أفكار وآراء

زيارة ميركل لإسرائيل تصل بالعلاقات إلى ذروتها !

سمير عواد - وأخيراً تمت الجولة السابعة من المشاورات الحكومية الألمانية الإسرائيلية في القدس، بعد أن وصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى هناك يوم الأربعاء الموافق الثالث من أكتوبر الجاري وذلك بعد وقت قصير على مشاركتها في الاحتفالات التي جرت هذا العام في ولاية برلين بمناسبة مرور 28 عاماً على استعادة ألمانيا وحدة شقيها. وصحب ميركل جميع أعضاء حكومة الائتلاف المسيحي الاشتراكي التي تتزعمها بما فيهم فيليكس كلاين الذي تم تعيينه حديثاً في منصب مفوض الحكومة الألمانية لمكافحة معاداة السامية في ألمانيا، تأكيدا على أن علاقات ألمانيا مع إسرائيل تشمل اليوم جميع مجالات التعاون. ورغم وجود ميركل ووزراء حكومتها على بعد كيلومترات عن رام الله إلا أنهم صرفوا النظر عن إجراء مباحثات مع السلطة الوطنية الفلسطينية رغم أن الزيارة استغرقت يومين كاملين. وقد كان من المفترض أن تتم هذه الجولة في مايو 2017، لولا أن ميركل طلبت تأجيلها متعذرة بارتباطها بمواعيد، لكن بعض المراقبين أكدوا في تلك الفترة أن السبب الحقيقي هو خلاف ميركل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لمعارضته إحياء المفاوضات مع الفلسطينيين، وتأييده لسياسة الاستيطان، معتبرة أن بناء المزيد من المستوطنات، يجعل تنفيذ «حل الدولتين» أمراً صعباً للغاية. وترى الحكومة الألمانية أن «حل الدولتين» هو أفضل حل لإنهاء النزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي. لكن بعض المراقبين الفلسطينيين الذين تابعوا زيارة ميركل الأخيرة إلى القدس، أصبح يساورهم الشك عن حق بأن المستشارة الألمانية، على وشك أن تتراجع عن الموقف الألماني والأوروبي المعروف بتأييد «حل الدولتين». فخلال المؤتمر الصحفي المشترك عقب نهاية محادثاتها مع نتانياهو، بدا وكأن ميركل المعروفة بتأييدها لإسرائيل، أنها قررت ملاطفتهم زيادة عن اللزوم وكأنها تشاركهم الشعور أنها تزور إسرائيل وهي في منصب المستشارة للمرة الأخيرة. والسبب أن كثيرين في إسرائيل وألمانيا يعرفون أن شعبيتها في بلادها قد تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وأنها تتزعم حكومة ائتلافية يستبعد كثيرون أن تتمكن من إكمال الفترة الدستورية التي تنتهي عام 2022 بسبب الخلافات التي تعصف بين أطرافها. وتُعتبر ميركل أكثر المستشارين الألمان تأييدا لإسرائيل، رغم خلافها مع نتانياهو. وقالت ميركل أنها سوف تضغط على الفلسطينيين من أجل العودة إلى مائدة المفاوضات، ولدى سؤالها عما إذا كان استخدامها مرارا كلمتي «الدولة اليهودية» لدى الحديث عن إسرائيل، اعتراف منها بيهودية إسرائيل رغم الانتقادات الدولية لقانون يهودية إسرائيل الأخير، أجابت: نعم، إسرائيل دولة يهودية. أما التنازل الثالث بما يتعلق بالنزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي، فكان قولها (نعتبر «حل الدولتين» أفضل الحلول لكن دون شك هناك حلول أخرى). بالذات في عهد نتانياهو بلغت العلاقات الألمانية الإسرائيلية أعلى المستويات، رغم أن العلاقة بينه وبين ميركل مليئة بالخلافات. وقد وصفت ميركل هذه العلاقة في مؤتمر صحفي مع نتانياهو في برلين قبل فترة عندما قالت «نحن متفقون على أننا لسنا متفقين». ولكن الخلافات لم تشكل عائقا في طريق تطور العلاقات بين الجانبين، وآخر شيء يمكن أن يفكر به نتانياهو هو الدخول في نزاع علني مع ميركل، لأنه يجازف بذلك في خسارة أهم حليف لإسرائيل في أوروبا. فألمانيا لا تُعتبر ثاني أكبر ممول لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل تدافع عن مصالحها في الاتحاد الأوروبي، وفي المحافل الدولية خاصة وأن ألمانيا سوف تشغل بدءا من يناير المقبل مقعداً مؤقتاً في مجلس الأمن الدولي وقد وعدت بعد إعلان فوزها بالمقعد لمدة عامين، أن الدفاع عن مصالح إسرائيل من أبرز أهداف عضويتها المؤقتة في «نادي الكبار» خلال الفترة «يناير 2019- ديسمبر2020». ويرى نتانياهو أنه طالما ميركل في منصبها، لن تعترف ألمانيا بدولة فلسطين، وسوف تواصل غض الطرف عن انتقاد سياسة الاستيطان الإسرائيلية وانتهاكها حقوق الإنسان، والأمر نفسه ينطبق على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فكلاهما رغم الاختلافات بينهما، يشكلان ضماناً لإسرائيل ودعمها إلى أبعد الحدود. لكن أيضا طالما ميركل في منصبها، فإن برلين لن تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، كما فعلت واشنطن. وطالما نتانياهو في منصبه فإن سياسة الاستيطان لن تتوقف. الخلاف الجديد بين ميركل ونتانياهو يدور حول قرية صغيرة تقع في شرق القدس هي قرية «خان الأحمر» التي بحسب صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية الناقدة لنتانياهو، قرر الإسرائيليون تأجيل «سحقها» من الوجود، لأن ألمانيا والاتحاد الأوروبي ناشدوا إسرائيل تفادي هذه الخطوة معتبرين أنها ستشكل حجر عثرة في تنفيذ «حل الدولتين». وكتبت الصحيفة المذكورة تقول عشية وصول ميركل إلى القدس: ”لن يؤخر تأجيل سحق القرية بضعة أيام شيئاً لأن نتانياهو لا يريد الدخول في خلاف جديد مع ميركل، المؤكد أنه بعد مغادرتها إسرائيل سوف تعود إسرائيل لممارساتها المعهودة تجاه الفلسطينيين والعرب البدو. في المؤتمر الصحفي لم تتعرض ميركل بكلمة واحدة إلى هذه القضية، ولكنها أشارت إلى رسالة لمن سيخلفها في منصبها وهي أنها أوصلت علاقات ألمانيا مع إسرائيل بعد سبعة عقود على «المحرقة» إلى أعلى مستوى وأكثر من أي مستشار سابق. أما السؤال الذي بدأ يؤرق مضجع الإسرائيليين بعد زيارة ميركل هو: هل سيكون خليفتها مؤيداً لإسرائيل مثل ميركل أم لا؟.