شرفات

على إيقاع ضحكتِها

إبراهيم السالمي - قريبًا أو بعيدا أنت أخيلتي حزينًا أو سعيدًا أنت أوردتي قليلا أو كثيرا أنت أمنيتي صباحا عند بابِ الْبَيْتِ متكئًا على لون الفراشةِ باتجاهِ الضوءِ أمضي دونما سببٍ سأضحكُ أو على سببٍ مُضيءٍ عبرَ ضحكتها. يمرُّ عليّ في الممشى صغيرٌ في التفاتتهِ شقاوتُنا ويحملُ فوق جبهتهِ قرنفلةً أمدُّ يدي أودِّعهُ فيُشرقُ مثل بسمتِها وأمضي في طريقي أنت أغنيتي وصوتُ النايِ من أبوابِ جارتنا وشيءٌ من ضفيرتِها فكمْ يأتي حريريًا وصوفيًا ومنعتقًا سماويًا حنينُ الماءِ في لغتي فيُربكُني التشابهُ في العيونِ بها فأوقظُ نخلةَ الطُرُقاتِ ساطعةً بوجهِ الشمسِ شامخةً كوقفتِها. يُحرِّرُني الطريقُ إلى مداهُ النَّاسُ فوضى لا وجوهَ لهم وأمضي دُونَ أشرعتي أميلُ إلى اليمينِ إلى اليسارِ تطرُّفًا للوجدِ يُزعجني التأني في المسيرِ تطلُّ أغنيةٌ من المذياعِ تختصرُ المسافةَ حين تعبرُني لطلّتها. وأمضي خلفَ أحجيتي ضحىً يأتي بقهوتهِ على لغةٍ معطَّرَةٍ ويسألُ عن عصافيري يؤرقُهُ اصفرارُ العينِ يُخرجُ عُشبةً هنديةً في جيبِ معطفهِ الحكايةُ ذاتُها عن جدِّهِ خلفَ المحيطِ ولا أملُّ أريهِ دهشةَ شاعرٍ أولى مكررةً وهادئةً وماكرَةً كدهشتِها. يمرُّ بي الكلامُ لوردةٍ منسيةٍ عِنْدَ الممرِّ فأسألُ العشاقَ هل للوردِ ذاكرةٌ تعي أنفاسَ عاشقهِ وهل للقلبِ متسعٌ لشيءٍ من غوايتها فتسألني انحناءتُها بقايا الماءِ أسكبُهُ على روحينِ كيْ ترتجَّ في الأرجاءِ عاطرةً وماطرةً تذكرُني بوردتِها. أظل أمام نافذتي تحطُّ حمامةٌ في غيرِ موعدِها تحطُّ حمامةٌ أخرى على وعدٍ فألقطُ من غرامِ اللحظةِ الجذلى نهاراتي أعود ُوأستديرُ لكي أكونَ الثالثَ المرويَّ في وضحِ العيونِ وشاهدًا أني رأيتُهما معا ورأيتُ ذاكرتي حماماتٍ لصورتِها. تطيرُ حمامتي كسلى رتابتُها تُعيدُ قصيدةً ولدتْ لأجلِ الحبِّ في عجلٍ فأكتبُ كذبةً بيضاءَ عن جبلٍ جليديٍّ بلونِ الليلِ يُطفئُ نارَ شُعلتِها فكمْ طارَ المجازُ بِنَا جميلًا مِثْلَ كذبتِها. فتنتصِبُ الغوايةُ في سياجِ العمرِ يسألني الرفيقُ عن التفاصيل الدقيقةِ لانعتاقِ الغيمِ شفَّافًا على الأحلامِ والآمالِ يُبهرني بحكمتِهِ تمامًا فَوْقَ حكمتِها. خمولُ قصيدتي يمتدُّ في الأشياءِ غامضةً أنا والبابُ مفتوحان للأفقِ البعيدِ ومتعبانِ من الفراغِ من النقيضِ تعيدُني الألفاظُ نحوَ طبيعتي الأولى وهذا الوقتُ مكتضٌّ ومملوءٌ بأسئلتي فأمضي هاربًا في الظلّ أسألهُ لماذا ضقتَ في وَسَعي وخبأتَ الصنوبرَ بين أجنحتي فيلهمُني اخضرار الروحِ في وجَعِ الخريفِ فحكمةٌ القرويِّ في اللاوعيِ شاردةٌ وباردةٌ وتشبهني وتشبهُ لونَ خمرتها. مساءً في تذكّرها عقاربُ ساعةِ المقهى وأشجارٌ مؤثثةٌ ونادِلَةٌ بطعمِ الزعفرانِ ونكهةٌ من هيلِ قهوتها فذاكرةُ المكانِ أصابِعُ الحلوى لدرويشٍ يجيدُ الرسمَ في الفوضى وفي وسَطِ الضجيج يجيد خلوتهُ كما الحلوى بخلوتِها. وأمضي أنتِ ذاكرتي أفرِّغُ ما تبقّى في ضلوعِ الليلِ من وجعِ النّجومِ بما ادّعتهُ خُرافةُ الأبراجِ عَنْ شيخٍ برجمِ الغيبِ يقرأ دفترَ العشّاقِ مقلوبًا فأسألهُ عنْ الخطّينِ في كفّي فيومئُ نحوَ قافلةٍ من الأسماءِ داكنةٍ وينسى طيفَ نَجمتِها. فأمضي مثقلًا بالليلِ مشدودًا بأنجُمِهِ كأنَّ الأرضَ ملّتْ بطءَ دورتِها فأركلُها لكي ترتدَّ عافيتي على أنغامِ ليلتِها مساءً عند بابِ الْبَيْتِ متكئًا على قمرٍ يُداعبُ غيمتين يطلُّ وجهُ فراشتي في الضوءِ تسحبُ من فم الليلِ الغمامٓ تجاهَ شرفتِها فأستديرُ على إيقاعِ ضحكتها