روضة الصائم

بناء المجتمع المسلم

حمادة السعيد - الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوق تحترم من جميع أعضائها.وكلما توافرت لها تلك المبادئ الإيمانية كلما أتت ثمارها وكان لبنة صالحة في بناء المجتمع بل إن الزواج يعد من أسباب الكمال النفسي والوجداني والعقلي وفي الزواج تتحقق أهداف أربعة ممثلة في النسل، والاستمتاع، وبلوغ الكمال الإنساني، والمشاركة لبناء الحياة. جاء في كتاب«الزواج في ظل الإسلام» لعبد الرحمن اليوسف: وقد دلت الإحصائيات الحديثة على أن المرأة لا تكمل نفسياً وجسديا وعقلياً أيضاً إلا بعد المولود الثالث فإذا كانت هذه الزوجة التي رزقت بأولاد ثلاثة في ظل أسرة متماسكة وفي ظل تربية سليمة وأهداف نبيلة بلغت المرأة كمالها الإنساني الذي قدره الله لها. فهذا يفسر التمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدم التي تسيطر على العوانس ممن حرمن نعمة الزواج والأولاد ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر المسلمين أمراً لازماً بتزويج العوانس والأرامل حيث قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله..} النور آية 32. والأيامى جمع أيم، والأيم هي التي مات زوجها، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة. فالعنوسة وكثرة الأيامى اللاتي لا يتزوجن من أكبر مشكلات المجتمع - والشاهد أن المرأة التي حرمت نعمة الزواج أو حرمت نعمة الأولاد امرأة ناقصة خلقياً وفكرياً وعقلياً، وإن كان هذا أحياناً بظلم المجتمع. والخلاصة أن الرجل لا يكمل عقله وتستقر نفسه إلا في ظل الزواج وكذلك الحال بالنسبة للمرأة. ويضيف صاحب كتاب «الزواج في ظل الإسلام» أن الحياة تفرض علينا أن نعيش في مجتمع، والمجتمع بناء كبير يتكون من لبنات. والوحدة الأولى من وحدات هذا المجتمع هو الفرد رجلاً كان أم امرأة. والرجل والمرأة مستقلاً كلاً منهما عن الآخر لا يستطيع أي منهما العيش، بل كل منهما محتاج للآخر حاجة شق النواة للشق الثاني بل حاجة الشيء إلى نفسه، ولذلك لا يمكن أن نبني مجتمعاً سليماً إلا بتكوين لبنة سليمة، ولا نستطيع أن نقول إن الرجل بنفسه لبنة واحدة ولذلك كانت الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع السليم، وبتعاون الزوجين تبنى الحياة، ولذلك فعقد الزواج يشابه عقود الشركة من هذا الوجه. أعني المشاركة في بناء الحياة وتحمّل أعبائها. وقال محمد الطاهر الجوابي في كتابه «المجتمع والأسرة في الإسلام» كلاما مفاده: إن الإسلام وضع منهجا دقيقا في بناء المجتمع المسلم، وهناك عدد من العناصر التي تؤثر في هذا المنهج أهمها عنصران، هما الإنسان، واعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة، فلبناء مجتمع مسلم متمسك بثوابته الإسلامية لا بد من الاهتمام بتربية الإنسان في كل المراحل والأحوال فرداً في الأسرة، وتلميذًا في المدرسة، وطالبًا في الجامعة، أو عاملًا في المصنع، أو موظفاً في الإدارة، ورجلًا كان أم امرأة. وتربيته في شتى المجالات تربية روحية، وبدنية، وعملية. وتعتمد مصادر التربية في الإسلام على القرآن الكريم، والسنة، واجتهادات أئمة أهل السنة، وما يستمد من الحياة مما تقتضيه، ولا يتعارض مع أحكام الشريعة. ومن هنا كان الاهتمام ببناء الأسرة كونها الخلية الأولى التي تنشأ فيها الأجيال، وتربى إلى أن يصير الأفراد أصحاب أسر، وتسند إلى بعضهم مهام اجتماعية متفاوتة بحيث يتولون كل المسؤوليات. متأثرين ومؤثرين في مجتمعهم تبعا لتربيتهم ومدى تولي هؤلاء الأفراد المسؤوليات الاجتماعية. ومن ثم تأثيرهم بما تلقوه من تربية في أسرهم، وهم يمارسون مسؤولياتهم. وكي تؤدي الأسرة هذه الوظيفة التربوية ينبغي توفّر عدد من الشروط منها صلاح مؤسسيها: الزوج والزوجة ومن معهما. واعتمادهما في تربية الأطفال على التربية الإسلامية بدءًا من العقيدة إلى الإعداد للحياة. وتعاون الأسرة مع المؤسسات الأخرى كالمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، على تربية النشء. فإذا توافرت هذه الشروط، وتمسك المجتمع المسلم بثوابته من إسلام، ولغة، ومصالح، وأهداف مشتركة، وغيرها، أنتجت الأسر أجيالًا متعاقبة تلتزم بالقيم الإسلامية الثابتة علمًا وتطبيقًا، وتطلب العلم وتتصف بالوعي. وقال محب الدين الخطيب في كتابه «الجيل المثالي» كلاما مفاده أن أي مجتمع يحلم بوجود جيل مثالي نتاج أسرة مثالية تربت ونشأت وفق المنهج الرباني الذي ارتضاه الله لعباده فمن أيام أفلاطون (430 -348 ق. م) وكتابه «الجمهورية». ثم من عصر أبى نصر الفارابي (260-339هـ) وكتابه «المدينة الفاضلة». إلى زمن السر توماس مور (1478-1535) وكتابه «يوتوبيا» من تلك العصور والأزمان - إلى يوم الناس هذا - والإنسانية تحلم بالجيل المثالي الذي يود البشر لو يظفرون به فيتخذونه قدوة لهم في السلم والحرب، والمنشط والكره في مختلف أطوار الحياة، ليكون لهم من كماله الإمكاني المثل المقتدى به في كمالهم الإنساني. وهى أمنية من أماني الشعوب والأمم، من أقدم الأزمان إلى الآن، تحدث عنها الحكماء، وتغنى بها الشعراء، وترنم بها رخيم أصوات الهاتفين، وهمس بها صفوة الضارعين والمناجين، بل إن «الجيل المثالي» هو الذي دعا إلى تكوينه وعمل على تحقيقه الأنبياء من أولي العزم، وهو الذي تمناه الحكماء وأهل العلم، وهو الذي كانت الإنسانية ولا تزال ترنو إليه في أحلام يقظاتها وفترات غفواتها. تريث موسى بقومه في آفاق العريش وبرية سيناء وصحارى النقب وحوالي بئر سبع أربعين حولا يلتحف معهم سحائب السماء ويفترش أديم الغبراء، وهو يحاول أن يربي منهم جيلا مثاليا يستن بسنن الله، ويتخلق بأخلاق الرفق والحزم والتضحية والاستقامة والاعتدال، فيرضى بها عن ربه ويرضى ربه عنه، ثم مات موسى ولم يبلغ من أمته هذه الأمنية. فالإنسانية من أقدم أزمانها، وفي مختلف أوطانها، لم تشهد «الجيل المثالي» إلا مرة واحدة حين فوجئت بإقباله عليها من صحارى أرض العرب يدعو إلى الحق والخير بالقوة والرحمة، فكان ذلك مفاجأة عجيبة لكل من شهد هذا الحادث التاريخي الفذ ممن كان وقتها على اختلاف أجناسهم. وكانت المفاجأة عجيبة - بمصدرها، وكيفيتها، وأطوارها - ثم كانت عجيبة العجائب بنتائجها التي لا تزال إلى اليوم من معجزات التاريخ.أين كان هؤلاء؟ وكيف تكونوا على حين غفلة من الأمم؟ وما هذه الرسالة التي يحملونها؟ وكيف نجحت؟ وما هي وسائل نجاحها ؟ سلسلة من الأسئلة لا يكاد الناس يتساءلون بأولها حتى يفاجأوا بما ينسيهم تاليه أوله. إلى أن رأوا من صفات هذه الأمة المثالية ما أيقنوا به أنها تحمل إلى الإنسانية رسالة الحق والخير، وأنها تترجم عن رسالتها بأخلاقها، وسيرتها وأعمالها، وأن الذي اعتقدته وتخلقت به ودعت الأمم إليه هو الحق الذي قامت به السماوات والأرض.وأول ما نعلمه ونؤمن به من أسباب الكمال في هذا الجيل المثالي أنه تلقى تربيته على يد معلم الناس الخير خاتم رسل الله المبعوث بأكمل رسالات الله صلى الله عليه وسلم.