إشراقات

أفلح الخليلي: «التوبة» لا تُسقطها «الوصية» وعلى الإنسـان المبادرة لأداء حقوق العباد

2564654
 
2564654
الوصية بـ«الزكاة والصوم والحج والنذور والكفارات» ثابتة ومعتبرة شرعا - متابعة: سيف بن سالم الفضيلي - أكد فضيلة الشيخ أفلح بن أحمد الخليلي الباحث الإسلامي بمكتب الإفتاء أن التوبة لا تُسقطها الوصية وعلى الإنسان المبادرة لأداء ما عليه من حقوق العباد ولا يؤخرها حتى لا يقع في الظلم، كتلك المتعلقة بحقوق الله تعالى من صلاة وصيام وزكاة وحج والنذور. مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم» سواء كان الحق متعلقا بحقوق الله أو متعلقا بحقوق العباد. وقال محذرا: أؤكد على أمر بالغ الخطورة وكثير من الناس يخطؤون فيه عندما يقصّر الواحد منهم في صيامه أو صلاته فيسأل عن ذلك فيقول: «كتبته في الوصية، والوصية لا تغني عن التوبة، ومن المعلوم أن العبادات لها ميعادها الزماني ولا يحق للعبد أن يؤخرها عن وقتها، والصيام له ميعاده المحدد». كما حثّ فضيلته على أن يتم تبيين الحقوق وتقييدها عند وجود حسابات مختلطة كتلك المتعلقة بالزوجات اللاتي يشاركن في بناء أو شراء منزل أو سيارة أو تلك المتعلقة بأموال الوقف أو أموال مساجد. وأوضح فضيلته أن الوارث لا يُوصَى له إلا إن كان له حق ثابت ومتعيّن، ومنبها الموصي ألا يطلق الكلام في الوصية وإنما يبيّنه ويقيده .. جاء ذلك في الجزء الأخير من محاضرته (أحكام الوصية) التي ألقاها بجامع المجيب بالمعبيلة بولاية السيب. ذكر فضيلته في (أحكام الوصية) عن حقوق الله تعالى وقال: إنها متعددة كتلك المتعلقة بالعبادات مثل (الصلاة والصوم والزكاة والحج ونذر وما إلى ذلك)، فالصلاة بنفسها فلا يصلي أحد عن أحد. لكن ما الذي يدخل في حيز الوصية؟، الكفارات إن وجدت كفارة بناء على قول بعض الفقهاء بأن انتهاك الصلاة فيه كفارة، وهو قول قال به جماعة من أهل العلم قياسا على الصيام؛ لأن الصلاة لم يرد فيها نص بوجوب الكفارة فيها لكن قال بعض أهل العلم بوجوب الكفارة قياسا على الصيام، وأما في الصلاة فلا يوصي أحد بأن يصلي أحد عنه. أما الزكاة، فإن الوصية بالزكاة ثابتة معتبرة شرعا بأن يوصي بالزكاة، وهذا أمر سائغ بأن يوصي وأن تنفذ عنه الزكاة. وأما الصوم فيتعلق به أمران، القاعدة الشرعية (من مات وعليه الصيام صام عنه وليه) كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص جماعة من أهل العلم على أن الأولياء يمكنهم أن يطعموا عن كل يوم مسكينا. والحج كذلك يسوغ أن يوصى به كما يسوغ أن يوصي أيضا بالعمرة فهي قرينة الحج واجتمعتا في جملة من الأحكام. ويمكنه أن يوصي بوفاء النذر وبأداء الكفارات. أمر بالغ ونبه فضيلة الشيخ أفلح الخليلي: وهنا أؤكد على أمر بالغ الخطورة وكثير من الناس يخطئون فيه عندما يقصّر الواحد منهم في صيامه أو صلاته فيسأل عن ذلك فيقول: «كتبته في الوصية»، والوصية لا تغني عن التوبة ومن المعلوم أن العبادات لها ميعادها الزماني ولا يحق للعبد أن يؤخرها عن وقتها، والصيام له ميعاده المحدد ولقد اختلف أهل العلم في الزكاة وفي الحج هل هما على الفور أم على التراخي؟ والذي ينظر في الأدلة الشرعية يصل إلى قناعة والله تعالى أعلم أن الخلاف لم يحرر وإلا فالزكاة واجبة على الفور، أبو بكر الصديق رضوان الله تعالى عليه شن حربا لا هوادة فيها حتى لا يساوم ولا يؤجل ولا يماطل ولا يتوانى في أداء عقال. فكيف بما هو أكثر من ذلك، ولا يتصور أن الغني الذي يجد مالا حاضرا وبجواره فقير يتضور جوعا يقال له بأن الزكاة ليست على الفور. نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه كان يصلي بالناس فعجل صلاته فعجب الناس من ذلك وخرج بعد الصلاة بسرعة ورجع فسئل عن ذلك فقال: إنه تذكر أموال زكاة لم تخرج بعد، وكان بيت المال يجرد سنويا من أجل أداء الزكوات وفي بعض الأحيان كان يجرد أسبوعيا. حتى تؤدى زكوات أمة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مطل الغني ظلم» سواء كان الحق متعلقا بحقوق الله أو متعلقا بحقوق العباد. والزكاة فيها حق من حقوق العباد. فالوصية لا تُسقط التوبة فعلى العبد أن يبادر مبادرة لأداء ما عليه من حقوق ولا يؤخر حقوق العباد؛ لأن مطل الغني كما قال صلوات الله وسلامه عليه، ظلم، وفي رواية من الروايات (ليُّ الواجد يبيح عرضه وعقوبته)؛ لأن الآخرين يتضررون بذلك وكثيرا ما يكون الظلم بمطل الحقوق وتأخيرها عن وقتها. الخلاف الذي قال بعض الفقهاء من المذاهب الأخرى: إن الوصية ليست واجبة لا يقصدون النوع الأول فهم يؤكدون وجوب أداء الحقوق. والتنبيه الثاني الذي أنبه عليه أن الحقوق الواجبة في النوع الأول (الوصية الواجبة) تجب في المال كله، وليست خاصة بثلثه. فلو أوصى إنسان يملك ثلاثة آلاف ريال بأداء حقوق عليه تبلغ ألفا ونصفا مثلا وبأداء حقوق مالية لجيرانه ولأقربائه، وأوصى بحقوق أيضا لأداء حج فقد وجب عليه الحج ولم يحج، ما كان فقيرا ولم يجب عليه أصلا، وإنما كان واجبا عليه أن يحج فلم يحج. فتوفر هذين الحقين استهلكا جميع ماله، هل تصح الوصية بذلك أو لا تصح؟ تصح؛ لأنها وصيّة ليست واجبة فحسب؛ لأنها تتعلق بدين وحق ثابت عليه وهذا الحق مقدم قبل الميراث. ولهذا الله تعالى يقول: «مِنْ بَعْدِ وَصيّةٍ يُوصِي بِهَا أو دين». للأقرباء غير الوارثين وتطرق فضيلته إلى الوصية الواجبة الثانية وهي الوصية للأقربين غير الوارثين ومن باب النصيحة لغير المتخصصين في الشريعة أن يطلق الوصية وأن يترك المجال في تحديد الأفراد للوصي الذي يأتي يطبّق؛ لأنه بعض الأحيان يحدد الوصي الموصى له، يقول لأولاد فلان، وأحيانا كثيرة يقع بعض الناس في خطأ؛ لأنه يوصي للأبعد ويترك الأقرب، وأحيانا كثيرة يقع في وصية مزدوجة، يوصي لفلان وفلان من قرابته غير الوارثين بمبلغ معين ويوصي للأقربين بمبلغ معين فيبقى الوصي محتارا هل يقصد هذا الموصي بذلك أن فلانا وفلان لهم المبلغ المحدد، فالأولى عن هذه التفصيلات أن يُطلِق. وكثير من الناس يقيّدون الوصيّة للفقراء الأقربين بينما هذه الوصية ليست للفقير، وإنما هي للقريب ولو ملك مالا أوسع من ملك قارون له حق ثابت، والشريعة أمرت بذلك فهي من باب صلة القريب، وليست متعلقة بفقره حتى لو كان غنيا فينبغي للإنسان ألا يقيّد لذلك. وهي من الوصايا المؤكدة والمأمور بها في القرآن تحديدا؛ ولذا فمن المهم جدا أن يُترك لها مبلغ مناسب لها. والأمر الثاني أن تطلق القول حتى لا توقع في حرج وكثير من الأحيان تتصوّر أنت القرابة على نحو، وأنت لا تدرك الغيب ولا تعلم ما تصير إليه الأمور، فأحيانا يوصي الإنسان لأبناء الجد الفلاني مثلا، وهو يتصور أن الأمر يتشعب لكثرة قرابته لكن قضاء الله تعالى الغالب قد يموت جماعة من أولئك الأقرباء قبل أن يموت الموصي فتبقى الوصية بين يدي قلة قليلة من الناس فالأولى له أن يطلق تجنبا لكل هذه الإشكالات. وهذه الوصية من الوصايا الواجبة لكن لا يصح للإنسان أن يوصي لوارث وهذه الوصية كبقية أنواع الوصايا الأخرى التي بعدها مقيدة بالثلث فلا يصح أن تزيد على ثلث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد (الثلث، والثلث كثير) فلا يصح له أن يوصي بذلك، ويوجد نقاش بين العلماء فيما لو كان الإنسان لا وارث له، ونحن بحمد الله منّ الله تعالى علينا جميعا بقرابة واسعة فلنا ورثة يرثوننا بإذن الله تعالى، فلا ننهك أنفسنا بمناقشة إذا كان الإنسان لا وارث له. ولا يوصي لوارث إلا في حالة واحدة وهو أن يكون للوارث حق ثابت عليه وهذا الحق الثابت متعيّن، وعندما يوصي بحق ثابت لقريب له لا يطلق الكلام، وإنما يبيّنه ويقيده بأن وصية لفلان بن فلان الفلاني لحق لزمني تجاهه، ولا يلزمه التفصيل في ذلك الحق، ولكن إذا كانت النفوس مهيأة للفتنة بمعنى توجد سخائم نفوس والإنسان يعرف قرابته أحيانا يتهمونه بأنه قد يحابي قريبه، فإذا كانت المسألة عرضة لاتهامه فمن الأجدى أن يصرّح بالحق وإذا كانت المسألة متعلقة بتوثيق يثبت هذا الحق فذلك أبرأ للذمة وأبعد عن الشبهة. الأمر الثالث، وجود حسابات مختلطة ولو لم تكن متعلقة بحق من حقوقه، فأحيانا بعض الناس عنده أموال زوجته، مثل هذه الأموال كثيرا ما تكون مختلطة كالسيارة مثلا أو البيت، فكثير من الزوجات يشاركن أزواجهن في البيوت، وهذا نوع من أنواع البر، ولكن من المهم أن يكون التعاقد بين الطرفين مكتوبا وواضحا وتفرّع في ذلك. فقد يموت الزوج ولا تحصل إلا على السهم الذي يحق لها من الميراث أو يطلقها الزوج وتذهب ما شاركت به. وأحيانا هناك أناس لديهم أموال لمسجد وأموال لوقف وأموال لغير ذلك من الأشياء، فمن المهم أن تكون الحسابات واضحة، ما هي أموال شخص وما هي أموال الوقف. الوصايا المندوبة وهناك وصايا مندوبة وهي أنواع متعددة، وهي كل وصايا بخير وأول وصايا البر وأول الوصايا المندوبة الوصايا المتعلقة بالاحتياط -لا تفتحوا باب وسواس- ولكن أحيانا يكون الإنسان عنده أموال أوقاف اختلطت بحساباته وغير ذلك ويريد من باب تبرئة ذمته أن يوصي للوقف الذي اختلط حسابهما بمبلغ معين تبرئة للذمة، وعليه أن يحدد ذلك احتياطا. ربما حج حجا ووقع في شيء من المخالفات وهو متشكك في ذلك، يوصي بحجة احتياط كما أنه في الوصية الأولى يحدد أنها واجبة. ومضات.. الوصية لا بد أن تكون محكمة من حيث الألفاظ ومن حيث التوثيق، إذا كتب الإنسان الوصية فمن المهم أن تكون كتابته واضحة لا يفهمها كل واحد بفهم، وعندما يوصي بحق فعليه أن يبين صاحب الحق، لا ينتابها الاحتمال حتى لا يوقع الوصية في الحرج وما كان مفوضا يبين بأنه مفوض فيه. ومن المهم العناية بالأوقاف لأنها صدقة جارية يستمر خيرها وعطاؤها زمنا طويلا. وإذا أراد أن يمكن الوصي من الاجتهاد واختيار الشيء المناسب فعليه أن يكون واضحا في أنه فوّض غيره في اختيار الموضع المناسب. الأمر الآخر في الوصية من المهم توثيقها؛ لأن التوثيق بداية يساعد الكاتب للوصية في أن ينتبه لبعض الأمور التي تفوته، فإذا نظر الشهود إلى الوصية يتحقق من مناسباتها فذلك خير عظيم وبركة بإذن الله تعالى. وأوكد النقطة التالية: من المهم المبادرة بكتابة الوصية، والوصية قابلة للتعديل، فالذي يتذكره الإنسان يكتبه ويعدله في الوصية، ويحدد الوصية هل هي الوصية الأخيرة التي تلغي الوصايا السابقة أو لا، بكتابة التاريخ للوصية. ومن المهم أن تعرض الوصية على متقن يساعد للحكم الشرعي حتى تكون وصيتك دقيقة بإذن الله ويكون العمل الذي يمتد بعد وفاتك صالحا ويشهد لك بإذن الله تعالى وتتلقى دعوات صالحة من الذين انتفعوا بوصيتك. وصايا غير مالية ونبه فضيلته إلى نوع من أنواع الوصايا، وهي غير الوصايا المالية، ولكنه مهم جدا والقرآن ذكره لنا وطبقه أنبياء الله تعالى. ذكر الله عن نبييه الكريمين والعظيمين إبراهيم ويعقوب عليهما وعلى نبينا أفضل صلاة وأزكى سلام فقال: «وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، ثم قال بعد ذلك «أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». هذه الآية الكريمة ذكرت نصيحة يعقوب وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت، وقد كان في شغله الشاغل لكنه ينصح لله حيا وميتا، يؤدي واجبه تجاه أمته وتجاه بنيه، ويسعى جاهدا أن ينقذهم من هلكة فمن الوصايا المهمة أن يوصي أبناؤه وأولاده بكل خير، وهذا أمر مهم، والوصية ليست مقطوعة الجذور عما تقدمها، يعقوب عليه السلام ربى أولاده تربية صالحة نقيّة لكن مع ذلك أتبع تلك التربية العظيمة التي تعهدهم فيها من أول حياتهم إلى آخر حياته بكل نصح ورعاية وحسن تربية، ولكنه ختم ذلك بهذه النصيحة البالغة التي يبقى أثرها ويستمر، والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فمن المهم ألا يبخل أحدنا بكلمة صالحة ونصيحة غالية يقدمها لأولاده، ومن النصائح الغالية أن يوصيهم بعدم التخالف والخصومات وما إلى ذلك، وأن يوصيهم ببر أولاده، وأن يوصيهم بتعهد قرابته وأصحابه، ولكن هذه الوصية وصية أخرى ولها أحكامها المهمة.