أعمدة

خجل التاج

hamda
 
hamda
حمدة بنت سعيد الشامسية - hamdahus@yahoo.com - من الظواهر الجميلة التي كانت دائمًا مثار دهشة بسبب اللوحة الفنية التي تتشكل منها، هي ما بات يسمى عند العلماء (ظاهرة خجل التاج)، حيث تبتعد أغصان الأشجار من بعضها عن ملامسة أغصان الأشجار القريبة منها، وتشكل هذه الفراغات مشهدًا ساحرًا ظل يحيّر العلماء، وقد ظهرت كثير من النظريات لتفسير هذه الظاهرة، أحد هذه التفسيرات هو أن الأشجار تبتعد عن بعضها حماية لنفسها، فقد أدركت هذه المخلوقات المفرطة الحساسية بأن الاقتراب الشديد من الآخر مهلك، فتشابك أغصانها مع جارتها قد يحرمها والأشجار التي تحتها من ضوء الشمس المهم لبقائها على قيد الحياة، وكذا قد تتعرض أغصانها للكسر عند هبوب الرياح. درس كان علينا أن نتعلمه كبشر، فقد ساهم اقترابنا الشديد من بعض، من انتشار أوبئة خطيرة باتت تهدد حياة آلاف البشر سنويًا، بعد أن تحولت الكرة الأرضية إلا قرية صغيرة، يمكن للمرء أن يعبرها من أقصاها إلى أقصاها في غضون ساعات بفضل الطائرات ووسائل المواصلات الأخرى التي تزداد سرعتها وسعتها بشكل كبير جدًا يومًا بعد يوم. لقد خلق الله جلّت قدرته هذا الكون بدقةٍ متناهيةٍ، وإبداعٍ رائعٍ، وكما خلق لكل إقليم أشجاره وحيواناته وأفراده، كذلك خلق له هذه المخلوقات الدقيقة من فيروسات وبكتيريا، تآلفت مع بيئتها، وتهيأت لها أجهزة البشر والحيوانات المناعية، فلم تعد تؤثر فيها، لكن هذه المخلوقات الدقيقة عندما تنتقل عبر القارات في بيئة لم يتعود سكانها عليها، فإنها تصبح مميتة وغير قابلة للعلاج، إذ يتفاجأ بها الجسم البشري خارق الذكاء في العادة، لكونها تفاجئه على حين غرة، وبدون سابق معرفة. لقد بات من المستحيل الآن أن نتعلم من الأشجار الحذر، وعدم الاقتراب المميت هذا، فحياتنا تداخلت بشكل كبير مع حياة بقية سكان هذا الكوكب، نحن حتما سنتعلم، فكل ما أنتجته البشرية كان بفضل محاكاة معلمينا الرائعين من مخلوقات سخرها الخالق لبني آدم منذ بدء الخليقة، بدءًا من التفاحة مرورًا بالغراب وانتهاء ربما بهذه المخلوقات الدقيقة التي اكتشفنا أن نسبة كبيرة من أجسامنا مكونة منها في الواقع، من خلال أدوار لا نهائية تؤديها في أجسامنا، كالحماية وهضم الطعام وغيرها من وظائف ما زال العلم عاجزًا عن فهمها.