المنوعات

ظِلّ متحجر لطائر لا يهدأ.. قصص تشتبك مع الفلسفة

1353762
 
1353762
عمّان، العمانية: تطرح نصوص القاص الجزائري عبد الرزاق بوكبّة في مجموعته “ظِلّ متحجّر لطائر لا يهدأ، سؤالاً برسم الإجابة: هل يمكن أن تغوص القصة القصيرة جدًا في حقل الفلسفة؟ ولا تتأخر الإجابة كثيرًا حينما نعلم أن المساحة التي توفرها القصة القصيرة جدًا، أو كما أسماها بوكبّة “القصة القصيرة كثيرًا”، تقوم على مثلث الكثافة والاختزال والصورة كأضلاع متساوية لتقديم النص الخالص المصفّى، الذي يتخفف من الثرثرة والزوائد والإطالة. وهذا واحد من الجوانب الشكلية التي يحوزها النص ويسعى لها الكاتب بإدراك عميق لمفهوم القصة القصيرة جدًا ومراميها بوصفها مقولة جدلية لا تتوقف عند التصوير والوصف، وإنما تعاين أفكارًا غالبًا ما أنكرتها القصة لمصلحة الصورة واللغة. في المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون، صورة ذهنية تنبش المسكوت عنه لمقارعة أسئلة الفلسفة وملامستها بشعرية عذبة تنزع عنها ثقلها وتجهمها ووعورتها، وتصيّرها حدثًا يوميًا متداولًا بحنكة القاص، وأحيانًا باحتيالاته باللعب على اللغة التي ظهرت في مفارقة العنوان، ووصفه لنصوص المجموعة بأنها “قصص قصيرة كثيرًا. وتتجلى تلك الفلسفة في اختيار عناوين القصص التي جاءت كعتبات مفردة، معرّفة كذوات متعينة بقصد، لتدلّ على بنية النص وتفاصيله ومغزاه بلا مواربة. ويختار القاص عناوين مثل: “المفكر، والشاعر، والسائح، والكوني، والصوفي، والكاتب، والفلكي”. وهي أسماء وصفات تحيل للمعنى المباشر الذي تنطوي عليه البطاقة التعريفية لبطل القصة، والتي تحرّض المتلقي على معرفة التفاصيل، فالعنوان هنا يمثل شرْكاً وفخّاً للدخول إلى القصة. ويقول الكاتب المغربي عبدالله المتقي في تقديمه للمجموعة: “هذا النمط من الكتابة يؤثّر في المتلقي أكثر مما يؤثر في السامع؛ لأن الإيحاء المقصود هو أسلوب استفزاز بنمط الكتابة كما في الفنون البصرية. ويضيف المتقي بقوله: إن هذه المجموعة “تشنّ حربًا عن قصد على الذات والواقع، لتحكي لنا عن الواقع الساخن وأجوائه، حيث تتفاعل ثيمات كبرى وحساسة في أعماق الذات والخارج”. في قصص بوكبّة، رغم صِغَر مساحة القصة وحجمها وقلّة عدد كلماتها، هناك انفتاح على القضايا الكبرى والكون، كما يتراءى في متخيّل أبطالها وإيماءاتهم وأسئلتهم وصمتهم أحيانًا، وهي إشارات يقولها القاص برشاقة الومضة وقصف الرعد وشعاع البرق الذي يضيء ما حول الإنسان فيرى المَشاهد كحركة سينمائية لشريط فيلم يمضي بسرعة. ومن أجواء المجموعة، وضمن نصّ بعنوان “المستقبليّ: “تسلّق قامته حافيًا وحين بلغَ مخّه، أداسَ على خلايا الحنين”. ومن نصّ “الكوني: “ذَرَعَ المدينة نائماً، وهو يحلم بأن يذرَعَها صاحياً، كي يقارنَ بين وشم جدّته، وزرقة البحر ثم يقيم في الاختلاف. يشار إلى أن بوكبّة صدر له في القصة والرواية والنصوص وأدب الرحلة كتب من بينها: “أجنحة لمزاج الذئب الأبيض، وتليها فصول الجبّة” (2008)، “من دسّ خُفَّ سيبويه في الرّمل؟” (2011)، “ندبة الهلالي: من قال للشمعة أحْ؟” (2013) “وحم أعلى المزاج” (2015)، “كفن للموت” (2015)، ويدان لثلاث بنات” (2017).