أفكار وآراء

مليون عماني .. أقل من « 18» سنة

أحمد بن سالم الفلاحي - تراهن التجارب التنموية في كل بلدان العالم؛ بلا استثناء؛ على تعزيز بنيتها السكانية، وتحرص من خلال سياساتها السكانية على الاهتمام الخاص بالقضية السكانية، لكونها قضية جوهرية على قدر كبير من الأهمية،فالنهضة التنموية أساسها القوى العاملة الوطنية، وهي المعوَّل عليها استلام الأدوار المتوالية للمساهمة الوطنية في مختلف مجالات العمل والإنتاج. تراهن السياسات التنموية في أي بلد على كثير من المقومات والمعززات، ويأتي في مقدمتها وأهميتها هو عدد السكان الحقيقيين أو الأصليين، أو ما يطلق عليهم بالمواطنين، فكل دولة تضم نوعين من عدد سكانها: مواطنين، ومقيمين، وهذه الثنائية السكان لن تخلو منها أي دولة من دول العالم، متقدمة كانت أو متأخرة تنمويا، وليست هناك دول معزولة عن الآخر، وهذه الصورة من متطلبات الدول الحديثة التي تراهن على أمرين مهمين في هذه الناحية، وهما: سكان مواطنون أصليون، وعليهم تقع مسؤولية بناء وطنهم، وتحمل مسؤولياته الجسيمة، في الشدة والرخاء، وهم الباقون أبدا، حيث لا خيار مغريا لترك الوطن والابتعاد عنه، إلا في ظروف قاهرة، أو رغبة للبحث عن خيارات أخرى أكثر مساحة لتحقيق الأحلام والطموحات، مع ما يكتنف ذلك من مخاطر خارج الوطن الأم. سكان مقيمون مؤقتون بحكم الأهداف التي أتوا لأجل تحقيقها، وأغلبها البحث عن الاستقرار الآمن في الحياة العملية، والاجتماعية، وهم المستفاد؛ أكثر؛ من خبراتهم العملية والمعرفية، وهم يشكلون عنصرا مهما في مسيرة التنمية في البلد الذي يكونون فيه، بغض النظر عن انسحابهم في أي وقت يريدوه، حيث العودة إلى الوطن الأم، حيث الغاية المطلقة. من أجل ذلك تشكل حركة نمو السكان المواطنين أهمية كبرى للوطن، فعلى أساسها ترسم الخطط، والبرامج، إما لاستيعاب الأعداد المتنامية، وفق خطط مرحلية منتظمة، لكل استحقاقاتها، وإما لتوقع مساهمتها في الناتج المحلي من خلال القوى العاملة الوطنية التي تفرزها في كل مرحلة من مراحل النمو التي تنجزها المسيرات التنموية، فوق ذلك كله مدى تفاؤل الوطن بالسواعد القادمة لمسك زمام قيادة التنمية في كل مرحلة من المراحل، وعدم وقوع الأوطان في مأزق «قلة» أو بون واسع في عمري الجيلين لدى عدد السكان المواطنين في مفاصل قيادة مسيرة التنمية المستمرة، لذلك نبتهج كثيرا - كمواطنين - عندما تحمل إلينا الإحصائيات بشائر ارتفاع الخصوبة، وزيادة عدد السكان، ونعد ذلك مؤشرا مهما من مؤشرات الترقي الاجتماعي، والصحة الإنجابية، وخلو الحياة الاجتماعية من أية معوقات من شأنها أن تحد من نمو السكان النمو السليم، وانتقاله السلس من مرحلة الجدب في قلة عدد السكان، إلى مراحل الخصب في وجود عدد سكان قادر على المساهمة المباشرة في برامج التنمية المختلفة، وبهمم وطنية خالصة. تشير الساعة السكانية - حسب موقع المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حتى كتابة هذا المقال في يوم الخميس 5/‏‏‏ 3/‏‏‏ 2020م - إلى أن عدد سكان السلطنة بلغ (4.647.773) مليون نسمة، يشكل العمانيون فيهم (2.704.386) ما نسبته (58.20%) نسمة، والمقيمون (1.943.387) ما نسبته (41.80%) نسمة، وعند مقارنة هذه النسبة بالنسبة المنشورة في 5/‏‏‏ 8/‏‏‏ 2018م؛ حسب نفس المصدر؛ فيبلغ «عدد سكان السلطنة في عام 2017م والبالغ نحو 4.559 مليون نسمة يمثل العمانيون منهم حوالي 55 بالمائة والمقيمون حوالي 45 بالمائة» - انتهى النص - فهناك تطور جوهري في الطرفين، وهو زيادة نسبة نمو عدد السكان المواطنين، وتناقص عدد السكان المقيمين، وهذا مؤشر تنموي مهم جدا، في ظل محدودية الوظائف التي تطرحها مختلف القطاعات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص. يذهب الطرح هنا إلى الإشارة عن الإحصائية التي نشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بتاريخ الأربعاء الثالث من مارس الحالي 2020م عدد الفئة العمرية الأقل من (17) سنة، حيث تشير هذه الإحصائية إلى: «أن عدد الأطفال العمانيين (في المرحلة العمرية من صفر وحتى 17 سنة) بلغ في منتصف عام 2018 مليونا و91 ألفا و582 طفلا مشكلين ما نسبته 42% من إجمالي العمانيين، كما أن أعداد المواليد ارتفعت بنسبة 8% بين عامي 2014 و2018 بمعدل 32.2 مولود حي لكل ألف من السكان فيما بلغ معدل الخصوبة الكلي 3.9 مولود حي لكل امرأة (في الفئة العمرية من 15 ـ 49 عاما» - انتهى النص -. فهذه الإحصائية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تؤكد النمو المطرد لعدد السكان، وتأتي الفئة الشابة على رأس القائمة، وهذه من المؤشرات المهمة لصاحب القرار؛ واضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج، لكافة مجالات الحياة، وفي مقدمتها مجال الحياة الاجتماعية، فهذا الـ «مليون» فرد في المجتمع المتركز (في المرحلة العمرية من صفر وحتى 17 سنة) يبحث عن استحقاقات قريبة جدا، فسن الـ (17) سنة على مشارف السن الدراسية للطلاب الجامعيين، وقد أشارت إحصائية سابقة من إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الصادرة في العام 2018م إلى أن « أن عدد الخريجين خلال العام الأكاديمي 2017 /‏‏‏ 2018م من مؤسسات التعليم العالي داخل السلطنة وخارجها بلغ 28 ألفا و419 خريجا، نسبة الإناث منهم 61%، منهم 24 ألفا و904 خريجين في مؤسسات التعليم العالي داخل السلطنة (...) حيث توضح نفس الإحصائية أن: «الفئة العمرية من 21 إلى 24 عامًا غلبت على المقيدين والخريجين في مؤسسات التعليم العالي داخل السلطنة خلال العام الأكاديمي 2017 ـ 2018م حيث بلغت نسبة المقيدين في هذه الفئة العمرية حوالي 44% من إجمالي الطلبة المقيدين داخل السلطنة، بينما بلغت نسبة الخريجين حوالي 60% من إجمالي الطلبة الخريجين داخل السلطنة في نفس الفئة العمرية، في حين غلبت الفئة العمرية من 18 إلى 20 عاما على الطلبة المقبولين لتبلغ نسبتهم في هذه الفئة العمرية حوالي 73%.» - انتهى النص - فنسبة (73%.) تعتبر نسبة مرتفعة جدا، وتبحث في متون المستقبل عن استحقاقات كثيرة، لتكون طاقات فاعلة في مسيرة التنمية في السلطنة تجدر الإشارة هنا إلى النظر في ارتفاع مستوى الخصوبة الإنجابية لدى الأسرة العمانية - بلغ معدل الخصوبة الكلي 3.9 مولود حي لكل امرأة - حسب الإحصائية أعلاه، بما يبشر بتوالي الهدايا الديموغرافية للمجتمع العماني، وهذه الهدايا الديموغرافية هي التي يعول عليها قيادة المرحلة القادمة من عمر التنمية في السلطنة، بما يتواكب مع متطلبات المراحل القادمة، من حيث الاعتماد الكلي على القوى العاملة الوطنية في مسيرة التنمية، فزيادة نمو العدد السكاني في السلطنة، تذهب إلى وجود قوى عاملة وطنية قادرة على تغطية المراحل السنية لفترات العمل لدى القوى العاملة، خاصة؛ وكما أشارت إحصائيات سابقة؛ إلى أن هناك زيادة مطردة في عدد المتقاعدين، من الجنسين، ومن القطاعين، وبالتالي متى وجد هذا التواصل العمري لتغطية أي عجز في القوى العاملة، من شأنه أن يعضد من مسيرة التنمية، ويرقيها، ويعزز مختلف بناها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، دون أي خلل قد يسببه انقطاع الخصوبة، أو ضعف بنيتها في مد جسور التوصل بين الأجيال. تراهن التجارب التنموية في كل بلدان العالم؛ بلا استثناء؛ على تعزيز بنيتها السكانية، وتحرص من خلال سياساتها السكانية إلى الاهتمام الخاص بالقضية السكانية، لكونها قضية جوهرية على قدر كبير من الأهمية، فالنهضة التنموية أساسها القوى العاملة الوطنية، وهي المعوَّل عليها استلام الأدوار المتوالية للمساهمة الوطنية في مختلف مجالات العمل والإنتاج. إن مليون عماني تقل أعمارهم عن (18) عاما، معناه أنه في الفترة ما بين (10 إلى 20) عاما القادمة، تجد السلطنة قوى عاملة وطنية قادرة على إضافة لبنات جديدة في مسيرة التنمية، ومعناه أيضا أن حداثية التنمية تحافظ على مكونها المزدهر والقوي، بعيدا عن الترهل والعجز، وهذا كله مبعث خير وسلام، وأمن وطني عالي القدر والقيمة، حيث يستلزم توالي هذه الهدايا الديموغرافية الكثير من التخطيط، للتأهيل العلمي، والتدريب العملي، وقدرة المؤسسات على استيعاب طموحاتها، وتحقيق آمالها، لتكون خير معين، للبناءات الوطنية الخالصة الصادقة.