أفكار وآراء

مسيرة النهضة المباركة.. في مرحلتها الثانية !!

د. عبد الحميد الموافي - بينما تتواصل حقب التاريخ وحلقاته المتتابعة، في المنطقة وعلى امتداد العالم، وفق نواميس وقواعد معروفة ومستقرة، خاصة بالنسبة للأمم والشعوب ذات الإسهام الحضاري العريق والممتد، فإنه من المعروف أن عمان هي من أقدم مراكز الحضارة التي عرفها العالم القديم، إلى جانب الحضارة الفرعونية وحضارة مابين النهرين، وعلى امتداد آلاف السنين، تتابعت حقب التاريخ العماني، وحلقاته المتتابعة، وفي الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 أشرقت شمس النهضة العمانية الحديثة بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - حيث آل على نفسه أن يتولى زمام المبادرة، وأن يكرس حياته من أجل النهوض بعمان، الدولة والوطن والمواطن، لتستعيد مكانها ومكانتها، التي كانت لها، بين أمم وشعوب المنطقة والعالم من حولها. وعلى امتداد نحو خمسين عاما، تحقق الكثير والكثير من الأهداف والبرامج والآمال التي تصورها وتمناها السلطان الراحل - طيب الله ثراه - يوم تولى زمام الحكم، ولكن الأقدار والأعمار لها مقاديرها بيد الله سبحانه، وقد أرادت مشيئة الله تعالى أن يفقد الوطن «أعز الرجال وأنقاهم» في العاشر من شهر يناير الماضي، وبرغم المصاب الجلل وعمق الألم، إلا أن قوة وأصالة وحضارية الشعب العماني وأسرته المالكة، والتماسك والترابط العميق بين أبناء المجتمع العماني بكل شرائحه، تجسدت في القدرة على الارتفاع إلى مستوى الحدث، وتحقيق الانتقال السلس والسريع لمقاليد الحكم خلال بضع ساعات فقط صبيحة الحادي عشر من يناير 2020، ليتولى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم مقاليد الحكم، «خير خلف لخير سلف»، ووفق الإجراءات القانونية التي حددها النظام الأساسي للدولة، حيث التقت إرادة السلطان الراحل - رحمه الله - بتزكيته سمو السيد هيثم بن طارق للقيام بأعباء المسؤولية خلفا له، وذلك في رسالته التي تركها، والموجهة إلى مجلس العائلة المالكة، مع إرادة مجلس العائلة المالكة، ولتكتمل إجراءات تنصيب جلالة السلطان هيثم بن طارق سلطانا لعمان، وبإجماع وطني شامل وملموس تجسد في التفاف أبناء الوطن بكل شرائحهم وكل مؤسسات الدولة حول جلالته، لتواصل النهضة العمانية الحديثة خطواتها ومسيرتها، بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - نحو الغايات المنشودة ومتابعة الأولويات في مرحلتها الثانية التي تعيشها حاليا. وفي هذا الإطار فلعله من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: أن هناك بالتأكيد خيطا ممتدا ورابطا بين الاستمرارية التاريخية لمسيرة النهضة العمانية الحديثة وبين المرحلة الثانية لها، التي دخلتها في يناير الماضي، ليس فقط لأن عمان بوجه عام ومسيرة النهضة المباركة بوجه خاص لم تأخذ بأسلوب الانقطاع التاريخي، بل آثرت أسلوب وحدة التاريخ واستمرارية مراحله، بغض النظر عن ظروف وخصائص وطبيعة كل مرحلة، وهو أمر يعبر عن درجة عالية من النضوج الحضاري والثقافي والثقة العميقة في الذات، والاعتزاز بكل مراحل التاريخ والتطور الاجتماعي، ولكن أيضا لأن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه » أكد على نحو واضح وبالغ الدلالة الاعتزاز والتقدير للمكانة الرفيعة لجلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - ولما تحقق تحت قيادته خلال الخمسين عاما الماضية، وذلك بتأكيده على «إننا ماضون بعون الله على طريق البناء والتنمية، نواصل مسيرة النهضة المباركة، كما أراد لها السلطان الراحل رحمه الله، مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها، مؤكدين على أن تظل عمان الغاية الأسمى في كل ما نقدم عليه، وكل ما نسعى إلى تحقيقه، داعين كافة أبناء الوطن، دون استثناء، إلى صون مكتسبات النهضة المباركة والمشاركة الفاعلة في إكمال المسيرة الظافرة» وهو ما يعني التأكيد على العزم على مواصلة السير على النهج القويم لجلالته، سواء على الصعيد الداخلي، أو على صعيد السياسة الخارجية والمواقف وإدارة العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وبما يحافظ على الإسهام الإيجابي، النشط والمتواصل للسلطنة، فيما يتصل بالعمل من أجل الاستقرار الإقليمي وتحقيق أفضل العلاقات الممكنة مع الأشقاء والأصدقاء، وبما يتوافق مع أسس وركائز السياسة العمانية المعروفة حيال مختلف القضايا والتطورات الخليجية والإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار فإن خطاب جلالته عقب توليه مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير الماضي، وخطاب جلالته في الثالث والعشرين من فبراير الماضي حددا بشكل عميق رؤية جلالته وأبعاد وملامح السياسات العمانية على كل المستويات، «لترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها» السلطان الراحل - رحمه الله. ثانيا: إن المرحلة الثانية لمسيرة النهضة العمانية الحديثة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وإن كانت ترتكز في الواقع على الأرضية والبناء والأسس التي وضعها جلالة السلطان الراحل - طيب الله ثراه - خلال العقود الماضية، وأنها تواصل البناء على ما تم إنجازه، إلا أنها ستظل في الواقع لها خصوصيتها وملامحها التي تتبلور وتتضح بشكل متزايد في مختلف المجالات، سواء في الممارسة، أو في الأولويات التي قد يطرأ عليها تعديل أو آخر، وهذا لا يتعارض مع الاستمرارية التاريخية لمسيرة النهضة العمانية الحديثة، وتتابع وتكامل مراحلها. وفي هذا الإطار فإن هذا العام يعد عاما مفصليا وعلى جانب كبير من الأهمية، خاصة فيما يتصل بالأداء وإدخال تعديلات هامة على عدد من جوانبه على الصعيد الداخلي، وهو ما تفرضه عمليات التصدي لجائحة كورونا «فيروس كوفيد - 19» من ناحية، والانتهاء من الرؤية العمانية «عمان 2020» هذا العام، والبدء في تنفيذ الرؤية العمانية «عمان 2040» اعتبارا من بداية العام القادم من ناحية ثانية، هذا إلى جانب انتهاء خطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 - 2020 ) هذا العام والبدء في خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021 - 2025 ) اعتبارا من العام القادم. وبرغم ضخامة المسؤولية، إلا أن ما يدعو إلى الاطمئنان والثقة أن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، كان على مدى السنوات الماضية قريبا جدا من جلالة السلطان الراحل رحمه الله، وعلى معرفة دقيقة ومباشرة بمختلف الملفات والتطورات والأولويات التي تحظى بالاهتمام والرعاية، فضلا عن رئاسة جلالته للجنة العليا للاستراتيجية الوطنية المستقبلية «عمان 2040» التي سيتم البدء في تنفيذها اعتبارا من بداية عام 2021، وهو ما يوفر في الواقع درجة عالية من اتساق الخطوات وسلاسة وسرعة الإجراءات التي يرى جلالته أهمية وضرورة الأخذ بها وتطبيقها، من أجل ضمان تحقيق حياة أفضل للمواطن العماني، وتوفير المناخ لأداء أكثر فعالية ورشادة لمختلف مؤسسات الدولة، سواء فيما يتصل بأداء الجهاز الإداري للدولة، أو لعمليات ومجالات الاستثمار، أو لتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق والحد قدر الإمكان من العجز في الميزانية العامة للدولة، وهو ما بدأت نتائجه الإيجابية في الظهور على أرض الواقع خلال الأشهر الأخيرة، حسب الأرقام التي أعلنها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بالنسبة للعجز في الميزانية العامة للدولة في الربع الأول من هذا العام. وهو ما سيتدعم ويترسخ بشكل أكبر خلال الفترة القادمة في ضوء استمرار العمل والالتزام بالقواعد المحددة في هذا المجال. ثالثا: إنه في الوقت الذي يظل فيه الثالث والعشرين من يوليو 1970 بداية لنهضة وطنية تحقق التقدم والخير وتفتح آفاق المستقبل الواعد لكل أبناء الوطن على امتداد هذه الأرض الطيبة، فإنه من المهم والضروري أيضا، خاصة في ظل الظروف الراهنة، وفي هذا العام المفصلي، أن يتم حشد جهود وطاقات كل شرائح المجتمع العماني، ليس فقط لاحتواء جائحة كورونا بشكل فعال وخلال أقصر فترة ممكنة، ولكن أيضا لتنفيذ برامج وأولويات التنمية وتنويع مصادر الدخل القومي والبدء بقوة وعزم وطموح في تنفيذ استراتيجية الرؤية العمانية «2040»، سواء للانتهاء من المشروعات الكبيرة التي تحتاج إلى استكمال الانتهاء منها، والتي بدأت في السنوات الأخيرة، أو للبدء في البرامج والخطط الموضوعة لتطوير المجالات الخمسة المحددة للسير فيها لإعطاء دفعة للاقتصاد الوطني وللآفاق الواسعة التي يتطلع إليها المواطن العماني، ولتواصل مسيرة النهضة العمانية الحديثة خطاها الواثقة والواعدة، في مرحلتها الثانية، نحو مستقبل أفضل بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه. وقد أثبتت عمان، وطنا ومواطنا، قدرتها الكبيرة على تحقيق ذلك.