المنوعات

رسولة العطر لأمل المشايخ.. يجعل من الغياب حضورًا متحققًا

1353818
 
1353818
عمّان، العمانية: تستعيد الكاتبة أمل المشايخ في كتابها «رسولة العطر» مجموعة من الرسائل والنصوص والحوارات التي تبادلتها مع رفيق دربها الشاعر الراحل عاطف الفراية. ولا تبدو نصوص الكتاب مجردَ نصوص تداوليّة، بل هي قطع أدبية مكثفة، بلغة شعرية تفيض بالصور، وتنطوي على مساحة كبيرة من المشاعر والعواطف المشبعة بالحس الإنساني الشفيف، والجماليات الفنية، والأسئلة الوجودية التي تجعل منها نصوصاً تنتمي لقصيدة النثر أحيانًا، وللومضة والقصة القصيرة جدًا أحيانًا أخرى. ويمكن تصنيف هذه النصوص ضمن «أدب الرسائل» في بعده الحداثي ولغته المعاصرة وتقنياته التي تفيد من تقنيات العصر. وتقول المشايخ عن تجربتها هذه: «هي نصوص فيها لغة من الشعر.. تركتُها هكذا كما قُدّر لها أن تخرج من القلب والروح.. فيها من الذكريات الكثير، وفيها من حواريات مشتركة، وفيها مراسلات وردّ على الخاص وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». وإذا كانت فكرة الكتابة هي تعبير عن السعي للخلود، فإنّ نصوص المشايخ تمثّل منازلةً في مواجهة الغياب. تقول: «كلانا حاضر كلانا غائب تعبَ ذياك الهدهد الطيب في ما بيننا امتلأت الأسفار ولمّا يبزغ الفجر على الدرب إسراء الشوق وفي الأفق معراج الحنين». ولا تركن المشايخ للحالة الاستذكارية الندبية، بل تُقدّم نصوصًا غنية تختزل التجربة، وتنوّع بين الومضة والقصة القصيرة واللقطة الفوتوغرافية والصورة السينمائية، ورجْع الحلم بجماليات البلاغة التي تقوم على المجاز والتناص، وتشابكات النصوص مع صوت الشاعر عاطف الفراية الذي يبدو هامسًا في تلافيف الكلام، وتورق مفرداته كشقائق النعمان في فضاء النص. وفي هذه النصوص، تسيل الكلمات خافتة بين مفردات الكاتبة وأصداء صوت يجيء من بعيد كصوت نايٍ لراعٍ يتردد لحنه على سفوح الجبال وقيعان الوديان، وهو الصوت الذي لم يكتمل وبقي معلّقاً بين الأمنيات والأحلام والحضور والغياب. ومن نص «رسولة العطر»: «هذا عطر الخزامى إذ يعمّ الكون وذاك مطر تشرين إذ ينهمر دافقًا على روضة تضم عينيك.. خزامى ومطر وتشرين وعيناك تلك حكاية الكون، تامة تامة وما أنا إلّا رسولة العطر». يشتمل الكتاب على 94 نصًا، وخمسة نصوص بعنوان «أغنيات للحرية»، هي في الحقيقة رسائل حب، ولكنها تشعُّ بألم لا يتوقف عند ملامسة الجلد، بل ينفذ لمسام الروح وجدران القلب. هو ألم شفيف مزخرف بحرير اللغة، وألوان قوس قزح، وحرقة الحرف، وماء الشعر حينما ينزّ من الجرح بلون الدم، ويترك خدوشاً لا تندمل.. وألم يضارع ما نبحث عنه من الحرية التي نحلم بها فنقع في وجعها حينما ننكأ الذكريات. وتمثل «رسولة العطر» مجموعةً من نصوص الغزل المؤجل التي خبّأتها الكاتبة للّقاء، وهي نصوص تسعى للخلود بتدوينها على جدار الروح، ونقشها على حجارة أماكن الصبا وقيعان أوديتها، لا لتحقق الذكرى فحسب، وإنما لتجعل من الغياب حضورًا متحققًا وواقعيًا في النص، كما هو في الحياة باستعادة أسطورة الفينيق، ولكن بصوت الكاتية وحكايتها. من نص «طائر الفينيق»: «في كلِّ مساءٍ يأتي طائرُ الفينيقِ يحملُني وقبلَ أنْ يغدوَ رمادًا أتسلَّلُ منْ مدارِه عَلِّي أصلُ إليكَ بالأمسِ -وللمرَّةِ الأولى- ترفَّقَ بي الفينيقُ لمْ يغدُ رمادًا طارَ بي بعيداً بعيدًا.... تحتَ السِّدرةِ كنَّا ندورُ ندورُ ثمَّ ندورُ أردْنا أنْ نرسمَ قلباً وحرفين كما يفعلُ عاشقان صغيران يتجرَّعان كأسَ الحبِّ للمرَّةِ الأولى على السِّدرةِ ثمَّةَ صِغارٌ يطوفون بالعاشقين كانوا يعابثون الفينيقَ ويصفِّقُ بأجنحتِه ما زلْنا نحاولُ أنْ نرسمَ قلباً وحرفين عادَ الفينيقُ إلى الأرضِ وحيداً يا بؤسَها الأحلام!».