إشراقات

النظافة :لا مساومة على الصحة

علي بن سعيد العلياني - أغلى ما يمتلك الإنسان في حياته هو الصحة التي يستطيع من خلالها أن يؤدي دوره في هذه الحياة على أكمل وجه وبدونها يفقد طعم الحياة ويتوقف نشاطه وتزيد آلامه وينقلب الفرح حزناً والبهجة تتحول إلى ضيق والفرق بين هذه وتلك هو الواقع فما أسعد الإنسان صاحب البدن الصحيح وما أتعس المريض المعتل الذي يصبح ويمسي على وقع الأنين والآهات في منظر يجلب الشفقة ويبعث على الأسى والحسرة ويضيع أوقاتا غالية من أعمارنا، إذا الصحة لا مساومة عليها ولا اختيار غيرها مهما كلف من أثمان واستهلك من تضحيات، فالمعادلة بالضبط أنت صحيح أنت سعيد أنت مريض أنت تعيس، من هنا وجب على الإنسان أن يسعى إلى الصحة بكل الطرق والسبل الممكنة ومعلوم أن الوقاية خير من العلاج وكما يقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج، والنظافة وقاية من الأمراض والآفات ومن أذى الحشرات الضارة، كما أن النظافة تشيع في الأجواء البهجة والسعادة، ولذلك فالنظافة ليست من الخيارات المستحبة أو المندوبة بل هي فرض أملتها الضرورة التي تقتضي أن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة التي يسببها إهمال النظافة الخاصة أو العامة والله يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) لذلك لا مساومة على الصحة من أجل بناء جيل قوي قادر على أداء رسالته في الحياة وانتشال هذه الأمة من براثن الفقر والجوع والمرض عن طريق تبني سياسات تقوم أسسها على قاعدة الوقاية خير من العلاج . فالأوقات ثمينة لأجل أن تستغل في البناء والعطاء والإنتاج بدل أن تهدر في ردهات الأمراض والأوجاع والضعف والوهن وتضيع في الذهاب والإياب من وإلى المستشفيات وبين أروقة المؤسسات الصحية المختلفة. والصحة هي العمر الحقيقي، والإنسان يريد أن يعيش حياته بدون منغصات تشغله أو أكدار تعطل قدرته على الحياة الهانئة المستقرة وبالتالي من يريد أن يعيش الحياة القائمة على بناء أجسام قوية قادرة على تحمل المسؤوليات وأداء المهام والنهوض بالأعباء الملقاة على عاتقه فليبادر إلى العناية بالنظافة الخاصة والعامة فهي مسؤولية الجميع كل حسب موقعه وقدرته على العطاء في هذا الجانب. ولأنها الآمال تبنى على الأجسام القوية، ولأن القوة مردها إلى وجود بيئة نظيفة مرتبة خالية من كل الملوثات والنفايات الضارة لذلك نجد أن الواجب يحتم علينا أن تكون مشاركتنا في تنقية أجواء بيئتنا من الواجبات الملزمة التي لا محيص عنها ولا تراجع مهما كانت التحديات والحواجز والعقبات. لا مساومة على الصحة، فالنظافة هي عنوان التقدم والرقي ولن يتأتى التقدم ولا الرقي إلا باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حياتنا وتستحق بذل المال والحال من أجل أن يبقى الحال في أحسن حالاته، والمال ينمو يوماً بعد يوم من خلال إمداد الجسم بالنشاط والحيوية ليبث روح الأمل في العمل والعطاء. وهكذا سنجد هذه المعطيات هي دورة الحياة الحقيقية؛ فكل عطاء أو بذل يخرج من هذه الدورة عطاءات مضاعفة في النفس والمال. ولا مساومة على الصحة ما دمنا نحلم بالعيش في أجواء الأمم المتحضرة ونلحق بركب التقدم، وما دمنا نريد أن نعيش بعيداً عن أجواء التخلف والفقر والبؤس والمرض فلا تخاذل ولا تكاسل ولا نكوص أمام الأوضاع إذا كانت غير مهيأة أو غير صالحة لبناء أمة قوية لأننا في زمن لا مكان فيه للضعفاء المتخاذلين. ونحن في عصر أثبتت فيه الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك أن النظافة هي أساس كل تقدم أو رقي أو ازدهار. ولا مساومة على الصحة ما دام لدينا الوعي بأهمية النظافة في حياتنا من حيث دورها الإيجابي في إمدادنا بالصحة والسعادة اللازمين لبناء أي نهضة على وجه هذه البسيطة. لا مساومة على الصحة؛ لأنها حياة قائمة على المحافظة على النظافة التي نمارسها في عباداتنا. وهي جزء لا يتجزأ من مستلزمات قبول أهم أركان الإسلام وهي الصلاة، فلا صلاة بدون وضوء، والوضوء هو طهارة البدن، والصلاة تستدعي أن يكون لباسنا وأجسامنا والمكان الذي نصلي فيه، كلها طاهرة. لا مساومة على الصحة، فإن ديننا الحنيف أدخل مسألة النظافة في شأن الطاعات والقربات، فقراءة القرآن والطواف بالبيت العتيق. كما أنه يندب إليها في المناسبات والشعائر العامة والأعياد، فصلاة الجمعة والعيدين يستحب الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الملابس. لا مساومة على الصحة، فالأمر النبوي: «نظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود» يعلمنا أن نظافة المكان واجبة يحتمها علينا الواقع لأجل الحفاظ على صحتنا؛ لأن تنظيف الأفنية مرده إلى إبعاد كل منظر غير محبب، بالإضافة إلى إبعاد الآفات الناتجة عن تكاثر الحشرات الضارة والميكروبات والبكتيريا. نظفوا أفنيتكم أمر مرده إلى أن نعيش الجمال في بيوتنا مثالاً وقدوة لنكسب الاحترام والتقدير ونقدر ذواتنا قدرها، فالإنسانية هي التي تملي علينا أن نكون أصحاب ذوق رفيع وأن نتمتع بجمال النفس قبل أن نتحلى بجمال الملبس والمظهر. لا مساومة على الصحة في ظل تنامي الطفرة السكانية والعمرانية وبالتالي تضاعف الأعباء الملقاة على عواتقنا في إيجاد بيئة نظيفة نتخطى بها سلبيات هذه الطفرة وصولاً إلى الخروج بأقل الخسائر الممكنة، إذا لم نستطع الخروج مرفوعي الرؤوس من خلال إيجاد بيئة صحية نظيفة فلنعلم أننا خسرنا الرهان وسيتراكم الفشل وتتضاعف الخيبات وسيكرس من خلال هذا التعثر وضعاً مأساوياً يرجعنا إلى مربع الصفر، وهذا ما لا نتمناه ولا نتصوره فنحن قادرون على تخطي كل العقبات بالعزيمة والإصرار والتضحية بالغالي والنفيس. لا مساومة على الصحة في ظل انتشار الأوبئة واستفحال الأمراض بسبب الإهمال المقصود أو غير المقصود في جانب تنقية البيئة من الملوثات أو الاعتداء على البيئة بإيجاد مصادر تلوث تزيد من تفاقم الأوضاع الصحية. لا مساومة على الصحة، لا بد أن نقبل التحدي ونواصل المسير نحو الوجهة الصحيحة التي نستطيع من خلالها إظهار الجانب الجمالي والصحي للمحافظة على نظافة البيئة من خلال تبني سياسات وحزمة قواعد سواء كانت اجتماعية أو فردية وفي النهاية لا بد من الإصرار على أداء واجبنا لأننا مسؤولون أمام الله وأمام مجتمعنا وأمام أنفسنا. لا مساومة على صحتنا لأنها أساس سعادتنا وقوتنا أساس رقينا وتقدمنا، فالصحة هي إكسير الحياة الذي لا غنى عنه وبدونه نفقد طعمها وتسود الدنيا في وجوهنا ومعلوم أن الصحة هي نتاج طبيعي للمحافظة على نظافة البيئة، كلما زاد الاهتمام بالنظافة أبعدنا عن أنفسنا الأمراض والآفات، وكلما قل الاهتمام بجانب نظافة البيئة زادت الأمراض الفتاكة واتسعت رقعة تأثيرها. لا مساومة على الصحة ما دامت هي الأساس الذي تبنى عليه الحضارات وتزدهر به الأمم وبالتالي لا تراخي ولا تخاذل ولا تراجع عن اتباع النهج السليم الذي يضمن لنا بيئة نظيفة جميلة يضيق فيها الخناق على الأوبئة والأمراض وتكون مكاناً آمناً من كل العواقب الوخيمة الناجمة عن التقصير في معالجة كل مشكلة ناجمة عن التعدي على حق البيئة في أن تكون نظيفة جميلة مرتبة. لا مساومة على الصحة ما دمنا مقتنعين أنها الطريق الوحيد الذي يضمن لنا تربية جيل قوي قادر على حمل أعباء هذه الحياة بكل ما تعنيه الكلمة، بحيث يكون جيلاً يتمتع بالصحة اللازمة ليتفرغ للعطاء والبناء والتعلم والإنجاز وهكذا هي الحياة، فالعقل السليم في الجسم السليم، والوقاية خير من العلاج. لا مساومة على الصحة في ظل عالم يتسابق إلى توفير جو صحي عن طريق إعطاء مكافحة التلوث البيئي أهمية بالغة فقد نشطت الدول المتقدمة في هذا المجال أيما نشاط، فالفلترة بالنسبة للأدخنة واعتماد طرق صحية في التخلص من النفايات الصلبة وغير الصلبة وإقامة المتنزهات وزراعة الأشجار القادرة على تغطية المفقود من الأكسجين بسبب وجود الثورة الصناعية التي خلقت وضعاً مختلفاً لأن المصانع أطلق لها العنان في تلويث الهواء بثاني أكسيد الكربون. لا مساومة على الصحة، فالمصطفى عليه الصلاة والسلام يقول: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». فالإسلام دين القوة، والقوة نتاج الصحة، والصحة أساسها المحافظة على البيئة واستغلالها، بحيث تكون في خدمة الناس وليس مصدراً للضرر والإيذاء. ولذلك نجد أن الإسلام يحافظ على مصدر القوة، فالنظافة في الإسلام أساس لا يفرط فيه حتى تحت ضغط أصعب الظروف، فليس هناك عذر يسمح فيه بجعل البيئة غير نظيفة وليس هناك تهاون في هذا الباب، «أما وجد ما يغسل به ثوبا»، «أما وجد ما يسكن به شعره»، حتى الجانب الجمالي والمظهر الحسن ليس فيه عذر أن يتجاهل أو يترك، بل هو مأمور به (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد). وهكذا هو الإسلام لا يستثني أحدا من المحافظة على النظافة لأنها طريق القوة والازدهار. وختاماً، الصحة مسؤولية الجميع ما دمنا نعلم جميعاً أن أساسها النظافة، والدين والعرق والتقاليد والواقع يفرض علينا التعاون في هذا الجانب كل من موقعه. والصحة كما هي مسؤولية الجميع، هي مكسب يسر الجميع، وأي خسارة إنها فقدان الحياة وتجرع الآلام والمرارة والحسرات.