عمان اليوم

ملتقى رياض الشريعة بالداخلية يستعرض 9 أوراق عمل وجلسة إفتاء وجلسات استشارية خاصة

انخفاض في وثائق الزواج وزيادة نسبة الطلاق على مستوى السلطنة -

نزوى - مكتب عمان -

سيف بن زاهر العبري -

يستهدف ملتقى رياض الشريعة «نحو أسرة واعية فقهيا» الذي تنظمه إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة الداخلية في نسخته الثانية بمركز نزوى الثقافي فئة المتزوجين حديثا والمقبلين على الزواج، حيث يستعرض على مدى أربعة أيام تسع أوراق عمل متنوعة، لتعريف المشاركين بالحياة الزوجية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحكام الزينة والأعراس، والخطبة وأحكامها، وحدود العلاقة قبل العقد، وأحكامه والحقوق والواجبات المترتبة عليه، والجوانب الصحية في الحياة الزوجية، وغيرها. كما يشهد الملتقى جلسة إفتاء وجلسات استشارية خاصة، وقد انطلقت فعاليات الملتقى صباح أمس بحضور سعادة الدكتور الشيخ خليفة بن حمد السعدي محافظ الداخلية، وجمع من المشاركين والمدعوين لفعاليات الملتقى. وألقى الدكتور قاسم بن سالم بن سعيد آل ثاني رئيس قسم الوعظ والإرشاد كلمة قال في بدايتها: كثيرا ما تبرز النظرة إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها أحكاما تكليفية يترتب على الالتزام بها وعدمه الجزاء الأخروي من ثواب وعقاب، وتقف عند هذا الحد، فتغيب عن الأذهان المصلحة المتحققة من الالتزام بها في واقع هذه الحياة الدنيا، وهنا لا بد من وقفة تأمل وإمعان النظر، لرسم التصور الصحيح المتكامل، فالله تعالى خالق الحياة وهو العالم بأسرارها أودع فيها كل متطلباتها ورسم لها خط سيرها بما يتفق مع مكونات الخلق ويضبط حركة الوجود بانسجام، وفيما يتعلق بالإنسان، فحين اقتضت حكمته تعالى تكريم الإنسان باستخلافه في الأرض وجرت مشيئته بجعله مخلوقا مكلفا، منحه ما يؤهله لذلك فوهبه العقل (أداة التفكير)، وزوده بالوحي (المنهج السليم)، وأعطاه الحرية والقدرة على اختيار السلوك، لكنها حرية مسؤولة، أوجب ضبطها بمقتضى (الوحي) المنهج الذي رسمه للبشر، لأن في الخروج عن المنهج انحرافا يؤدي إلى الاضطراب والفساد. فكانت الشريعة المنهج الإلهي هدية الله إلى البشر، تهدف إلى تبصير الإنسان بطريقه السليم في الوجود الذي يضمن له الصلاح والانسجام والسعادة في حياته، فهو منهج يجمع في ثمرته صلاح الدنيا وسعادة العقبى. ويقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المبين: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا»، فكل ما سار من الأمور على هذا المنهج تحققت فيه ثمرته وبدا صلاحه، غير أنه ينبغي التنبه أن أخذ الأحكام الشرعية يجب أن يكون من العالم العامل الثقة في دينه وعلمه « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» فكم من متقوِّل في الأحكام الشرعية ينسب إليها ما ليس منها فيضل الناس ويكدر صفاء الشريعة ويزعزع الثقة فيها، وكم من عادات وتقاليد لزمها المجتمع حينا فألبسها لباس الدين، والدين براء منها.

نحو أسرة واعية فقهيا

وأضاف في كلمته: إن الملتقى يخصص هذه المرة عنوان «نحو أسرة واعية فقهيا» لما للأسرة من أهمية كبيرة، فهي وحدة حفظ النوع الإنساني واستمرارية وجوده، وهي المحضن الأول لرعاية النشء وتكوين رجال الأمة ونسائها، فبقدر نجاح الأسرة وصلاحها يكون نجاح الأمة وفلاحها، ولإن كان البرنامج بصفة مباشرة يهدف إلى توفير المادة المعرفية الضرورية للأزواج وللمقبلين على الزواج، سعيا إلى الإسهام في استقامة أمر الأسرة وتعزيز فاعليتها في المجتمع، فإنه من جهة أخرى دعوة ضمنية إلى وجوب الالتفات والعناية بضرورة التوعية قبل الزواج، ولسان الواقع ينادي بملء شدغيه إلى الحاجة الماسة لتلك التوعية. وتشير إحصائيات وثائق الزواج والطلاق في دوائر الكتاب بالعدل في السلطنة، إلى أن عدد وثائق الطلاق منذ 2010م في ازدياد سنوي، وفي مقارنة بين عامي 2016م و2017م، فإن وثائق الزواج لعام 2017 قلّت بنسبة 7 بالمائة، ووثائق الطلاق زادت بنسبة 3.5 بالمائة. وإذا كان من الأهمية بمكان الوعي بما يقدم عليه الإنسان، ونسبة النجاح في كل أمر معلقة بمقدار الوعي به، فإن الحياة الزوجية وفقه الأسرة من أهم ما ينبغي الوعي به لتعلقه بمسير الحياة ومصيرها، فهي تلبي حاجات فطرية ملحة للإنسان: من قضاء الوطر الغريزي، وإشباع عاطفة الأبوة والأمومة، كما تحقق مطالب مجتمعية من تكثير سواد الأمة وتضطلع بمهمة التربية التي تتعهد مواهب الأولاد وطاقاتهم بالحفظ والتنمية والتوجيه. وحين يذكر أثر التوعية في الحياة الزوجية يبرز النموذج الماليزي بتجربته الرائدة، فمن نظرة عامة إلى التنمية الوطنية الشاملة تبين لديهم وجود خلل اجتماعي أشارت إليه نسبة الطلاق التي بلغت 32 بالمائة، فأدركوا أن هذا التفكك الأسري سينعكس سلبا على مختلف جوانب التنمية لتعلقه بالثروة البشرية التي تقوم عليها تنمية القطاعات الأخرى. فسلكوا لعلاج القضية مسلك التوعية الإلزامية قبل الزواج، وخلال عشر سنوات انخفضت نسبة الطلاق من 32 إلى 7 بالمائة، وهي من أقل نسب الطلاق في دول العالم. الوعي في الحياة الزوجية

وأشار في ختام كلمته إلى أهمية الاستفادة من هذه التجربة في تقدير منفعة الوعي في الحياة الزوجية وفقهها، فإنها ترشد إلى أن العلاج يجب أن يتوجه إلى أصل المشكلة لا إلى ما ينتج عنها من آثار وتداعيات، والتي منها عدم القدرة على تحمل المسؤولية وأداء الواجبات الزوجية والأسرية، ومنها الضعف عن حل المشكلات وتجاوز العقبات، ومنها التصرفات الخاطئة من الزوجين في حياتهما الزوجية، فكل ذلك سيختفي مع وجود الوعي بفقه الأسرة ومتطلبات الحياة الزوجية، ويحل مكانه التقدير السليم والتصرف الصحيح. ونظرًا لما يتمتع به المجتمع العماني من أصالة تاريخية وإرث حضاري عريق أكسبت الشخصية العمانية اتزانها واستقلاليتها وقدرتها على مواجهة التحديات وإصلاح الانحرافات بالعودة إلى الطريق السوي بإدراك ووعي وحزم، فإننا نتفاءل بأن أمر التفكك الأسري ليس إلا سحابة صيف جرتها الغفلة عن الوعي السليم، ومع تضافر الجهود من الجهات المعنية والمجتمع فإن كل هذه المظاهر ستتلاشى وتختفي، وتأتي فكرة موضوع الملتقى في هذا الإطار. الجدير بالذكر، تضمنت فعاليات الملتقى ليوم أمس ورقة عمل بعنوان «الحب المعنى والتطبيقات» ألقاها الدكتور عبدالله بن مبارك العبري، ثم تتواصل على مدى أربعة أيام، تقدم خلالها تسع أوراق عمل في الفترة الصباحية يقدمها ذو تخصص وكفاءة تغطي الجوانب الفقهية والجانب الصحي والتربوي والاستشارة الأسرية، كما يشمل البرنامج محاضرة بعنوان «الأسرة المطمئنة» يقدمها الشيح الدكتور عبدالله بن سعيد المعمري اليوم بعد صلاة العصر مباشرة في جامع المدة بنزوى، وستكون بإذن الله جلسة إفتاء مخصصة في فقه الأسرة بصحبة أمين الفتوى الشيخ إبراهيم الصوافي يوم الخميس في جامع السلطان قابوس بنزوى بعد صلاة المغرب مباشرة. ويؤمل من الملتقى أن يحقق أهدافه بما يسهم ويرتقى بمستوى الوعي الأسري، ويشجع على ازدياد الاهتمام بهذا الموضوع الجوهري في المجتمع.