أفكار وآراء

شبكات التواصل بين المصداقية والتضليل !!

عوض بن سعيد باقوير- صحفي ومحلل سياسي - أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي واقعا ملموسا ومؤثرا خلال السنوات الأخيرة من خلال بث كم كبير من المعلومات والأخبار في إطار حركة مجتمعية واسعة الانتشار وبسبب الثورة المعلوماتية والتي غيرت الكثير من المفاهيم والقناعات وأصبحت تلك الشبكات مجالا خصبا لبث الإشاعات والتضليل بشكل ممنهج خاصة مع ظهور موجة جيوش الذباب الإلكتروني التي تستخدمها الدول والحكومات لتحقيق أهداف سياسية في إطار الحرب الإلكترونية، التي أصبحت جزءا أصيلا من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق مآرب غير أخلاقية في كثير من الأحيان. والتساؤل الأهم هنا وفي ظل تدهور تأثير وسائل الإعلام التقليدي وما تعانيه الصحافة الورقية من تحديات كبيرة، هل استطاعت تلك الشبكات سد الفجوة المعلوماتية، إن صحت التسمية، وماهي مصداقية تلك الشبكات وما خطورة الحسابات الوهمية والاتجاهات المجتمعية خاصة فئة الشباب تجاه تلك الموجة من المتغيرات المجتمعية وخطورتها على النسيج الاجتماعي وتتعداه إلى الأمن الوطني للدول في ظل قلة الدراسات والبحوث المتعمقة حول هذه الظاهرة. بين المصداقية والتضليل حسب الأعراف الصحفية والإعلامية فإن بث الأخبار والمعلومات تستند إلى مصدر واضح ومعلن ويمكن التأكد من المعلومة عن طريق ذلك المصدر. ولا تزال الصحافة التقليدية ورغم تراجعها في مسألة الانتشار ذات مصداقية عالية فيما يخص نشر الأخبار والمعلومات وهذا الأمر أثبتته عدد من الدراسات الأخيرة، في حين أن سيل جارف من الأخبار والمعلومات تبث كل ثانية ومن مصادر مجهولة ويتم إعادة نشرها وبالتالي يتلقفها ملايين المتابعين وهنا تكمن الخطورة . إذن المعضلة الأولى لشبكات التواصل الاجتماعي أنها تفتقر إلى المهنية على اعتبار أن الممارسين هم من الهواة والعامة ومن هنا تأتي مسالة التضليل ونشر الإشاعات على نطاق واسع في المجتمعات، مما يسبب إرباكا في المشهد الوطني ويبدو لي أنه من الصعب الرد على كل تلك الأخبار المضللة المتدفقة كل ثانية وإعادة نشرها مرات ومرات. هناك الآن تعمد من جهات رسمية ودول لاستخدام شبكات التواصل ومواقع إخبارية مجهولة ومغردين للتشكيك في جهات ودول أخرى بهدف بث التشكيك وعدم الثقة في المسارات الوطنية وهذه منهجية خطيرة تحدث الآن، ولا تحتاج الى جهد كبير لمراقبتها ومتابعتها ومن هنا فان التضليل والتشكيك وبث الأخبار التي تهدف إلى استهداف الروح المعنوية وبث الروح الانهزامية وفقدان الأمل وهذه أمور تمارس على نطاق واسع وتصرف عليها ملايين من الدولارات ويتم تجييش آلاف البشر لها في إطار ظاهرة تستحق التأمل والدراسة ومسارها في المستقبل القريب والبعيد ومدى تأثيرها على الأجيال الجديدة. إذن المصداقية لدى شبكات التواصل تكاد تكون معدومة. ثانيا فقدان المهنية وعدم المسؤولية القانونية لدى المشرفين على تلك الشبكات والمواقع الإخبارية فقد أصبحت المعلومة تنتقل بسرعة جنونية دون التثبت من مصدرها، وبالتالي يكون تأثيرها مدمرا حتى على الأوضاع الاقتصادية حيث إن الحرب الإلكترونية لا تستهدف فقط القضايا الاستراتيجية وقضايا الأمن الوطني، بل تتعداه إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد وبث الأخبار المضللة ونسبها إلى جهات دولية أو مصادر مطلعة دون الإفصاح عنها، مما قد يخلق بلبلة في الأسواق وفي نوايا المستثمرين. التواصل الحكومي دائما نتحدث عن وجود قنوات تواصل نشطة في الجهات الرسمية والخاصة ووجود مواقع إخبارية ذات مصداقية، أولا لدحض الشائعات في وقتها، وثانيا لإيجاد استراتيجية لمحاربة تلك الشبكات المضللة وإبراز المعلومة الصحيحة في وقت أسرع . ومن هنا فإن التواصل المجتمعي الحكومي وحتى الخاص أصبح من الآليات الحيوية من خلال المتابعة حول الشأن الوطني، لأن نشر الأخبار الصحيحة دون الإشارة حتى الى الإشاعة سوف يقتل تلك المعلومات المضللة في مهدها. المشكلة الأساسية أن هناك ميلا من بعض الناس لتصديق الإشاعات وتلك المعلومات المضللة لأسباب يصعب أحيانا تفسيرها وربما يكون من باب الإثارة والتسابق على النشر وهي مسألة لابد من تحليلها بشكل متعمق خاصة لدى الجيل الجديد ومن خلال انتشار الهواتف الذكية والتي يستحيل السيطرة على محتوياتها وهذا شيء أصبح واقعا لابد من التعايش معه. هناك قضية أخرى مهمة وهي إدخال مناهج محددة حول خطورة تلك الشبكات الاجتماعية في المدارس ومن خلال التوعية بخطورة تلك الظاهرة، علاوة على ضرورة اليقظة الوطنية الرسمية والشعبية لما يحاك ضد الوطن من مؤامرات أصبحت مكشوفة، وربما يكون ذلك أحد الإيجابيات القليلة لتلك الشبكات والمواقع الإخبارية المضللة أنك تستطيع أن تقيس النوايا والأخطار المحدقة وهذا يتطلب بناء استراتيجيات مضللة حيث أصبحنا نعيش في عالم يسوده عدم اليقين وعدم الثقة وغياب الحكمة والتآمر المباشر. فاستراتيجية المواجهة اختلفت واصبح الفضاء الإلكتروني اللاعب الأساسي والذي يمهد الساحة الداخلية لتحقيق المآرب والأهداف التي رسمت ولعل الذاكرة تعود إلى إحداث الحرب العالمية الثانية ونظرية وزير الدعاية في عهد هتلر «جوبلز» وكيف استطاع الرايخ الألماني أن يسقط مدنا في أوروبا دون حرب بفضل تلك المنهجية الدعائية رغم بدائيتها في تلك الحقبة، ومن هنا فإن تلك النظرية تتكرر الآن ولكن من خلال وسائل سريعة ومؤثرة. وفي ظل المناخ الذي يسود وفي ظل نظرية عدم اليقين والمخططات والمؤامرات من داخل الغرف المغلقة لابد من اليقظة والحذر لأن الكوارث تأتي من مستصغر الشرر والحرب الإلكترونية أصبحت واقعا، ولعل نشر تلك المخططات والمعلومات السرية يعود إلى حيوية الصحافة التقليدية هذه المرة خاصة في الولايات المتحدة. الصحافة التقليدية رغم كل التحديات الكبيرة التي تواجه الصحافة الورقية في العالم والتنبؤات حول انتهاء تلك الصحافة، إلا أن التحقيقات الاستقصائية والأخبار الصادمة الأخيرة من أهم صحيفتين في العالم الآن، وهما صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكيتين تعطي الأمل بان الصحافة التقليدية لا تزال شامخة في الساحة حيث إن عددا من الأخبار الحساسة تم نشرها مؤخرا حول الأحداث في الولايات المتحدة خاصة شؤون البيت الأبيض والرئيس ترامب، وحول صفقة القرن أو حول الأحداث الخفية في الشرق الأوسط والصراعات التي تدور بين دول تلك الإقليم إن الصحافة التقليدية خاصة في الغرب أثبتت كفاءتها ومهنيتها وهي لا تزال المصدر الموثوق للأخبار ونقلت المنظومة الإلكترونية أخبار تلك الصحف إلى كل العالم وهنا نؤكد على أهمية المصداقية والمهنية والتي أحدثت الفرق بينها وبين منظومة إلكترونية تفتقر إلى مثل تلك المهنية. وإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي سوف تواصل تلك المنهجية فليس بالضرورة أن لا يتغير المتلقي فهناك الوسائل ذات المصداقية وهناك حسابات موثقة حكومية وخاصة يمكن من خلالها الحصول على المعلومة الصحيحة، أما موجة اللهث وراء الإشاعات والإثارة الوقتية فهي لا تضيف شيئا مفيدا للإنسان وتجعله دائما أسير الإشاعات والتضليل ويبقي بذلك إنسان غير نقدي ولا يفكر بشكل منطقي وعقلاني ويضيع وقته في مهاترات لا قيمة لها، ومن هنا فإن دور الصحافة التقليدية سوف يتعاظم طالما أن الإشاعات والأخبار الكاذبة تتواصل من تلك الشبكات حيث لا يمكن أن يصمد التضليل مقابل الحقيقة. ولكن لابد من الاعتراف بان تلك الشبكات هي ظاهرة اجتماعية اكتسحت العالم وهي شيء جديد على المجتمعات العربية وفي تصوري بأن مزيدا من الاختراعات القادمة قد تضعف تلك الشبكات وبالتالي البحث عن إثارة جديدة وهو جزء من التسويق الرقمي من الشركات الكبرى للمستهلكين في الدول النامية. إن التقنية ومفرداتها شيء مهم للحضارة الإنسانية والاستخدام المفيد لتطوير الذات والمجتمعات ولكن تستغل تلك التقنية في عالمنا العربي لأمور تهدم ولا تبني وهذه إشكالية تعاظمت مع الطموحات الحالمة والخلافات السياسية وغياب الحكمة السياسية واستغلال تلك التقنية لصالح المجتمعات وتنميتها واللحاق بالركب الحضاري المتقدم في العالم. إن شبكات التواصل الاجتماعي سوف تستمر في منهجيتها السلبية الغالبة مع وجود مساحة عقلانية محدودة ومن المهم أن تكون هناك يقظة وطنية لمسارات تلك الشبكات وما يحدث من متغيرات هيكلية في بنية المجتمعات، وخاصة الأجيال الجديدة التي تستهدفها تلك التقنية علاوة على أهمية تصحيح المعلومات المضللة وبشكل سريع من الجهات التي تخصها المعلومة. ونتمنى أن نرى المتحدثين الإعلاميين لكل جهة حكومية أو خاصة لأن الوقت أصبح مهما لتصحيح هذا الكم الكبير من المغالطات والتضليل المتعمد.