رواية «الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن».. هل تقع حرب عالمية ثالثة؟
الجمعة / 29 / ربيع الثاني / 1441 هـ - 22:42 - الجمعة 27 ديسمبر 2019 22:42
54444
عمّان «العمانية»: قد يوحي العنوان الطويل للرواية الأخيرة للكاتب الفلسطيني هشام عبده بأنه مشتق من أنماط العنونة التراثية في كتب الأدب والتاريخ العربي، لكنه ليس كذلك، فـ«الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن» عنوان مستعار من كلمة السر لعملية قصف نووي كان يمكن أن توقع حربا عالمية ثالثة تهدد بإبادة الأرض ومَن عليها.
ومع أن وقائع الرواية الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» متخيلة، إلا أن ذلك لا ينفي واقعيتها وإمكانية وقوع مثل هذا الفعل الكارثي على يد «إسرائيل» التي أطلق عليها الروائي اسم «دولة التنوئيل».
وتتلخص أحداث الرواية في وقوع جريمة قتل في برْكة سباحة يذهب ضحيتَها أكاديميّ مسنّ، يُدرّس مادة الحاسوب، كان يرفض قرار الدولة في استصدار بطاقة بيومتريَّة للمواطنين لاعتقاده أنها يمكن أن تشكل تهديداً أمنيا للناس. وفي محاولة منه لإثبات مقدرته على اختراق الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع، يكتشف سرا خطيرا يتلخص في «عملية شمشوم» التي يقررها الرئيس لقصف مفاعل لدولة في المنطقة.
ويحتفظ الأكاديمي بتفاصيل الخطة ويحتفظ بها قبل مقتله عند إحدى طالباته، التي تسلمها بدورها لصديقة من القدس تقرر هي الأخرى السفر إلى النمسا لتسليم الوثائق إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتلتقي الفتاة التي تتعرض لمحاولة اغتيال، مع ابنة الأكاديمي، وتنجح في تنفيذ مهمتها تاركة رئيس الوكالة يجري اتصالاته لإبطال العملية وإنقاذ العالم.
تقع الرواية بين الخيال والواقعية والرمزية والبوليسية والتجسس، وبما يشد القارئ منذ سطورها الأولى، فالرواية تتلمس تعقيدات الروائية «أجاثا كريستي» وتمويهاتها، وكذلك ألغاز «دان براون» وشيفراته، بل إنها تتقاطع في وقائعها مع سيرة بطل «شيفرة دافنشي» العالِم الذي قُتل على يد قوى شريرة بعد اكتشافه سرها، وساهمت ابنته في فضح مخططاتهم والحيلولة دون سيطرة تلك القوى على العالم.
ويقول الروائي الذي يقطن في مدينة حيفا على ساحل البحر المتوسط، أنه اعتمد على تقارير وجدها في ملفات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعاد تقديمها بطريقة روائية في ثنايا الأحداث التي تدور خلال ثلاثة أشهر كادت تهز العالم.
ولا تخلو الرواية من رمزية تكشف عن الخطر الذي يمكن أن يقع للعالم بوصول أيّ شخص متطرف إلى موقع المسؤولية، كما هي حال «تينيت» الذي يتخذ قراراً كارثياً لتطبيق مقولة أسطورية يستمدها من الماضي حول قوة شمشوم، ولكن الرواية في الوقت نفسه تكشف عن نجاح تحالف الخير في إفشال المخططات التي تستهدف البشرية.
وتصلح الرواية لأن تكون فيلماً سينمائياً بالنظر إلى تطورها الدرامي، وغرائبيتها، وثراء أحداثها ووقائعها، وتعدد الأمكنة، وجاذبية الحكاية وتشويقها، وقدرة الروائي على إسدال الستار على وقائعها بتفاوت واعٍ لسيرورة التاريخ.
وفي الوقت الذي يمكن فيه عدّ هذه الرواية نوعاً من السرد البوليسي الجاسوسي، فإنه يمكن القول إنها تنتمي لأدب المقاومة أيضاً. فالكاتب الذي يقيم تحت سلطة الاحتلال في حيفا العربية يناقش خلال روايته الكثير من الأفكار التي تتصل بالتطرف، ويعاين مرجعياتها في التوراة التي استُغلّت سياسياً، ويقارب بين موضوعات ميثولوجية تتصل بالأساطير التي تزجّ بالناس في أتون التراجيديات الإغريقية وانعكاسها على الصراع العربي-الإسرائيلي.
ويناقش الكاتب خلال ذلك العديد من القضايا التي تتصل بالهوية والوجود والموت والإيمان والعلمانية. وتكشف الرواية عن ثقافة عميقة ووعي عالٍ لدى الروائي لا يتبدى من خلال قراءاته الروائية ومعرفته التي تتفرع بين علم الحاسوب وعلم الجريمة والتاريخ والجغرافيا والأبعاد النفسية لشخوص الرواية فحسْب، وإنما أيضا في قراءته للتاريخ ووعيه بتحولاته ومساراته، وإيمانه أن العالم محكوم بالوعي الذي ينتصر في نهايته للسلام والخير.