الحياة السرية لراقصي الباليه يترجمها نتفليكس في "أشياء صغيرة وجميلة"..
الثلاثاء / 19 / جمادى الآخرة / 1442 هـ - 21:32 - الثلاثاء 2 فبراير 2021 21:32
1582013_228
غموض وتشويق.. وتنافس تعقبه جريمة -
كتبت- شذى البلوشية -
كانت رقصتها الأخيرة من على السطح، مدت ذراعيها كأنها تعانق ذرات الهواء من حولها، وسلمت جسدها للرياح، أغمضت عينيها، واستسلمت روحها لصوت الموسيقى في أعماقها، وقوفا على أطراف أصابع قدميها، حيث اعتادت على ذلك تلقائيا، وبدأت تدور حول نفسها بثبات، كما لا يمكن أن يكون هناك ثبات يضاهي ذاك الدوران، بمرونة وخفة تحلق، وفجأة تسقط بعد أن دفعت عنوة، لتظهر راقصة الباليه وسط الشارع وقد تلطخ فستانها الأبيض بالدماء. هكذا كان مشهد البداية في مسلسل 'أشياء صغيرة وجميلة'، الذي يروي قصة مجموعة من راقصي الباليه، يعيشون تحديات الثبات في مدرسة 'آرتشر' الشهيرة في شيكاغو، كما ثباتهم في الوقوف على أطراف أصابعهم أثناء الرقص، والتنافس للحصول على الرقصة الفردية التي تضع الأضواء على راقص دون غيره، قصة تدخل في عمق البداية لكل راقص، وتتوغل في تاريخ هذا الفن الراقي الذي يظهر الراقص على أنه فنان يشار له بالبنان، ويخفي مصاعب وتحديات يواجهها الراقصون أثناء فترة تدريبهم ودراستهم، وحقائق قاسية أخرى تتضح في كل حلقة في نفق الظلام. 'نيفيا' راقصة سمراء تحل محل 'كاسي' بعد حادث سقوطها من أعلى مبنى المدرسة، وتلزم 'الأخيرة' فراش المستشفى في غيبوبة طويلة، وتكشفت 'نيفيا' أن السقوط الغامض لم يكن لأنها فقدت التوازن وهي ترقص، ولكنها بفعل فاعل، وتبدأ الخيوط تتشابك مع بعضها، لاسيما بعد باليه 'السفاح' الذي فرضها 'رامون' على الراقصين للتدريب عليها، رغم الوحشية التي تتسم بها، وتقود 'نيفيا' حملة التمرد على المشاركة في 'السفاح'، وتلك الحملة هي من جمعت الراقصين يدا واحدة ضد السلطة الإدارية التي تفرض عليهم العديد من القيود والمصاعب. المسلسل يختار طريقة مميزة للتشويق، وهي الهواجس التي تعشعش في ذهن الشخص، وتخرج على هيئة كوابيس، كلّ حسب الشيء الذي يخيفه أو يدور في ذهنه، ويختار المخرج لقطات من تلك الكوابيس في بداية كل حلقة، أو في منتصفها، ويتمكن من خلالها أن يشد المشاهد لحدث غريب وفريد من نوعه، دون الإدراك في بدايته أنه مجرد كابوس. البطولة الجماعية التي هي أحد أسباب قوة المسلسل، كانت أحد عناصر التشويق أيضا، فالمشاهد يعيش حالة من الفضول لمعرفة مجريات الأحداث لكل بطل، كما أن المسلسل يسعى ليثبت أنه في عالم رقص الباليه إن كانت الأرواح متآلفة فيمكن للرقصة الجماعية أن تظهر بشكل أكثر احترافية، فالباليه مرتبط بالعاطفة الداخلية، وهي رقصة تحتاج إلى مرونة الجسد والروح معا، كما أن عامل الثقة في حد ذاته يعطي انطباعا أن الجسدين يصبحان جسدا واحدا، فالراقص يمكن أن يطير ويقفز عاليا في الهواء إن كان على ثقة أن يدا الراقص الآخر سوف تلتقطه بحرص. عادة تكون المسلسلات التي يمتلك أصحابها حرفة أو مهارة معينة، يكون أبطالها من ذوي القدرة المنخفضة في التمثيل، ولكن ما يميز هذا المسلسل أن أبطالها إلى جانب القدرة والمهارة في رقص الباليه، هم أيضا نجوم في التمثيل وتقمص كل شخص منهم الدور بمهارة، وعلى الرغم أن أبرز ممثلة في المسلسل هي كايلي جيفيرسون التي تؤدي دور 'نيفيا' وقد أدت الدور بتمكن إلا أنها ليست ممثلة وإنما هي أصلا راقصة باليه أمريكية، إضافة إلى وجود كازيمير جوليتي التي تؤدي دور 'بيت' وهي ممثلة تخرجت من مدرسة باليه، والممثل برينن كلوست الذي يؤدي دور 'شاين' هو أيضا متخرج من مدرسة كندية لرقص الباليه. المسلسل من الإصدارات الحديثة لنتفليكس، ورغم ما يشاع عن راقصي الباليه حول الاهتمام الشديد بصحة الجسد، والتغذية القليلة التي هي ركيزة أساسية في حياة الراقص حتى لا يزداد وزنه ويؤثر ذلك سلبا على مقدرته الجسدية ومرونته في أداء الحركات، إلا أن المسلسل لم يركز كثيرا على هذا الجانب، بل على العكس تماما نرى أن راقصي الباليه في المسلسل يتجهون كثيرا إلى جانب سلبي مؤثر على الجسد، كتعاطي المخدرات سرا، وغيرها من السلوكيات التي تمنعها مدرسة آرتشر كغيرها من مدارس الباليه الاحتارفية، وربما يستغل المسلسل المشاهد الإباحية لتكون أحد أسباب الجذب، ولكن من وجهة نظري أرى أن تلك المشاهد، وعالم الظلام الذي يخفيه راقصو الباليه في حياتهم، ليس إلا وجها من أوجه حياة المشاهير المخفية، يظهرون على المسارح بكامل إشعاعهم للنور والجمال، وفي باطنها حياة تعيسة تتسم بالكثير والكثير مما يرضي الرغبات المنحرفة، ولا تخرج من المسلسل في ختامه إلا بشعور التوغل في الوحل الذي يطمس بداخله الجمال. ورغم العالم المليء بالأكاذيب والخيانة والوحشية الذي يعيشه راقصو الباليه في المسلسل، إلا أن المشاهد الذي يشعر بالجمال عند الاستماع لصوت الموسيقى وحركة راقص الباليه سيكون على موعد مع رقصات مختلفة، وحركات وكلمات يتشوق إلى متابعتها بحرص، وكأنك تحضر عرضا مباشرا لأحد العروض التي تتابعها منذ مرحلة التدريب عليها، وتطويرها، وتحسين حركات المشاركين فيها، وصولا إلى عرض على خشبة المسرح، ينتهي بتصفيق الجمهور، وحفلات نجاح العروض، وما يعقبها من فرحة.