كورونا

ضحايا كورونا.. يرحلون دون وداع ولا قبلة تنير الطريق المجهول

سسسس
 
سسسس
'عُمان': يرحلون دون وداع، وفي ظروف استثنائية قاهرة، لا يجدون من يطبع على جبينهم قبلة يبقى وهجها خالدا في القبر الموحش، ولا يحظى أحبابهم ولو بنظرة وداع أخيرة، يحكم الإغلاق عليهم خوفا على البشرية الباقية من فناء يترصدها لو تسرب منهم شيء إلى الخارج.
يُحملون خلسة ويصلى عليهم من بعيد، ثم يوارون الثرى في قبر مسلح بالإسمنت، ويحكم الإغلاق عليهم مرة أخرى، ثم إلى وحشة أبدية. هكذا، ببساطة، يرحل ضحايا فيروس كورونا، في السلطنة وفي غيرها من دول العالم التي ترزح تحت ثقل الوباء أمام عجز بشري مطلق حتى الآن في الوصول إلى لقاح يحمي البشرية من الفناء ويخرجها إلى النور بعد شهور من الحجر المنزلي والغلق الاقتصادي التام في الكثير من الأحيان. يرحل ضحايا الوباء فلا يقام لهم عزاء، ولا يجد أهلهم من يواسيهم إلا عبر رسائل افتراضية أو اتصالات صوتية تسمع فيها صوتا ولكن لا ترى ملامح الوجوه، لتقرأ حزنها، أو تشاهد دمعة تترقرق في المقل.
رعب وخوف
'عمان' رصدت بالصورة رحلة جثة/ضحية من ضحايا الوباء، وحاولت توثيق المشهد، وما به من حرقة ووحشة وربما رعب وخوف، تدخل الجثة إلى موقع التغسيل، ولكن لا تبصر إلا وجوها غريبة، لا تعرفها، ولم تعتد عليها.. أمّا الأسرة والأقارب فيناظرون المشهد من وراء حجب وحجرات، لا يسمح لهم بالاقتراب.
المغسّلون يرتدون ملابس محكمة تعزلهم تماما عن الخارج، ولن يحظى هذا الراحل دون وداع ودون قبلة بقبر إلى جوار ذويه، فعلى سبيل المثال فقط، فإن جميع ضحايا الوباء من ولايات شمال الباطنة يدفنون في مقبرة خاصة في قرية الفليج بولاية صحم.
يقول زهير بن حسين الجابري رئيس قسم الرقابة والتراخيص بالمديرية العامة للبلديات الإقليمية وموارد المياه بمحافظة شمال الباطنة: إن المديرية 'كثفت جهودها بالتعاون مع القطاع الخاص والأهالي بتجهيز مغسل مركزي لتغسيل المتوفين بمرض كورونا بالإضافة إلى تجهيز قبور وفق مواصفات وزارة الصحة لمواراة أجساد المتوفين.
ويكمل الجابري حديثه بالقول: تم تدريب وتأهيل عدد من المغسلين وتوفير أدوات السلامة التي تضمن سلامتهم حتى يتمكنوا من مباشرة عملهم، وهناك فريق متخصص لتعقيم وتطهير المغسل بعد الانتهاء من غسل كل حالة.
رحلات لا تتوقف
أما الدكتورة أمل بنت سالم بن علي البلوشية رئيسة مستشفى صحم فقد وجدت نفسها وسط الجائحة تغسل الأموات، تستقبل جثة راحلة وتودع أخرى، لكنه وداع غريب لغريب. وكأنها تستذكر بيت شعر شهير لإمرئ القيس:
'أجـارتنـا إنّـا غريبان هـاهـنا// وكلُّ غريـب للغريـب نسيـبُ'.
لكن البلوشية أدمنت وداع هذه الجثث الراحلة بشكل يومي ومن مختلف الأعمال، لا تقوى الدكتورة أمل البلوشية على وصف المشهد لكنها تقول بشكل مختزل: 'لحظة موجعة جدا جدا'. ولا تنسى أنها طبيبة وأن واجبها في كل لحظة ورغم الوجع أن توصل رسالتها فتتجاوز المشهد وتتعالى عليه.
وتقول: نناشدكم، نناشدكم اتبعوا التعليمات حتى يصمت هذا الرحيل المتكرر، وتنجلي الغمة.
عالم الموت المجهول
ويتحدث ناصر بن خلفان البادي واعظ ديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بشمال الباطنة عن أجواء الكآبة والرهبة والحزن التي تسيطر على مكان 'توديع' ضحايا كورونا، يصمت قليلا قبل أن يعود ليكمل وصف المشهد، يحضر الجثمان وحيدا بلا أقارب ولا أحباب للتوديع، لحظة فارقة ومفزعة جدا أن لا تجد في هذه اللحظة من يودّعك، إلا بتلويحة يد من بعيد أو بدمعة لا يراها المُودع قبل أن يذهب إلى عالم الموت المجهول.
يكمل البادي: إنها لحظات من أشد اللحظات ألما على النفس، ونحن نرى أن فقيد مرض كورونا المستجد يؤخذ إلى مثواه الأخير، حيث تبدأ رحلته المحزنة من المستشفى وسط إجراءات احترازية لا يتمكن من خلالها أقارب المتوفى الذين نزل خبر الوفاة عليهم كالصاعقة من الحضور، ثم تستلم البلدية الجثمان وحيدا، فيؤخذ إلى مغسلة خاصة لتغسيله وتكفينه، حيث يتم إحضاره إلى المغسلة، ويقوم أشخاص يلبسون ملابس خاصة تغطي الإنسان بالكامل، لا يعرفهم الميت ولا يعرفونه، ويقومون بالواجب الشرعي تجاه الجثة من تغسيل وتكفين، ثم يسلم الجثمان لأشخاص آخرين في صندوق خشبي ليقوموا بوضعه في القبر، في مشهد مؤسف، حيث لم يتمكن أقارب الميت وأعز الناس عليه من حضور جنازته وإلقاء النظرة الأخيرة عليه.
تكفين الموتى
وقال الدكتور علي بن عبدالله المقبالي مدير دائرة مراقبة ومكافحة الأمراض بالمديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة شمال الباطنة: عند وصول الجثمان إلى المغسل يتم التعامل معه وفقا للاشتراطات الصحية الخاصة بهذا الحدث المؤلم، ويتم وضع جميع الملابس وما للميت من أغراض في سلال خاصة تقوم بعد ذلك شركة بيئة بالتعامل معها، ويتم تعقيم المكان بعد كل عملية تغسيل بواسطة عمال من البلدية ويتم نقل المتوفى بعد التكفين إلى قبر يشترط أن يكون عمقه مترين على الأقل.
نقطة أخيرة
وتنتهي الرحلة عند هذه المسافة الشاسعة بين المُودِع والمودَع، فما أقساه من رحيل، وما أصعبه من فراق.. فهل من معتبر؟؟.