الملف السياسي

ضرورة التلاقي على المشتركات الإنسانية

عبدالله العليان - لا شك أن المؤتمرات واللقاءات بين صناع القرار بين بلداننا العربية والدول الأوروبية، مهمة وضرورية للتعرف أكثر على المنطلقات والأفكار التي تحدد السياسات تجاه التوترات والتحولات الفكرية في عالم متغير ، وخاصة في ظل الصراعات الراهنة وبروز التطرف والإرهاب،كإحدى القضايا الخطيرة التي تهدد الاستقرار وتجعل الدول تنشغل بمواجهة هذا التطرف، بدلاً من التوجه للتنمية والنهوض في هذه الدول التي أصابها هذا الداء الذي ازدادت وتيرته في السنوات الأخيرة، والإشكالية أن بعض دول أوروبا، تتجه لاتهام الدين الإسلام بأنه دين يغذي التطرف والإرهاب، وأكثر الذين تضرروا من هذا الإرهاب هم المسلمون، أكثر من غيرهم، ولذلك لا بد من تعزيز الحوار العربي الأوروبي وتفعيله، من خلال التلاقي والتحاور في المشتركات، والتعرف أكثر على ما يجب الاتفاق عليه في قضايا عديدة، ومنها زيادة التعاون، والبعد عن الأحكام المسبقة التي تطرح في الغرب،من بعض المؤسسات السياسية والإعلامية، ومن خلال الحوار الجاد الذي تلتقي حوله القضايا الملتبسة والتي تحتاج إلى نقاشات وحوارات بين العرب والغرب، لمواجهة ما يعكر علاقات الطرفين، ولا شك أن تعزيز الحوار بين المؤسسات السياسية وبين الثقافات والحضارات من خلال المؤتمرات واللقاءات، يعد من القضايا المهمة في عصرنا الراهن لتقريب وجهات النظر ،وذلك لما لهذا الحوار من إيجابيات في سبيل تقوية ثقافة التسامح وتقريب وجهات النظر في المشتركات الإنسانية والذي يركز على محاربة ظاهرة الإرهاب العالمية، وتعزيز التسامح واحترام الأديان والعديد من القضايا التي تسهم في إزالة العقبات أمام الحوار والتعايش بين والثقافات الإنسانية، والتعاون لما فيه الاستقرار والتفاهم بين هذه الدول. فالحوار مع الآخر يظل مطلباً لا غنى عنه للإنسانية جمعاء إذا ما أرادت أن تعيش بمنأى عن الصراع السلبي ـ وليس التدافع الحضاري ـ الذي هو في الأصل سنة إلهية كونية بين الأمم ، فالحوار بين المختلفين المبني على المنهج الصحيح يجب أن يسود بين الحضارات والثقافات، وتتحقق فيه شروط التعايش والتفاهم والعدل، ويقتنع الجميع أن الحوار بين الحضارات هو السبيل الأجدى للتغلب على الحروب والتوترات ، وما يسمى الآن بمشكلات الإرهاب وتوابعه بعد تجديد مفهومه بصورة سليمة وصحيحة بعيداً عن المزايدات والذرائع والأحكام المسبقة الظالمة. ومن هذه المنطلقات فإن الوعي بأهمية القبول بالآخر واحترامه في إطار من التسامح والتعايش والعدل الإنساني يجعل الحوار إيجابياً من الأطراف المتحاورة بعيداً عن الأحكام المسبقة النظرة التي تنظر للآخر بعين الريبة والتوجس، والمطلوب هو التقارب والتلاقي لما يسهم في إبعاد التوترات والصراعات ـ وكما يقول د/‏‏‏ محمد الكتاني ـ « أنه لا توجد حضارة أو ثقافة عاشت وحدها بمعزل عن غيرها من الحضارات والثقافات، فكما أننا في التاريخ لا يمكن أن نكتب عن أمة بمعزل عن علاقاتها بالأمم الأخرى ، وعما ساد تلك العلاقات من حرب أو سلم أو تبادل للمنافع والمنتجات ، فكذلك لا نستطيع أن ندرس حضارة أو ثقافة إلا من خلال تفاعلها مع غيرها في الأخذ والعطاء . وقد تأثرت الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية في مطلع عصر النهضة، وبما حملته الثقافة الإسلامية من مقومات الثقافة اليونانية . ثم حل دور تأثر الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية في العصر الحديث ، في حدود استيعاب القيم العليا والنظم الصالحة للاقتباس، غير أن فترة الاستعمار الغربي وتفوقه العسكري والتكنولوجي ، وثروته المادية التي كونها خلال عهد الاستعمار جعلته يتشبع بروح الاستعلاء وينظر إلى الشعوب الأخرى نظرة استصغار». ولا شك أن ثمة حاجة ماسة لوضع أسس واضحة لنجاح الحوار العربي الأوروبي وتقوية منطلقاته المهمة، والقضية أن الحوار مبدأ أصيل في الإسلام وفي الديانات السماوية، إنما الأهم أن يكون الحوار مجدياً وناجحاً، ولا أعتقد أن أحداً سيقول أنني أرفض الحوار .. لكن من الواضح أن الحوار الذي يحقق أهدافه في تعايش ووئام الأمم والحضارات يجب أن لا يقوض بالافتراض المتعارف عليه في عصرنا الحالي الذي يجعل القوي يفرض ما يراه منسجماً مع نزعاته وقناعاته غير العادلة، فإن هذا الحوار يصعب نجاحه إذا ما أريد لهذا الحوار النجاح المؤمل منه. لكن الإشكالية أن بعض الكتاب والباحثين العرب يذهبون إلى أن الحوار مع الآخر لا فائدة منه،لأن هذا الآخر، وهو الغرب في الوقت الراهن لا يقبل الحوار ، وإذا قدر ان انفتح للحوار ، فإن هذا الحوار يفتقد أهم شروطه وهو « الندية » كما يرى الكاتب فهمي هويدي،، «فالغرب هو الأقوى عسكرياً وتقنياً واقتصادياً ، بما لا تقارن به أية دولة في عالمنا العربي والإسلامي ، ليس هذا فحسب ، وإنما ينطلق في خطابه وسياسته إزاء العالم الإسلامي من منطلقات الفرض والهيمنة. وبموازين القوة الراهنة». لكننا نعتقد أيضاً بأن هذه النظرة للحوار غير دقيقة ،لأن هناك التباساً عند البعض في مفهوم الحوار عنه في التفاوض ، فالتفاوض فعلاً يحتاج إلى الندية والتوازن، لكن الحوار في أحيان كثيرة لا يحتاج إلى الندية أو التكافؤ، والأنبياء حاوروا أقوامهم لتوضيح رسالة الأديان لهم في الإيمان والصلاح والخير للبشرية ، وكانوا ـ عليهم السلام ـ الطرف الأضعف بمقاييس القوة والندية ، ولكن الحوار والجدل والبرهان ثم الإقناع جعل لدعوتهم التأثير والأثر ، ولنا في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة ـ كيف حاور المشركين وهو الطرف الأضعف. وبالحوار زعزع قناعاتهم الاعتقادية ـ المشركين ـ وانتصرت دعوته بتأييد الله عز وجل في النهاية .ولذلك فالحوار يطلب لذاته، بغض النظر عن المعايير والاشتراطات ـ وإن كانت وجيهة ومقبولة ـ وهو كذلك مبدأ إسلامي أصيل ، يجب أن نحرص عليه للحوار مع الآخر المختلف حتى وإن كان معاد وكاره لمعتقداتنا وأفكارنا الخ.