أفكار وآراء

قراءة في مضامين الخطاب السامي - «التحول نحو بناء نظام متكــامـل للكفاءات يعزز من الأداء الحكومي»

أحمد بن علي البلوشي / باحث دكتوراه في مجال تطوير الكفاءات - إن القـــــارئ في مضامين الخطاب السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هـــــــيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يجد فيه التوجهات المستقبلية للسلطنة في المرحلة القادمة بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والتنموية، مما يبعث في النفس التفاؤل بأننا على أعتاب نهضة حديثة متجددة أركانها العدالة والمشاركة والشفافية وحوكمة الأداء، تستمد قيمها من تاريخ عمان وإرثها الحضاري، وتواكب المتغيرات والتطورات الحديثة التي يشهدها العالم، وتتسلح بالمعرفة والبحث العلمي والابتكار، وتعتمد في البناء والتطوير على الكفاءات الوطنية. ولكل شخص ميول واتجاهات مختلفة يقرأ ويحلل الخطاب السامي بناء على خلفيته العلمية وخبرته المهنية، فيسهم في وضع تصورات معينة أو يقدم أفكارا جديدة، أو ينتقد ممارسات مطبقة، والمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي أو ما دونته الصحف المحلية يجد أن الدافع نحو ذلك الحراك، ما أكد عليه جلالته في خطابه : «بأن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله». وفي هذه الأسطر الموجزة سوف أتطرق إلى بناء نظام متكامل للكفاءات في الوحدات الحكومية يعزز من الأداء الحكومي، فقد أشار جلالته في خطابه السامي إلى «بناء نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الخبرات والكفاءات الوطنية» . حيث تناولت العديد من الأدبيات العلمية نظم الكفاءات ودعت الحكومات نحو تطبيقها وممارستها في مختلف المستويات الوظيفية لما لها من الأثر في تحقيق الأداء الفعال والذي بدوره يؤدي إلى تحقيق أهداف الحكومة، وبالتالي التأثير المباشر على النمو الاقتصادي للدول. وتشير الأبحاث أن الدول التي تدار من قبل ذوي الكفاءات تتمتع بمعدلات نمو اقتصادية عالية. وفي هذا الصدد يؤكد البروفيسور Hondeghem بأن نظم الإدارة العامة في جميع أنحاء العالم قد خضعت إلى إصلاحات رئيسية على مدى السنوات العشرين الماضية، ومن المحتمل أن تستمر إلى التغيير في المستقبل، ويفترض أن إدارة الكفاءات هي من تدعم عملية التغيير هذه، حيث ينظر إليها كأداة ضغط للتحول من البيروقراطية التقليدية إلى المنظمات المرنة والحديثة. وهذا ما دعا إليه جلالته ـ حفظه الله ـ في خطابه «سنوجه الحكومة بكافة قطاعاتها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة». وقد نشرت بحثاً علمياً محكماً في العام الماضي بالعدد 12 في مجلة دولية كندية International Business Research تناولت من خلاله مدى تطبيق الإدارة القائمة على الكفاءات في الخدمة المدنية بسلطنة عمان مقارنة مع ممارسات لأنظمة الخدمة المدنية أو العامة في كل من (الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة). وقدمت الورقة البحثية أكثر من عشرة مقترحات تطويرية للتحول نحو نظام متكامل للكفاءات منها على سبيل المثال: إعداد الاستراتيجية الوطنية للكفاءات الحكومية تتوافق مع رؤية عمان 2040، وإعداد السياسة العامة لاختيار وتعيين الكفاءات، ووضع دليل إرشادي في كيفية توظيف الكفاءات بالوحدات الحكومية، وإنشاء المركز الوطني لتقييم وتطوير الكفاءات، وتبني نظام إدارة الأداء الوظيفي. إن بناء نظام متكامل للكفاءات يعتبر من الخطوات المهمة للانتقال إلى نظام إدارة المواهب، وإذا ما تم تنفيذه بالشكل المطلوب فإنه سيحقق نتائج أفضل للأداء الحكومي، وينهض بالقدرة التنافسية للقطاع العام، ويحسن الخدمات الحكومية، ويحقق العدالة بين الموظفين. فإصلاح وتطوير الإدارة الحكومية تعتبر من أصعب الإصلاحات التنموية، إلا أن الجهود التي تقوم به الحكومات والمنظمات الدولية، تسعى إلى تذليل تلك الصعوبات، وسد الفجوات البحثية، وتقديم الحلول التطويرية، بمختلف المنهجيات العلمية ، ولا تزال مستمرة . فالتدرج نحو الإصلاح والتطوير يحتاج إلى وقت، وإلى رؤية واستراتيجية واضحة، وتعاون بين مختلف الجهات الحكومية، بالإضافة إلى دعم وتبني المشاريع البحثية التطبيقية . ومن المؤشرات الدالة نحو الإصلاح والتطوير في القطاع الحكومي خلال المرحلة القادمة ما أكد عليه جلالته في خطابه «بأننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه» فنسأل الله العلي القدير أن يوفق جلالته ويحفظه ويسدد على طريق الإصلاح والتطوير خطاه.