مرايا

أول فتاة تجرؤ على التقدم لشهادة الثانوية العامة بمصر

نبوية موسى .. رائدة تعليم المرأة العربية - هي مربية مصرية ذات تاريخ قيم شغلت مناصب عديدة في التعليم، وتعتبر أول فتاة مصرية حاصلة على شهادة البكالوريا(الثانوية العامة) عام 1907، وهي أول ناظرة (مديرة مدرسة) ومفتشة عرفتها وزارة «المعارف العمومية» سابقا «التربية والتعليم» حاليا بجمهورية مصر العربية. ولدت نبوية موسى محمد بدوية في 17 من ديسمبر 1886 وكان والدها ضابطا بالجيش المصري سافر إلى السودان قبل مولدها بشهرين ولم يعد من هناك حيث توفي قبل ميلاد ابنته. لذا فقد نشأت نبوية يتيمة الأب وعاشت هي ووالدتها وشقيقها في القاهرة لوجود أخيها بالمدرسة واعتمدت الأسرة على معاش الأب وعائد بضعة أفدنة كان يملكها الأب ويؤجرها ليستفيد من عائدها. قبل المدرسة تعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة في البيت مثلها في ذلك مثل بنات جنسها وطبقتها الوسطى في هذا الوقت وتعلمت القراءة من خلال تذوقها الشعر العربي فكانت تحفظ القصائد العربية التي يرددها شقيقها، ثم من خلال التدريب على قراءتها، وبذلك علمت نفسها القراءة، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها ألف باء اللغة الإنجليزية أما الكتابة فتعلمتها عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة ولم تكتف بهذا القدر من العلم بل أصرت على الالتحاق بالتعليم المدرسي ولم تجد نبوية أي مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار فقد اعتبرته أمها خروجاً علي قواعد الأدب والحياء ومروقاً من التربية والدين كما رفضه كلا من عمها وأخوها علماً أن أخاها هو الذي علمها حروف الهجاء لتقرأ وهو ما يعكس رؤية المجتمع حينذاك لخروج الفتاة إلي المدارس طلباً للعلم غير أن الأغلبية الرافضة لم تستطع أن تتغلب على رغبتها الجامحة في دخول المدرسة فذهبت نبوية سراً إلى المدرسة، حيث سرقت ختم والدتها وكما تقول في كتابها «تاريخي بقلمي» لتقدم هي لنفسها بدلاً من ولية أمرها وباعت سوارًا من الذهب حتى تحمل المدرسة علي قبول طلبها الذي جعلته بمصروفات. وتكشف بدايات علاقات نبوية موسى بالتعليم عن جوانب فذة في شخصيتها لعل من أبرزها ذكاءها الذي مكنها من تعليم نفسها بنفسها وقوة عزيمتها وتصميمها على تنفيذ إرادتها وإصرارها على تحقيق أهدافها أيا كانت المعوقات ودون الخضوع لمجتمع كان يرى في تعليم البنت خروجاً على الآداب العامة. بعد ذلك التحقت نبوية موسى بالقسم الخارجي للمدرسة السنية عام 1901، بالقاهرة، حيث كانت أسرتها قد انتقلت للإقامة بها، وحصلت على الشهادة الابتدائية سنة (1903م)، ثم التحقت بقسم المعلمات السنية، وأتمت دراستها في سنة (1906م)، وعينت مدرسة بمدرسة عباس الابتدائية للبنات بالقاهرة لتبدأ رحلتها في مجال ممارسة التعليم، ولما كان مرتب المعلمة الحاصلة علي دبلوم المعلمات السنية ستة جنيهات في الوقت الذي يعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب اثني عشر جنيهاً استاءت نبوية موسي من هذه التفرقة واحتجت لدى المعارف (وزارة التربية والتعليم وقتها) فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن متخرجي المعلمين العليا حاصلون علي شهادة البكالوريا «الثانوية العامة» فصممت علي أن تحصل على هذه الشهادة واستعدت لها بمجهود ذاتي فلم يكن في مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات وتقدمت لهذا الامتحان فأثارت ضجة في وزارة المعارف باعتبارها أول فتاة في مصر تجرؤ علي التقدم لهذه الشهادة التي كان حاملوها يحظون بمكانة اجتماعية مرموقة ونجحت نبوية في الامتحان وحصلت على شهادة البكالوريا 1907 فكان لنجاحها ضجة كبرى واكتسبت نبوية شهرة واسعة في كل الأوساط خاصة العلمية والثقافية وعلقت هي على ذلك قائلة: «لو أنني فتحت فرنسا لما كان لاسمى رنة أشد مما كان على إثر نيل الشهادة العظيمة» أي شهادة البكالوريا ثم حصلت علي دبلوم المعلمات 1908 وفي هذه الفترة بدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها بعض الصحف مثل «مصر الفتاة» و«الجريدة» حيث تناولت فيها قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية. وألفت كتابا مدرسيا بعنوان «ثمرة الحياة في تعليم الفتاة»، قررته وزارة المعارف وقتها للمطالعة العربية في مدارسها.، وتولت نظارة المدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم (سنة 1327ه – 1909م) وهي مدرسة أنشأتها مديرية الفيوم، وكانت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية (مديرة للمدرسة)، ونجحت نبوية موسى في نشر تعليم البنات في الفيوم فزاد الإقبال على المدرسة، ثم تنقلت نبوية بين إدارة عدد من مدارس البنات، وكانت تلقى العنت والمتاعب من بعض القائمين على الأمر في الوزارة خصوصا ممن ينظرون إلي المرأة المتعلمة نظرة متدنية، ووصل الأمر بالمستشار الإنجليزي لوزارة المعارف باترسون إلى منحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر، حيث اتهمها الإنجليز بالاشتغال بالسياسة ومهاجمة القائمين على الحكم. انصرفت همة نبوية موسى منذ إنهاء خدمتها بالمعارف سنة 1926 إلى الاهتمام بأمور التعليم في مدارسها الخاصة التي أقامتها في الإسكندرية باسم مدارس (بنات الأشراف)، ثم افتتحت فرعا آخر لها بالقاهرة، وقد أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف في الإسكندرية وقفا خيريا لوزارة المعارف سنة 1946م. تعتبر الفترة فيما بين (1937- 1943م) هي أزهى فترات نبوية موسى وأكثرها نشاطًا وحيويةً، فإلى جانب إدارتها للمدارس التي اكتسبت سمعة طيبة قامت بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم الفتاة، صدر العدد الأول منها في سنة (1937م) واستمرت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات أصدرت خلالها 229 عددا كما ألفت نبوية آنذاك رواية تاريخية باسم توب حتب أو الفضيلة المضطهدة ترجع إلي عصر أحمس الأول ونشرت أيضاً في هذه الفترة ديوانا شعريا كما قامت نبوية موسى بتأليف كتاب المرأة والعمل. ولنبوية موسى تراث في الفكر التربوي، خاصة أنها شاركت في كثير من المؤتمرات التربوية التي عقدت خلال النصف الأول من القرن العشرين لبحث مشكلات التعليم، كما أن لها بعض المؤلفات الدراسية التي قررتها وزارة المعارف كما كان لنبوية موسى نشاط اجتماعي كبير من خلال الجمعيات والمؤتمرات النسائية على المستويين المحلي والعالمي. كما تحدثت عن حياتها كاملة في كتاب «تاريخي بقلمي». في عام 1951م توفيت نبوية موسى بعد حياة كفاح تستحق كل التقدير والاحترام حيث إنها عاشت من أجل رسالة قيمة ونعتقد أن ثمارها ما زلنا نشعر بها جميعا في مجتمعاتنا العربية .