعجة حيث تقوم جل البرامج الإعلامية المحلية ببث فقرات فكاهية يقوم فيها شخص باستهداف النساء وأجسادهن، ولباسهن وحتى تسريحات شعرهن من أجل إضحاك الحضور والمتابعين. كل من يخرج عن السائد والمتعارف عنه يتم نعته/‏‏‏نعتها بأبشع الألفاظ ويصبح جسدها/‏‏‏جسده مستباحا لدى شعوب مواقع التواصل الاجتماعي التي تغذي هذا العنف اللفظي والنفسي الذي له أثر كرة الثلج». وتقول أخرى من المصدر ذاته: «نشأتُ على مرارة الغُربة، وأن ليْست لي هُوية ولا انتماء، ورغم كون عائلتي على قدرٍ كبير من التعليم، إلا أن هذا لم يُغيّر واقع أنها كانت تحرص في كل مناسبة أن تُفقدني طريقي لذاتي؛ فكأيّ أسرةٍ عتيدة تنتمي لـ «مجتمعٍ ذكوري» جائر أكملت أسرتي الطريق في اتّباع كل عُرفٍ وتقليد بغض النظر عن كونه مفيدا أو مضرا ودون الاهتمام بتأثيره عليّ» وتضيف: «ففي نظرهم كوْني فتاة يعني وجوب تغطيتي عن الأعيُن، مقتنعين أن ملامحي الطفولية تُطمع الرجال بي، فتعلّمت أن أتغرّب عن جسدي وأن أُخبّئه وراء الملابس الفضفاضة وحجابٍ أُجبرت على ارتدائه، ولكن رغم ذلك كان هناك ألفُ سبب لكي يتم التحرّش بي، وضربي وإهانة إنسانيّتي. دائمًا هناك سبب!». وفي دراسة حديثة قام بها موقع (DW) في برلين والممولة من قبل الحكومة الألمانية شملت (660) امرأة من دول عربية وإسلامية ، تتراوح أعمارهن بين (17 و29) عاما، (7%) فقط تجاوزن الخمسين عاما - حسب المصدر - «فإن (%13) من النساء اللواتي شملتهن الدراسة تراودهن أفكار انتحارية، ونصفهن تراودهن هذه الأفكار بإلحاح. هذه النتيجة كانت مفاجئة جدا حسب ما تؤكد مريم شولر أوساك التي أشرفت على الدراسة، التي توصلت أيضا إلى أن حوالي نصف النساء يدخلن دوما في دوامة بكاء و(25 %) من النساء يشعرن بالحزن الشديد ويشكين من الوحدة ويعانين من التوتر والقلق.» ومع ذلك فهناك أنشطة إنسانية تسعى الى ملء هذه الثغرات التي لا تزال تؤجج المواقف بين الطرفين، من ذلك منظمة (DAWN- التنمية والنساء من أجل حقبة جديدة) وهي من المنظمات الأهلية غير الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل على تطوير نموذج إرشادي بديل من أجل التنمية العلمية، يسمى أحيانا «مقاربة التمكين». وفق؛ أوما ناريان وساندرا هاردنغ. كل المرجعيات التاريخية تؤكد الحضور القوي للمرأة، بدءا من إنجابها للرجال الأفذاذ الذين ساهموا في صناعة التاريخ، ومرورا بالمؤازرة الخيرة التي تبديها المرأة بجانب الرجل الذي لا يستغني عنها قيد أنملة، وصولا الى تبوئها مناصب رفيعة كملكة ورئيسة دولة ورئيسة وزراء ، ووزيرة للدفاع في اكثر من دولة، وما تعكسه في مواقف كثيرة من الحكمة والرشد، واستصواب الرأي، ومع ذلك كله لا تزال تعيش مأزق العلاقة مع الرجل الذي يشاركها همّ الحياة بتفاصيلها الدقيقة.