أفكار وآراء

إسرائيل في بيئة استراتيجية آمنة ومضمونة

ماجد كيالي - باتت إسرائيل في بيئة استراتيجية آمنة، ومضمونة ربما لعقود، وذلك على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وعلى مختلف المستويات، العربية، والإقليمية والدولية، أكثر من أية فترة مضت، منذ قيامها (1948)، بل إنها تبدو من مختلف المجالات الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة، حتى بإزاء أكبر دولتين إقليميتين، أي إيران وتركيا. لنلاحظ المشهد الاستراتيجي السائد الآن في المشرق العربي، أو في المدى الشرق أوسطي، بالنظر لمداخلات القوى الدولتية الفاعلة فيه، ومكانة إسرائيل إزاءها، من مختلف النواحي. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، تبدو إسرائيل وقد تحررت من الدور الأمريكي الداعم للمفاوضات مع الفلسطينيين، ومن كل استحقاقات اتفاق أوسلو (1993)، بعد أن كانت قد تملصت منذ زمن طويل من ذلك الاتفاق، وخصوصا منذ انهيار مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000). الأهم من ذلك أن الإدارة الأمريكية الحالية تساوقت مع مختلف الإملاءات الإسرائيلية، سواء فيما يتعلق باعتبارها القدس عاصمة لإسرائيل (ديسمبر 2017)، أو في شأن تصفية قضية اللاجئين بطرحها إعادة تعريف اللاجئ لإخراج أبناء اللاجئين وأحفادهم (وضمن ذلك تصفية منظمة أونروا)، أو فيما يتعلق بتشريع الاستيطان، وتغطيتها موقف إسرائيل بعدم العودة إلى حدود 4 يونيو 1967، وصولاً حتى إلى إخراجها الفلسطينيين من اللعبة، عبر سحب اعترافها بمنظمة التحرير، وإقفال مكتبها في واشنطن (سبتمبر الماضي)، ووقف الدعم المادي لها. من جهة روسيا، التي تعد نفسها القطب الثاني في العالم، ثمة تنسيق عال جدا، على مختلف الأصعدة، ولاسيما على الصعيد الأمني بينها وبين إسرائيل، إذ عقد خلال العامين الماضيين حوالي عشرة اجتماعات قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ما يفيد بأن العلاقات بين هذين الطرفين لم تصل في تاريخها إلى هذه الدرجة من الأهمية، علما أن التنسيق يجري حتى على العمليات الميدانية في سوريا. أما فيما يخص الدولتين الإقليميتين الأخريين، ففيما يخص إيران، فهي تقف اليوم في مواجهة ما يمكن اعتباره بمثابة تحالف دولي وإقليمي لتحجيم نفوذها في المشرق العربي، وضمن ذلك فرض العقوبات عليها، ومحاصرتها. أما بالنسبة لتركيا، فهي تشهد فترة صعبة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، على كافة المستويات. في الغضون من الصعب الحديث عن واقع عربي في مواجهة إسرائيل، وسياساتها، إذ ثمة غياب لنظام عربي، في ظل تعدد المحاور، وفي ظل الاختلافات بين الأطراف العرب، وثمة تراجع في مبنى الأنظمة السائدة، ناهيك عن الانهيار الدولي والمجتمعي الحاصل في بلدان المشرق العربي. عدا كل ذلك، يفيد أن ندرك هنا أننا لا نتحدث عن تفوق إسرائيل، فقط، من الناحية العسكرية، ولا عن القوة المضافة التي تستمدها من علاقتها الخاصة بالغرب، ولاسيما بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تمحضها دعما لا محدودا، سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا، وإنما نتحدث فوق هذا وذاك، عن تقدمها الاقتصادي، وتطورها في مجال العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي، واهتمامها العالي بتنمية مواردها البشرية. علما أن الناتج السنوي لها بات يقدر بأكثر من ثلاثمائة بليون دولار، ومعدل دخل الفرد فيها وصل إلى 36 ألف دولار. وبديهي أننا هنا نتحدث، أيضاً، عن تميز نظامها السياسي، القائم على الفصل بين السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية (بدليل توجيه اتهامات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو)، وتداول السلطة، والاحتكام للديمقراطية (نسبة لمواطنيها اليهود)، حتى لو كانت ديمقراطية إثنية تميز ضد جماعة قومية أخرى (بسبب الدين)، وضمن ذلك احتكامها للانتخابات لحسم التوازنات الداخلية، وفق نظام القائمة النسبية على المستوى القطري (وليس المناطقي)، ما يتيح لمجمل الإسرائيليين التعبير عن توجهاتهم في الكنيست. وربما يجدر التنويه هنا إلى أن إسرائيل شهدت، منذ قيامها، 20 دورة انتخابية للكنيست (الدورة الـ 21 ستجري الشهر القادم)، طوال 70 عاما، بمعدل 3.5 سنة في كل مرة (فترة الكنيست أربعة أعوام)، وأنه تعاقب على رئاسة حكوماتها 12 شخصا، بمعدل حوالي ست سنوات للشخص الواحد، ينتمون إلى عديد من الأحزاب. طبعا هذا كله لا يعني أن إسرائيل لا يوجد فيها نقاط ضعف، فهي موجودة، في طابعها المتناقض بين كونها دولة دينية أو علمانية، أو بين كونها دولة عنصرية أو ديمقراطية، وبين كونها دولة لمواطنيها أو ليهود العالم، ناهيك التناقض بين الشرقيين والغربيين فيها، والأغنياء والفقراء، والمتعصبون والمنفتحون، هذا إضافة إلى التناقض بينها وبين محيطها، ولكنها مع ذلك تحل كل تلك التناقضات بطريقة إدارتها لأحوالها، والمشكلة هنا أنه لا يوجد، بين من يريد أن يواجهها، من هو قادر على استثمار التناقضات الداخلية فيها.