الاقتصادية

القمح السوري من الاكتفاء والتصدير إلى الاستيراد

١١١١٢٢٣٣
 
١١١١٢٢٣٣
دمشق - عُمان - بسام جميدة لم يملك جاسم ح، صاحب الـ60 عاما سوى أن يرفع كفيه ويدعوا على من تسبب بحرق محصوله من القمح الذي يتجاوز 50 دونم في احدى قرى محافظة الحسكة التي تخضع غالبية مناطقها لسيطرة اطراف عدة منها، قوى معارضة، وأخرى تحت سيطرة الفصائل الكردية، ومنها تحت سيطرة قوات التحالف، وقسم آخر تحت سيطرة القوات الحكومية السورية. جاسم الذي هرع الى حقله ليرى النار وهي تنشب فيه لم يستطع ولا باي وسيلة يملكها لكي يخمد الحريق الذي بدأ يأكل محصوله، ويحاول أن يخمد ما يستطيع منه لكن لهيب النار كاد ان يتلبسه قبل أن ينقذه أهل القرية الذين لم ينفع صراخهم ولا دعائهم لإيقاف النار التي تسري كالنار في الهشيم. هذه واحدة من عشرات الصور التي يستيقظ عليها المزارعون في شرق سوريا، كما في شمالها وأوسطها وهم يرون بأم أعينهم كيف تأكل النيران محاصيلهم وتعبهم. تلك حكاية هذا العام والاعوام التي سبقته، حيث تحترق المحاصيل ومعها يحترق جزء لابأس به من الاقتصاد السوري الذي يشكل محصول القمح نسبة اكثر من 30% منه، كما يعتبر شرق سوريا الخزان الاقتصادي لسوريا حيث يؤمن انتاج القمح منها ماقدره 65% من حاجة سوريا من القمح المروي و38% من القمح البعلي، و63% من القطن، و29% من العدس، بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو). اكتفاء ذاتي سوريا التي كانت قبل عام 2011 بداية الحرب، من الدول المكتفية زراعيا من هذه المادة، بل وتصدر قسم لابأس به إلى عدة دول عربية واجنبية، وتملك مخزونا استراتيجيا يكفيها لخمس سنوات على الأقل بحسب وزارة الزراعة، تضطر اليوم بسبب الحرب التي انهت عامها التاسع إلى استيراد القمح من الدول الصديقة مثل روسيا وايران وغيرها، واستوردت من روسيا مايقارب 1.5 مليون طن، هذا العام كون غالبية الأراضي التي تزرع بالقمح تقع خارج سيطرة الحكومة السورية. ووفق التقديرات الرسمية بلغ متوسط إنتاج القمح قبل عام 2008 أربعة ملايين طن، تكفي لحاجة الإنتاج المحلي ويصدّر الفائض إلى الدول العربية. ومنذ عام 1994 وحتى 2008، كانت سوريا تصدّر القمح إلى دول الجوار، وكانت تؤمّن حاجة الأردن من المادة بشكل كامل، في حين كانت تؤمّن جزءًا من حاجة مصر وتونس، إضافة إلى تصدير القمح إلى أوروبا وخاصة إيطاليا من أجل إنتاج المعكرونة بسبب نوعية القمح السوري الجيدة، أما في العامين 2009 و2010 فتراجع الإنتاج واكتفت ذاتيًا دون تصديره بسبب الجفاف الذي ضرب سوريا ولكن المخزون الاستراتيجي الذي يكفي لخمس سنوات بقي على ماهو عليه. ومع بداية الحرب انخفض محصول القمح بشكل كبير، وتفاوتت كميات الإنتاج، لتبلغ العام الماضي 1.2 ميلون طن فقط، ليكون أدنى إنتاج منذ 29 عامًا، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو). الحرائق تلتهم القمح وقبل بداية موسم الحصاد، بدأت الحرائق تلتهم حقول القمح والشعير، وغالبيتها في المناطق التي لاتخضع لسيطرة الحكومة، وقد أتت النيران على مساحة تقدر بـ 60 ألف دونم من الأراضي المزروعة بالقمح تركز أغلبها في محافظات دير الزور والحسكة والرقة إضافة إلى قرى ومدن في حلب وحماة وادلب ودرعا والسويداء، مقابل 50 ألف دونم احترقت في العام الماضي. وتتهم الأطراف المسيطرة هناك بعضها البعض مسؤولية اندلاع الحرائق، حيث منع أي فلاح من بيع محصوله من القمح للحكومة السورية، ولايكاد يمر يوم من الأيام الفائتة من حدوث حريق في تلك المحاصيل. موسم مبشر ولكن مدير المؤسسة السورية للحبوب يوسف قاسم، أشار إلى أن تسهيلات كثيرة قدمتها الحكومة السورية للفلاحين من اجل تسليم القمح للمراكز الحكومية ورفعت سعر الكيلو الى 400 ليرة سورية، وافتتحت 49 مركزا في مختلف المحافظات السورية منها 9 مراكز في الحسكة وتم استلام ماقدره 80 ألف طن لغاية 20 الشهر الحالي منها 25 ألف طن من محافظة الحسكة فقط. وأشار قاسم إلى موسم هذا العام كان جيدا ولكن الحرائق التي طالت هذا المحصول المهم حرم البلاد من ثروة كبيرة كانت ستسهم في انعاش مشتقات القمح وتقليل نسبة الاستيراد، مشيرا الى ان هناك فصائل مسلحة تقوم بمنع الفلاحين من تسليم اقماحهم للمؤسسة. ومن المتوقع أن يبلغ إنتاج القمح لعام 2020 حوالي 2.6 مليون طن، مقارنة بـ 2.2 مليون طن في عام 2019، ولكنه لا يزال أقل بكثير من مستوى ما قبل الأزمة البالغ 4.1 مليون طن (2002-2011). جني المحصول سيخفّض، في حال حصاده كاملًا، نسبة استيراد القمح من 75% إلى 40% بحسب يوسف قاسم، الذي أكد أنه في العام الماضي تم استيراد 75% من حاجة الإنتاج وتمت تغطية 25% من الإنتاج المحلي، أما الموسم الحالي (وبسبب وفرة الإمطار وتوقع وصول كمية الإنتاج إلى 2.5 مليون طن) فمن المتوقع أن يلبي الإنتاج المحلي نحو 60% من الكمية المطلوبة.