أعمدة

لا تمنعي عنا الشجر

humada
 
humada
حمدة بنت سعيد الشامسية - hamdahus@yahoo.com - تفاجأت بسلسلة اعتراضات من بعض الموظفين أظهروا فيها استياءهم من قرار منع الأشجار في المكاتب أو هكذا فسره الغالبية منهم رغم أن التعميم كان مضمونه- عدم نقل أشجار من المبنى السابق الذي انتقلت منه المؤسسة، أو إحضار أشجار عن طريق الموظفين مباشرة، ولم يحمل طبعا التعميم أسباب أو دواعي هذا القرار، الأمر الذي جعل كل يفسره حسب قراءته، مما اضطرني إلى توضيح الإعلان والمغزى منه والأهم من كل ذلك التوضيح بانني لم أمنع الأشجار، لكن المؤسسة تعاقدت مع جهة متخصصة لتوريد أشجار لضمان مصدرها وخلوها من الأوبئة والحشرات، بعد أن تلاحظ بأن بعض الشجيرات التي جيء بها بشكل خاص كانت تحمل بعض الآفات التي انتقلت لبقية الشجيرات، وأيضا لكون الشركة المورد كانت تعتني بالأشجار التي وردتها والتي تم التعاقد معها للعناية بها، وتتضمن العناية الفحص الدوري من الآفات الزراعية ومعالجتها أول بأول وهو ما لا يتوفر لبقية الشجيرات، التي لم يعرف لها مصدرا مما جعلها مصدرا لحشرات ضارة امتلأت بها المكاتب وتسربت إلى المكيفات مهددة صحة الموظفين، ناهيك عن أن بعض تربة هذه الشجيرات كانت تحمل بويضات حشرات ضارة انتشرت في المبنى.. كان هذا الشرح وحده كافيا، لتهدئة روع الموظفين، من خلال معرفتهم بأنني لا أحمل عداوة للشجر، إلا أن هذا الموضوع استوقفني كثيرا وشغل حيزا من تفكيري ذلك اليوم خلافا لكل القضايا التي طرحت، ربما لكونه قد تزامن مع مناقشة تقييم الأداء السنوي، والذي يتطلب مناقشته مع الموظفين من قبل المسؤول المباشر بهدف الوصول لاتفاق حوله، هذه المرحلة تظهر لي شخصيا مستوى التحفيز لدى الموظفين بشكل عام، والذي أتعلم منه كل سنة دروسا جديدة كنت غافلة عنها، لعل أهمها ما أظهره موضوع الأشجار، الذي كشف لي أن إصدار قوانين غير واضحة الهدف، وغير مفهومة من قبل منفذيها تسبب ربكة وقلق بين الموظفين الذين يشعرون بانهم مقيدو الحركة، وبأن كل تحركاتهم وتصرفاتهم تحت المراقبة مما يعزز فيهم القلق والاستياء ويؤثر في النهاية على مستوى الإنتاجية. أمر آخر كشفه لي هذا التمرين السنوي هو أننا لا نحفز جميعا بذات الطريقة، فما أراه مهما هو ليس كذلك عند الآخر على الإطلاق، تعلمت أيضا أن المال ليس بالضرورة هو الحافز الأهم، ذلك انه حتى مع غياب المال عندما يزيد حس المشاركة لدى الموظف ويشعر بأن جهوده مقدره فإن كلمة (شكرا) أحيانا لها مفعول أطول وأكبر من أي مكافأة مادية، لكن كلمات التحفيز أيضا سلاح ذا حدين، فأحيانا يفسرها الآخر على أنها مجرد (تطييب خاطر) و(دهن سير) فيما إذا كان يعاني من انخفاض في تقديره لذاته أو انعدام الثقة بالنفس، الأمر الذي يتطلب استخدام أساليب التحفيز هذه بحذر شديد خشية تأثيرها السلبي... تعلمت أيضا أنه من الضرورة بمكان أن تناقش نقاط الضعف بأمانة وشفافية مع الموظف، فهو يتعطش لها تعطشه لسماع الجوانب الإيجابية، ذلك أن الموظف الذي بالفعل يهدف إلى التقدم والتطور يهمه كثيرا أن يعرف ما هي النقاط التي يتوقع منه مسؤوله المباشر أن يعمل على تحسينها، ولعل هذا كان أحد أقوى الدروس التي تعلمت مؤخرا، رغم أننا نعتقد بأن الموظف لا يحب أن يسمع السلبيات، فنعمل على إخفائها عنه، خوفا من جرح مشاعره، أو إغضابه، وهذا أمر أجده مرتبطا ارتباطا وثيقا بالبيئة، فنحن كعمانيين، لا نحب الإساءة لأحد، ولا نرتاح لفكرة إغضاب أحد، فنلجأ إلى الدبلوماسية المفرطة أحيانا أو إخفاء الحقيقة التي نتصور أنها مؤلمة، لكننا بهذا نسيئ للموظف ولأنفسنا إساءة أكبر بكثير من مواجهة الحقيقة، فموظف اليوم على درجة عالية جدا من الوعي والاطلاع والطموح، تجعله يتعطش للتقييم الموضوعي من أجل التطور والنمو الذي يصبو إليه.