صحافة

الأيام: «صفقة القرن» مجدداً: ماذا تبقى لدى واشنطن؟

في زاوية آراء كتب أشرف العجرمي مقالاً بعنوان: «صفقة القرن» مجدداً: ماذا تبقى لدى واشنطن؟، جاء فيه: تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين بأن البيت الأبيض يدرس نشر «خطة السلام» الأمريكية قبل الانتخابات الإسرائيلية يعيد مرة أخرى «صفقة القرن» إلى الواجهة بعد أن اختفت من جدول الاهتمام الدولي، وبدا وكأن الولايات المتحدة قد صرفت النظر عن طرح هذه الخطة. ولكن عودة «الصفقة» الأمريكية المزعومة للواجهة ترافقت هذه المرة مع موقف السفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان الذي تحدث فيه عن الضفة الغربية باعتبارها القضية الثالثة الأصعب والأكثر تعقيداً التي تتناولها السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني والعربي - الإسرائيلي بعد القدس والجولان اللتين تم اتخاذ موقف بشأنهما. واعتبر فريدمان الذي استخدم التعبير الإسرائيلي «يهودا والسامرة» في حديثه أن المشكلة هي في إيجاد توازن بين «الاعتبارات الأمنية وحرية الحركة، وبين الروايات التاريخية والحقوق ومحاولة مساعدة الاقتصاد في مواجهة التطبيع». وتحدث فريدمان عن حقوق اليهود الدينية والتاريخية في الضفة و«احتلال» الأردن لها لمدة 19 عاماً، ومشكلة وجود مليوني فلسطيني يحق لهم العيش بكرامة وسلام، أي أنه لا حقوق للفلسطينيين سوى شروط معيشية. وخلص إلى حق اليهود في العيش في الضفة. موقف فريدمان ليس جديداً، فهو مستوطن يهودي متطرف، ولكن يبدو أن لدى الإدارة الأمريكية توجها لحسم موضوع الضم الإسرائيلي لغور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، أي ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية من تلك المصنفة (ج) حسب اتفاق أوسلو. وإذا ما طرحت الولايات المتحدة خطتها من جديد ستحسم من طرفها الموقف من الضم، وبذلك تكون أخرجت قضايا القدس واللاجئين والأرض من المفاوضات حول التسوية السياسية والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقلت السفارة الأمريكية إليها، واتخذت واشنطن موقفاً متطرفاً ضد الوكالة الأممية «الاونروا» التي تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين إلى حين حل هذه المسألة. والآن تبقى فقط منح الشرعية لضم إسرائيل لمناطق (ج) فقط. وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بالتنازل عن كل حقوقهم مقابل الحصول على الأموال التي ربما يطلب من العرب دفعها أيضاً. في الواقع أمريكا في عهد دونالد ترامب تتجه نحو الخروج من الشرق الأوسط، ولكن بعد أن تساعد حليفتها إسرائيل سياسياً في أكثر الملفات التي تهمها وتحدد مصيرها ومستقبلها بعدما فشلت في مساعدتها في ملفي سوريا وإيران. والتعويض الذي تحصل عليه إسرائيل هو الأراضي العربية المحتلة: القدس والجولان والضفة الغربية. تماماً كما فعلت بريطانيا في وعد بلفور عندما منحت الحركة الصهيونية فلسطين التي لا تملكها ولا يحق لها التصرف فيها باعتبارها دولة محتلة ومستعمرة بموجب تقسيم اتفاقية «سايكس- بيكو». والفرق الوحيد أن فلسطين اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلي وليس الأمريكي، أي أن أمريكا تسلم لإسرائيل باحتلالها وملكيتها لأرض فلسطينية يعتبرها العالم أجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة قبل ترامب أرضاً محتلة وخاصة بالشعب الفلسطيني الذي تم الاعتراف بدولته عليها كعضو مراقب في الجمعية العامة في عام 2012. لكن أمريكا لن تساعد إسرائيل بدفع فاتورة ليس من جيبها بل ستتركها مع مشاكل أكبر مما ستحل لها في الحقيقة. فالموقف الأمريكي من الجولان والقدس والضفة الغربية لن يحل الصراع بل سيعقده ويزيده صعوبة وقد يؤدي إلى تأجيجه. ولن يتنازل السوريون والفلسطينيون عن أرضهم لمجرد أن أمريكا منحتها لإسرائيل. وستجد الأخيرة نفسها في دوامة صراع شديد وأكثر قسوة مما هو عليه الآن في المستقبل القريب. وستغادر الولايات المتحدة على ما يبدو معظم قواعدها في سوريا والعراق وتترك إسرائيل لوحدها مع إرث استعماري ومواقف فارغة لا جدوى منها سوى إشباع غرور اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يحلم بإسرائيل الكبرى. وليس من باب الصدفة أن يعارض إسرائيليون ويهود في العالم وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص سياسة ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بهذا الخصوص، فهم يعلمون علم اليقين أن هذه السياسات تهدد وجود ومستقبل إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية مستقرة، وستضعها في أتون صراعات دموية كبيرة ستشكل خطراً كبيراً على وجودها. خصوصاً وأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه، وهو أكثر من أي طرف آخر الذي يمكن أن يمنح إسرائيل الأمن والاستقرار اللذين تحتاجهما. واليوم تعيش إسرائيل وهم تفوقها العسكري بالاعتماد على تكنولوجيا ومساعدات أمريكية ثبت فشلها في التصدي لغارات الصواريخ الإيرانية على القواعد الأمريكية في العراق، فرغم معرفة الولايات المتحدة المسبقة بالغارات المنوي شنها إلا أنها فشلت في إسقاط الصواريخ التي ضربت أهدافها بدقة وفعالية تدميرية عالية. كما أن الصواريخ البدائية من غزة أفشلت القبة الحديدية التي لم تشكل حماية كاملة للتجمعات والمدن الإسرائيلية. بمعنى أن إسرائيل ليست محصنة ولن تكون مهما امتلكت من قوة في أية مواجهة مستقبلية.