الأقصر - «د.ب.ا»: تحولت صناعات وفنون الفراعنة، التي كانت تشتهر بها مدينة طيبة - التي كانت عاصمة مصر القديمة لمئات السنين، وصارت تعرف اليوم باسم الأقصر، وباتت أحد أهم مقاصد السياحة الثقافية بمصر والعالم - تحولت إلى عوامل جذب للسياح، ومصادر رئيسية للرزق لدى السكان المحليين في المدينة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. وتعد صناعة النسيج الفرعوني، إحدى الصناعات القديمة التي يعمل سكان الأقصر على إحيائها مجددا، بعد أن نجحوا في إحياء الكثير من فنون وحرف وصناعات أجدادهم من قدماء المصريين، مثل نحت التماثيل واللوحات الفرعونية، ورسم جدران المنازل. وصارت المصانع النسجية التي تستخدم أدوات قدماء المصريين في غزل ونسج الأقمشة وتلوينها، واحدة من المظاهر التراثية التي يحرص السياح على زيارتها في الأقصر، وخاصة في البر الغربي للمدينة، وهي المنطقة التي تضم بين جنباتها مئات من المقابر وعشرات المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة فيما كان يعرف قديما باسم جبانة طيبة . فتيات النول : ويقول عزب سيد العزب - وهو من سكان البر الغربي لمدينة الأقصر - لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن الكثير من الشبان، باتوا يعملون على إحياء حرف وصناعات وفنون أجدادهم الفراعنة، وإعادتها للحياة بعد أن اندثرت لآلاف السنين، وأنهم يستخدمون نفس الأدوات التي كان يستخدمها الأجداد بهدف الحفاظ على تراث بلادهم، واستغلال ذلك التراث في جذب السياح وتشغيل الشباب. ويشير إلى أنه واثنين آخرين من عائلته نجحوا في إقامة مصنع للكتان، باستخدام ذات الأدوات والطرق التي استخدمها قدماء المصريين، وأنهم نجحوا في تصدير إنتاجه للكثير من بلدان العالم مثل سويسرا ومالطا والولايات المتحدة الأمريكية وجورجيا واستراليا وغيرها من البلدان، بجانب رواج إنتاجهم من الكتان الفرعوني بين السياح من زوار الأقصر. ويقول رمضان علي رمضان - أحد المشرفين على العمل بمصانع النسيج الفرعوني فى الأقصر - لــ( د.ب.أ) : إن إنتاج الكتان الفرعوني، وغيره من الأنسجة التي عرفها ونسجها قدماء المصريين، يتم عبر استخدام ما يعرب بـ « النول « الذى تعمل على تشغيله الفتيات اللاتي تدربن على العمل عليه، واكتسبن خبرات كبيرة في نسج الكتان والأقمشة باستخدامه، في صورة لما كان يجري في مصر القديمة قبيل آلاف السنين، وأن الفتيات اللاتي يعرفن باسم « فتيات النول « يحصلن على أجور جيدة مقابل عملهن، وصار العمل على النول هواية دائمة لديهن. وحول تجربتهم في إحياء صناعة النسيج في مصر القديمة، اشار «رمضان» إلى أنهم بدأوا بنول واحد، وحين وجدوا إقبالا على تلك المنسوجات التي تنسج على النول، توسعوا بالطبع وصار لديهم اليوم خمسة أنوال تتناوب الفتيات على العمل عليهن، لإنتاج قماش الكتان، وبقية ما عرفه قدماء المصريين من منسوجات. نسيج فرعوني وتطريز سيناوي: ويقول سيد حجاج العزب ، وهو صاحب أحد مصانع النسيج الفرعوني في الأقصر لــ( د.ب.أ): إن عملية النسج والتلوين، يتبعها أحيانا القيام بعمل بعض التطريزات السيناوية، وهو فن من التطريز لا يجيده إلا أهل سيناء، وأنهم يقومون بنقل ماينتجونه من منسوجات وأقمشة إلى سيناء، لتطريزه ثم إعادته لهم مرة أخرى للعرض بالمعارض التي أقيمت قرب المعالم الفرعونية مثل تمثالي ممنون، ليقتنيها السياح، ولتصدير كميات منها لخارج مصر، ولأسواق العاصمة القاهرة. تراث مصري قديم : يشير «العزب» إلى أن نسج الكتان وبقية الأقمشة الفرعونية على «النول» هو جزء من تراث مصري قديم، وأن عملية نسج الكتان، والأدوات التي استخدمها قدماء المصريين في عملية النسج والتلوين، وجدت مرسومة على جدران مقابر الفراعنة، وخاصة مقابر النبلاء في جبانة طيبة وفى غيرها من مناطق مصر الأثرية. وأن ما يقومون به هو أنهم يستوحون ما قام به أجدادهم من قدماء المصريين في طيبة القديمة، ويعيدون إحيائه مجددا. لافتا إلى أن هناك مئات من البازارات السياحية التي تبيع ملبوسات الكتان الفرعوني، والملابس والأنسجة الفرعونية للسياح في مختلف المقاصد السياحية المصرية في الأقصر والغردقة واسوان وشرم الشيخ ومرسى علم وغيرها، وأن تلك الأقمشة والمنسوجات تحظى بإقبال كبير على شرائها من السياح من مختلف الجنسيات، وأن الطلب يتزايد على تلك الأقمشة والمنسوجات لما تتفرد به من طابع مصري قديم، بجانب كونها نسجت بأيدي فتيات النول، على أنوال يدوية صنعت على الطراز الفرعوني، وتنتج في شكل ملابس رجالية ونسائية، وأغطية للرأس للنساء، بجانب سجاد ومفارش وقطع فنية تستخدم كجزء من الديكور المنزلي. يذكر أنه وبحسب كتب المصريات، فإن نسيج الكتان - الذي كان ينسج من ألياف نبات الكتان - كان هو النسيج المفضل للملابس في مصر القديمة، وكان نبات الكتان ينمو بكثرة على جانبي نهر النيل، وكانت تحصد أعواده في ذروة ازدهاره، وتتولى الفتيات والنساء تجهيز وغزل خيوطه بدقة لتتحول إلى نسيج في ورش خاصة على غرار ما نراه اليوم في مصانع النسيج الفرعوني التي بدأت في الانتشار قرب معابد الفراعنة في مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، واستخدم قدماء المصريين التطريز على نحو واسع لإضافة حواف وشراريب رقيقة للثوب. وكانت الأثواب المصنوعة من نسيج الكتان الناصع البياض، هي التي يرتديها من ينتمون للطبقة العليا في مجتمع مصر القديمة. وبجانب اللون الأبيض كان هناك اللون الأصفر الخفيف، وكانت الألوان المستخدمة في صبع الأنسجة والملابس صبغات نباتية تأخذ من بعض أنواع النباتات، لكن يبدو أن استخدام الملابس الملونة كان لأفراد العائلات الملكية، وأما الفلاحون فقد استخدموا ملابس من الكتان السميك والأرخص ثمنا آنذاك، وقد زخرفت ملابس النساء في مصر القديمة، بطبقة من القماش المطرز بالخرز، وبالأحجار والأصداف التي كانت توضع عند حواف الثوب، وكما هو الحال اليوم، فقد كرست الطبقات الغنية في مصر القديمة، الكثير من الوقت للاهتمام بمظهرها، وبخاصة عند اختيار الملابس، وكان الرجال أيضا، يحرصون على الظهور بمظهر أنيق.