أفكار وآراء

رسالة ملياردير في الوقت الصعب

مصباح قطب - «وارين بافيت» رجل الأعمال الأمريكي العصامي الشهير ، واحد من بين أهل القمة في قائمة «فوربس» لأغنى الأغنياء كل عام، والديموقراطي الذي أيد هيلاري كلينتون وتحدى ترامب فيما يختص بالشفافية الضريبية، وصاحب أكثر التبرعات الخيرية سخاء في تاريخ الولايات المتحدة، والعالم بالطبع، ألقى رسالته السنوية أمام مساهمي شركته - مجموعة «بيركشاير هاثاواي» - منذ أيام، وأكد فيها بمنطق متعمق أن أهم ما جعله غنيا وساهم في نجاح شركته ونجاح غيره هو القدرة السحرية للاقتصاد الأمريكي، على تجاوز الصعوبات، وتوفير الفرص، ما كان محل تعقيبات وتغطيات وجدل في الميديا العالمية، خاصة وأن العام الأخير يعد عند كثير من المحللين أسوأ أعزام بافيت على الإطلاق، ليس بسبب الخسائر بالطبع ولكن للتراجع الشديد في الأرباح، وقد يكون من المفيد هنا إلقاء الضوء على أبرز العبر في تلك الكلمة مع قدر من التبسيط. بافيت بدأ حياته الاستثمارية في عمر 11 عاما وأشرف على تأسيس وإدارة المجموعة الاستثمارية المنوه إليها، وامتلاك أسهم في عدة شركات أخرى في مجال الإعلام والتأمين والطاقة والأغذية والمشروبات الغازية والصناعات الكيماوية ، حتى أصبح واحدًا من أكثر رجال الأعمال على مستوى العالم شهرة. وتعد مقولته (إن الشراء عادة أكثر صعوبة من البيع) هي أهم نصائحه حيث، تعلم في رحلته أن الصبر بالنسبة لمن يستثمر في الأسهم قد تكون له عوائد أعلى بكثير من أي توقع، واستخلص ذلك حين اشترى ولأول مرة سهما بنحو37.5 دولار وباعه بأربعين دولارا وبعد سنوات قليلة بلغ السعر 200 دولار. بدأت الرسالة بأمر فريد وهو تطور القيمة الدفترية للسهم وعائده والقيمة الرأسمالية للشركة منذ 1965، وقال بافيت في رسالته إن القراء الذين يتابعون منذ وقت طويل تقاريرنا السنوية سيكتشفون الطريقة المختلفة التي أفتح بها رسالتي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، حيث أقوم بتضمين الفقرات الأولية النسبة المئوية للتغير في القيمة الدفترية لكل سهم في «بيركشاير» رغم أنه قد يكون حان الوقت للتخلي عن تلك الممارسة لأن المقياس فقد أهميته غير مرة، بسبب التغيرات في أسواق الأسهم من جهة، والقواعد الجديدة المحاسبية الخاصة بقيد الأسهم في الموازنات من جهة أخرى ، بحيث أصبحت بطاقة الأداء ذات القيمة الدفترية بعيدة عن الواقع الاقتصادي، ومع ذلك، ومع مرور الوقت ، فإن سعر سهم شركة بيركشاير سيوفر أفضل قياس لأداء الأعمال. إن اعتراف بافيت هذا لهو غاية في الأهمية لمن ادمنوا النظر إلى سعر السهم وحده كمؤشر على أداء الشركات بل إن هذا العامل الذي تم تسخينه بفوبيا من الميديا، مغرضة أو بريئة ، من أهم أسباب الأزمات العالمية وإشعال المضاربات المدمرة ، وفقدان مديري الشركات المدرجة بوصلتهم لأن أعينهم لا تريد أن تتحول عن الشاشات خوفا من مساءلة حملة الأسهم، إلى العناية الواجبة بالبحث والتطوير والابتكار. وقد لفت بافيت النظر مباشرة إلى ذلك في فقرة لاحقة من الرسالة . قدم الملياردير للمساهمين ما أسماه بعض الأخبار الجيدة ، ويعني التغييرات الإدارية التي أجراها في أوائل عام 2018 ، عندما تم تعيين «أجيت جين» في موقع المسؤولية وتم منح «جريج أبيل» السلطة على جميع العمليات الأخرى. هذه التحركات كانت متأخرة لكن إدارة بيركشاير الآن أفضل بكثير مما كانت عليه عندما كان يتم تشغيل العمليات وحدها. لدى أجيت وجريج مواهب نادرة ، ويتدفق دم بيركشاير عبر عروقهما. والدرس هنا أن العنصر البشري - الكفء والمنتمي - يظل هو الأصل لمواجهة أي صعوبات ولتطوير ودفع الأعمال في حلبة المنافسة الوعرة . أما الدرس الثالث لبافيت فهو ناطق بذاته إذا يقول : مع التركيز على الغابة ننسى الأشجار والعكس بالعكس. لدينا «أشجار» اقتصادية ، إذا جاز التعبير ، وتحليل ذلك يمكن أن يكون مبعث ذهول؛ نظرا لأن العينات لا تحصى ، بدءا من الأغصان إلى الخشب، إن عددا قليلا من أشجارنا مريضة ومن غير المرجح أن تتعافى سريعا أو حتى تكون موجودة و على الرغم من ذلك، فإن العديد من الكائنات الأخرى قد ينمو حجمها وجمالها ولذا فمن حسن الحظ أنه ليس من الضروري تقييم كل شجرة على حدة لتصنيفها، وقيمة بيركشاير الجوهرية يمكن تقريبها من خلال جمع قيم أصول أربعة بساتين مثمرة فيها من بستان بيركشاير الخامس - مجموعة من شركات التأمين الاستثنائية- نحن نطلق على هذه الأموال المخزونة «تعويم»، مصدر الخمسة بساتين في كيان واحد. هذا الترتيب يسمح لنا بتخصيص مبالغ كبيرة بسلاسة وموضوعية. لدينا إذن رأس المال ، والقضاء على المخاطر في المؤسسة، وتجنب العزلة، وتمويل الأصول بتكلفة منخفضة للغاية، والاستفادة في بعض الأحيان من الكفاءة الضريبية، وتقليل النفقات العامة. وفي المحصلة في بيركشاير، فإن الكل أكبر - أكبر بكثير - من مجموع الأجزاء. أشير هنا -الكاتب - إلى شركات قابضة أعرفها في مصر تتبع نهجا مختلفا هو فرض عزلة كاملة بين الشركات التابعة حتى لا تتداخل الحسابات وتضيع المسؤوليات بينما بافيت يباهي بالمنهج الضد لكنه للحق يتبع طريقة يقود فيها التمويل السليم غير المكلف وتفادي المخاطر بتوظيف قدرات شركاته للتأمين ، وعملية التكامل بين الشركات. قال بافيت أيضا: ذكرت في وقت سابق أن بيركشاير ستقوم من حين لآخر بإعادة شراء أسهمها الخاصة وستفيد إعادة الشراء المساهمين الذين يغادرون الشركة وأولئك الذين يبقون. صحيح أن احتمال الاتجاه الصعودي من جراء عمليات إعادة الشراء ضئيل للغاية بالنسبة لأولئك الذين يغادرون لأن الشراء كان دقيقا من قبل وعلى مدار 54 عامًا ، تم اتخاذ قراراتنا الإدارية في شركة بيركشاير من وجهة نظر متعمقة تنظر إلى المساهمين المغادرين وعينها على الباقين وعلى مر السنين ، شاهدنا جميع أنواع السلوك السيئ للشركات ، سواءً المحاسبي أو في العمليات، الناجمة عن رغبة الإدارة لتلبية توقعات وول ستريت. كإدارة «بريئة» في البداية من أجل ألا تخيب توقعات«الشارع» لكنها لا تستطيع الإفلات من تلك الضغوط بعد ذلك. ويوضح كيف أنه لم يعن أبدا بنتائج ربع العام أي لم ينجرف هو وشركاتها الى هذا الطريق. يقول الملياردير : إن معظم الديون التي تراها في ميزانيتنا العمومية المجمعة موجودة في السكك الحديدية وشركات الطاقة ، وكلاهما من الشركات الثقيلة الأصول وخلال فترات الركود ، يمكن من هذا المدخل توليد النقد لهذه الشركات، أي بيع بعض الأصول. إن شركة بيركشاير التي تبلغ قيمتها 349 مليار دولار لا مثيل لها في الشركات الأمريكية من حيث الخصوصية فلديها القدرة على الاحتفاظ بجميع الأرباح لفترة طويلة جدا، والسماح للفائدة المركبة للعمل بسحرها التراكمي. لقد جمعنا بذلك الأموال التي مكنتنا من شراء وتطوير البساتين الثمينة التي سبق وصفها. ثم ينتقل إلى الجانب الوطني في حديثه فيقول : سوف تحدث الأعاصير مثل «كاترينا» ، وستحدث - ربما غدًا أو بعد عدة عقود - مفاجآت كاملة ، ونفترض أن هناك هجومًا سيبرانيًا تترتب عليه عواقب وخيمة تفوق تصور مؤمِّني التأمين الآن ، وعندما تضرب مثل هذه الحوادث الضخمة ضربتها ، سوف نحصل على نصيبنا من الخسائر وسوف تكون كبيرة - كبيرة جدا - على عكس العديد من شركات التأمين الأخرى ، ومع ذلك ، سوف نتطلع إلى إضافة أعمال في اليوم التالي بفضل الأموال التي لدينا من جراء حكمتنا في التعامل مع ضرائب الدخل المؤجلة التي بلا فوائد وهذا مثال. في 11 مارس سيكون قد مر 77 سنة على أول استثمار لي و لو سافر ت إلى الخلف عبر الـ 77 سنة التي سبقت الشراء مرتين بالمدة نفسها فهذا يتركنا نبدأ من عام 1788 ، أي قبل عام من تنصيب جورج واشنطن كأول رئيس . لم يكن لأحد أن يتخيل ما سوف ينجزه البلد الجديد من قفزات. خلال فترتين قوام كل منهما 77 سنة قبل 1942 ، نمت الولايات المتحدة من أربعة ملايين شخص - حوالي 1٪ من سكان العالم - إلى أقوى دولة على وجه الأرض. وفي ربيع عام 1942 ، واجهت أمريكا أزمة كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعانون من خسائر فادحة في الحرب التي دخلناها قبل ثلاثة أشهر فقط. من قبل وفي وقت مبكر من تاريخها تم اختبار بلدنا بفعل الحرب الأهلية التي قتلت 4 ٪ من جميع الذكور الأمريكيين ، وعانت أمريكا خلال فترة الكساد العظيم من البطالة الهائلة. ومع ذلك ، في عام 1942 ، عندما قمت بالشراء ، توقعت الأمة نموًا بعد الحرب ، وهو اعتقاد ثبتت صحته. واختتم بأن أولئك الذين يبشّرون باستمرار بالهلاك بسبب عجز الموازنة الحكومية كما أفعل (هو نفسه) لا يعرفون أن المعدن السحري أي الذهب لم يكن أبدا مطابقاً للقدرة الأمريكية وأن طاقة أمريكا على مراكمة الإنجاز أعلى من الارتفاعات في أسعار الذهب بكثير. ويبقى التعليق الأخير : هل هي رسالة إلى مساهمي الشركة أم إلى اليائسين من ممارسات وشطحات ترامب وتقلبات الأسواق الحادة ؟.