روضة الصائم

رسالة النبى الكريم إلى أهل نجران «اقتراح المباهلة.. وإسلام بعضهم»

1219346
 
1219346
إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت - لم يكن «النبى» صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك اتخذ كتاباً من أصحابه رضي الله عنهم، يكتبون له فى مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه ، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره. ولما أراد «النبى» صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) فى أعلى الدائرة، وفى الوسط كلمة(رسول)، وفى الأسفل كلمة (محمد). ولم تكن رسائل «النبى» صلى الله عليه وسلم مؤرخة بتاريخ، إذ لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبى صلى الله عليه وسلم بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب فى الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها. يقول الدكتور محمد أمين شاكر حلواني في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبى(ص) إلى الملوك والأمراء»، أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قد كتب كتابا إلى«أبي حارثة» أسقف نجران دعا فيه أهالي نجران إلى الإسلام، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول صلَّى الله عليه وسلم والاحتجاج أو التفاوض معه، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة - بأمر من الله - فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما، وهو اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 10 هجرية ، فأسلم بعضهم، وأقر بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو النبى المنتظر، وبقى أكثرهم على نصرانيته. نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي، إلى الأسقف أبى الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم ومن تبعهم، إن لهم ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه،على ذلك جوار الله أبداً ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم ولا ظالمين. وكتبه المغيرة بن شعبة. والمغيرة بن شعبة الثقفي، أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها، وشهد بيعة الرضوان، ولاه عمر رضي الله عنه على الكوفة، وأقره عثمان رضي الله عنه ثم عزله. ونجران بادية في مشارق اليمن. «وثيقة نجران» يضيف د.محمد عمارة في كتاب«الإسلام والآخر» وفي قراءة مـتأنية لنص العهد النبوى لنصارى نجران نجد أن العهد لم يكن لنصارى نجران فقط، إنما للمسيحيين عموما. والأمر الثاني هو ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وهو الالتزام الإسلامي بنص العهد، فهو لم يكن محددا بمسلمي الفترة الزمنية التي صدر فيها، ولكنه نص ملزم لكل المسلمين في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة. يؤكد الأمر الأول ما ورد في مقدمة العهد حيث يقول: «هذا كتاب أمان من الله ورسوله، إلى الذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شيء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبدالله، رسول الله إلى الناس كافة؛ ذمة لهم من الله ورسوله». ويؤكد الأمر الثاني قوله: «إنه عهد عهده إلى المسلمين من بعده. عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة ولا لذي شيعة من السلطان وغيره نقضه ولا تعديه إلى غيره، ولا حمل مؤونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة في هذا الكتاب. فمن حفظه ورعاه ووفّى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمة رسول الله. ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدله فعليه وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين». يذكر في مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأهل نجران قال: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل نجران أنه كان له عليهم..»أن أحمي جانبهم -أي النصارى- وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح حيث كانوا من جبل أو واد أو مغار أو عمران أو سهل أو رمل، وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا؛ من بر أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به نفسي وخاصتي، وأهل الإسلام من ملتي. أن أدخلهم في ذمتي وميثاقي وأماني، من كل أذى ومكروه أو مؤونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابا عنهم كل عدو يريدني وإياهم بسوء، بنفسي وأعواني وأتباعي وأهل ملتي. أن أعزل عنهم الأذى في المؤن التي حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شيء من ذلك. لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء من بنائهم في شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمة الله. ألا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئا من الجزية أو الخراج.لا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام.{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(سورة العنكبوت: الآية 46). ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم الأذى حيث كانوا من البلاد. إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذب عنه والغرم عن جريرته، والدخول في الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما من عليه، أو يفادي به. لا يرفضوا ولا يخذلوا ولا يتركوا هملا، لأني أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. على المسلمين ما عليهم بالعهد الذي استوجبوا حق الذمام، والذب عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كل مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم. لهم إن احتاجوا في مرمة -ترميم- بيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها - ترميمها، أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ووفاء بعهد رسول الله موهبة لهم ومنة لله ورسوله عليهم. ولن يفيض أكثر من الحديث عن هذا الموقف الديني المبدئي الشرعي التأسيسي لعلاقات المسلمين بالمسيحيين. وهو موقف التزم به الخلفاء الراشدون من بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذا لوصاياه.