أفكار وآراء

كورونا.. الدقة والموضوعية في مواجهة مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

فتحي مصطفى - وسط الخوف والهلع الذي أصاب الجميع منذ إعلان الصين تفشي فيروس «كوفيد 19» الذي يعرف بـ«كورونا المستجد» في مدينة ووهان، ولجوء شعوب العالم إلى القنوات الإخبارية ومواقع الصحف الرسمية وغير الرسمية، وكذلك مواقع الـ«سوشيال ميديا» المختلفة، لمعرفة تفاصيل الفيروس وطرق الإصابة به ووسائل الوقاية منه، فإن ثمة خطرا أكبر من حجم الفيروس وانتشاره يبرز على الساحة، وهو انتشار معلومات غير مؤكدة ومغلوطة، لاسيما عبر مواقع الـ«سوشيال ميديا». فلا ينكر أحد وقوع بعض المواقع الإخبارية والصحف في فخ المبالغة، أو نشر معلومات غير دقيقة، يعود ذلك إلى عامل السرعة في استباق الخبر والانفراد به، إلا أن ذلك لا يعفيهم من المسؤولية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بحدث مثل انتشار هذا الفيروس ومدى التعامل معه، وجاهزية الدول للتصدي له. معظم الموضوعات التي يتم مشاركتها، تميل إلى الجانب العاطفي والإنساني، والخوف من القادم المجهول، فتجد الناس لا يدخرون وسعا في مشاركة أي خبر يتعلق بانتشار المرض أو بإحصائيات عنه، من شأنها أن تجعل الموضوع أكثر إثارة، وربما المشاركة من أجل التوعية والنصح. إلا أن ذلك يأتي بنتائج سلبية ـ للأسف ـ من الممكن أن يتخلف عنها ضحايا كانوا بمنأى عن الإصابة بالمرض، إذ انبرى البعض في تقديم نصائح ووسائل للوقاية من الفيروس، من دون أي سند علمي، وربما تضعهم في مرمى الإصابة به، وكان حري بهم أن يقوموا بمشاركة التعليمات التي تصدر من الجهات الرسمية المعنية بالتعامل مع الفيروسات والأوبئة، مثل منظمة الصحة العالمية، وكذلك وزارات الصحة في مختلف البلدان العربية والأجنبية، والمؤسسات الصحية المختلفة. وفي هذا الصدد يقول علماء بجامعة «إيست أنجليا» (يو.إي.إيه) البريطانية أن أي جهود تبذل وتنجح في منع الناس من نشر أي أخبار كاذبة، يمكن أن يسهم في إنقاذ أرواح كثيرة، وفيما يتعلق بفيروس كورونا الذي تفشى ووصل إلى مرتبة «جائحة» ترعب العالم بعد إعلان ذلك في مؤتمر صحفي عقده المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في جنيف 11 الشهر الجاري، قال «بول هنتر».. أستاذ الطب بجامعة يو.إي.إيه البريطانية، «هناك الكثير من التكهنات والمعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة على الإنترنت.. عن كيفية نشوء الفيروس ومسبباته وكيفية انتشاره، ما يعني إمكانية انتشار النصائح الخاطئة بسرعة شديدة، وهي يمكن أن تغير السلوك البشري بما يفتح المجال أمام مخاطر أكبر». ومن هذا المنطلق، كان حري على الأوساط الإعلامية والصحفية، محاربة العشوائية في تناول الأحداث والأخبار التي يتم تناولها هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواجهتها بالحقائق مقرونة بالأدلة والإثباتات. ثمة مسؤولية أخرى تلقى على عاتقهم، وهي تناول الأرقام والإحصاءات بدقة شديدة من خلال القنوات الشرعية المعنية، على سبيل المثال لا الحصر، الأرقام التي تبثها منظمة الصحة العالمية، مع تحديد توقيت إعلان هذه الأرقام أو الإحصاءات، لأن في مثل هذه الظروف، تتغير الأرقام بصورة متسارعة ما بين عدد الوفيات التي تنجم من الوباء، أو عدد الإصابات، أو حتى عدد الحالات التي تتماثل إلى الشفاء. كل ذلك من شأنه أن يتصدى إلى مروجي الشائعات، ويضع الأمور في نصابها الصحيح، لتكوين صورة كاملة لدى الناس حول ماهية الأزمة، ومدى تطورها أو انحسارها. وهناك تقرير نشر على موقع «شبكة الصحفيين الدوليين»، يحمل مجموعة من النصائح عند الالتزام بها يمكن لأي صحفي إجراء موضوعات صحفية مميزة حول كورونا والابتعاد عن الشائعات، هي: «نقل الصورة كما هي على أرض الواقع، والتركيز على التقارير ونقل المعلومات وليس التحليلات، اعتماد الشفافية بالعناوين، الأعداد ودقة الأخبار، تجنب الوقائع العنصرية، الاطلاع على آراء الخبراء المعنيين، عدم إهمال القصص والمعلومات غير المثيرة». ومن أبرز هذه النصائح تفصيلا، الابتعاد عن التعامل مع موضوع «كورونا» بشكل عنصري ، كما فعلت صحيفة «وول ستريت جورنال» على حد قول «شبكة الصحفيين الدوليين»، والتي نشرت مقالاً وصفت فيه الصين بـ«الرجل المريض الحقيقي في آسيا»، وتضمن تحليلاً حول حدوث تدهور اقتصادي في الصين بسبب هذا الفيروس، علماً بأنه كان من السابق لأوانه معرفة الآثار المالية والاقتصادية التي ستترتب نتيجة انتشار هذا الفيروس في الصين. ويقول التقرير أن الصين ردت على عنوان هذا المقال الذي أسمته بـ«العنوان العنصري»، بإلغائها اعتماد ثلاثة صحفيين يعملون مع «وول ستريت جورنال». ومثال آخر يوصي بعدم اعتبار الأمر قد انتهى بعد السيطرة الكاملة على الفيروس واحتوائه وشفاء كل من أصيبوا به، بل إن كثيرا من الأمور والتداعيات التي تظهر في أعقاب انتهاء الوباء يجب عدم إهمالها، على سبيل المثال، يمكن للصحفيين إعداد تقارير عن الطريقة التي تعامل بها السياسيون والمسؤولون الصحيون مع الأزمة، وتحديد الدروس المستفادة من الفيروس، وما هي أبرز روايات الناجين من «كورونا»، وكيفية عودتهم إلى الحياة الطبيعية. وثمة جانب إيجابي في «السوشيال ميديا» يجب عدم إغفاله، وهو وجود حسابات ومواقع لعدد كبير جدا من المؤسسات الصحفية والإعلامية والقنوات التلفزيونية عليها، فضلا عن حسابات للجهات الحكومية خصوصاً وزارات الصحة، والمنظمات أيضا، يمكن اللجوء إليها ونشر ما تقدمه على تلك الوسائل، فيكون المردود إيجابيا، وينأى الشخص بنفسه عن تهمة نشر الأكاذيب، أو تحمل ذنب أي شخص يتعرض للأذى نتيجة اتباعه لوصفة خاطئة قام آخر بمشاركتها. ويمكن القول بضرورة تبني رسالة تثقيفية وتوعوية للتصدي لمثل هذه الفيروسات والأوبئة التي تجتاح أي دولة في العالم، فلم تكن «كورونا» الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهي مباراة الفائز فيها من يدرك خطورتها ويعلم جيدا كيفية الوقاية منها في حياته اليومية، شريطة الابتعاد عن الشائعات وتناول الأخبار من مصادرها الموثوقة.